الولايات المتحدة مصرة على جر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك إلى الدخول في معركة الرئاسة الأميركية. فمنذ بضعة أشهر يمارس الرئيس بيل كلينتون ووزراؤه، وفي مقدمهم وزير الطاقة بيل ريتشاردسون، ضغوطاً مستمرة وعلنية على دول "أوبك" لتزيد انتاجها فينخفض سعر برميل النفط وينخفض بالتالي ما يدفعه المستهلك الأميركي لبرميل الغازولين. واستجابت "أوبك" في اجتماعها السابق لهذا الطلب الأميركي، إدراكاً منها بأن السعر المرتفع، الذي تجاوز مستواه 28 دولاراً للبرميل، يؤثر سلباً في استهلاك النفط وفي الاقتصاد العالمي. وأكثر من ذلك، وضعت "أوبك" خلال اجتماعها الأخير في فيينا في آذار مارس الماضي، وللمرة الأولى في تاريخها، آلية تهدف الى الحفاظ على مستوى الأسعار بين 22 و28 دولاراً للبرميل. فإذا انخفض سعر النفط إلى أقل من 22 دولاراً للبرميل تعاود "أوبك" خفض انتاجها، وإذا تجاوز 28 دولاراً للبرميل تعاود زيادة انتاجها. وبعد القرار الذي اتخذته المنظمة راوحت أسعار النفط ضمن هذين المستويين، ما حمل وزراء نفط نافذين في "أوبك"، منهم وزير النفط السعودي علي النعيمي، على القول بأن لا حاجة لزيادة الانتاج في الوقت الحالي. وأكد وزير النفط الكويتي الشيخ سعود الصباح من جهته ان الأسعار لا تزال ضمن المستويات المقبولة، ولا حاجة بالتالي لزيادة الانتاج. كما أكد وزير النفط القطري عبدالله العطية، بدوره ل"الحياة"، ان معدل سعر النفط لا يزال عند مستوى 24 دولاراً، وأنه ينبغي ان يرتفع على مدى 20 يوماً، إلى أكثر من 28 دولاراً ليجري العمل على رفع الانتاج، أما الآن فلا حاجة لذلك طالما بقي السعر أدنى من 28 دولاراً للبرميل. وأشار الأمين العام ل"أوبك" رولوانو لقمان ل"الحياة" ان سعر النفط لا يزال أقل من 28 دولاراً، وأنه ليس هناك أي داعٍ لتغيير مستوى الانتاج. لكن ريتشاردسون، الذي رأى ان سعر سلة نفط "أوبك" ارتفعت منذ نهاية الأسبوع الماضي، ولمدة يومين، إلى أكثر من 28 دولاراً للبرميل، بدأ يكرر علناً أنه سيجري اتصالات مع الدول الصديقة في "أوبك" لبحث الموضوع. والاتصال الأول الذي سيجريه ريتشاردسون في هذا الإطار سيكون مع وزير الطاقة القطري في واشنطن يوم الخميس المقبل. ولدى الولاياتالمتحدة حالياً في إطار حملة الانتخابات الرئاسية ثلاثة مقدسات باتت تختصر ب 3 G، وهي: Guns، وهي إشارة لحرية اقتناء الأسلحة النارية من جانب الأفراد، وGonzales في إشارة إلى قضية الولد الكوبي إليان غونزاليس التي شغلت الإعلام الأميركي، وGasoline أي سعر النفط، وذلك على حد قول أحد كبار مسؤولي العالم العربي. فهذه الحملة الانتخابية تتزامن مع فترة قلما شهدت مثلها الولاياتالمتحدة، التي تنعم حالياً باقتصاد جيد ومستوى نمو مرتفع وانعدام البطالة. ولذا، ليست هناك قضية أساسية تعبئ الشعب الأميركي إلا قضية الغازولين. من جهة أخرى، فإن ريتشاردسون سيكون من بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأميركي، في حال فوز المرشح الديموقراطي آل غور خلفاً لكلينتون. ونظراً لكونه وزيراً للطاقة، فإن ريتشاردسون أصبح يعاني من نوع من الادمان نتيجة إصراره على التذكير تكراراً بأنه سيتصل بالدول الصديقة في "أوبك" ليبلغها بقلقه ازاء أسعار النفط، أملاً منه في أن تعمل المنظمة على زيادة انتاجها من أجل مصلحة المستهلك الأميركي. لكن المسؤولين في الدول المصدرة للنفط ليسوا بحاجة لمثل هذه الضغوط المحرجة لهم، خصوصاً أنهم يدركون تماماً أنه في حال ارتفاع سعر النفط أكثر من 28 دولاراً، لمدة 20 يوماً، فإنهم سيعملون تلقائياً على زيادة انتاجهم بنصف مليون برميل في اليوم. فإصرار ريتشاردسون على اقحام "أوبك" في السباق الرئاسي الأميركي، يشير إلى أن الإدارة الأميركية تغض النظر عن مبادئها المقدسة المتعلقة بحرية السوق وعدم التدخل في الانتاج والأسعار، عندما تقتضي مصلحتها، بأن يتحول ما تسميه ب"كارتيل المصدرين" إلى عامل مؤثر في انتخاباتها، وبأن تتحول "أوبك" إلى صانعة رؤساء أميركا.