تتنافس 82 لائحة شكلتها أحزاب المعارضة والمستقلون مع 257 لائحة شكلها "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم اليوم الأحد 28 أيار مايو على مقاعد المجالس البلدية في محافظاتتونس إضافة إلى العاصمة التي تستأثر بأكبر مجلس بلدي من حيث عدد المقاعد 60 مقعداً فيما يراوح العدد في الدوائر الأخرى بين 40 و10 مقاعد فقط. وعلى رغم أن عدد المقاعد الإجمالي ارتفع من 4090 مقعداً في الإنتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في أيار العام 1995 إلى 4144 مقعداً في الإنتخابات الحالية، بفعل النمو السكاني، فإن حجم مرشحي الأحزاب تراجع ما جعل المستقلين يظهرون في صورة التيار الذي تفوق قاعدته الشعبية قواعد الأحزاب. وكانت ظاهرة المستقلين طفت على السطح للمرة الأولى في الإنتخابات الإشتراعية العامة التي أجريت العام 1989 عندما رشحت حركة "النهضة" الإسلامية غير المرخص لها لوائح أطلق عليها "لوائح المستقلين" وحصدت أصواتاً أعلى من الأحزاب غير الدينية. إلا ان مستقلي السنة الفين ليسوا من الإسلاميين ويتحدر أكثرهم من أحزاب المعارضة المجازة مثل اللائحة التي يقودها النائب السابق فتحي قديش في دائرة الحمامات 60 كيلو متراً جنوب العاصمة تونس والذي غادر "حركة التجديد" الحزب الشيوعي السابق بسبب خلافات مع أمينها العام محمد حرمل. وفيما رشح "التجمع" لوائح في كل الدوائر، عجزت المعارضة عن مجاراته ورشحت لوائح في 62 دائرة فقط، لكن لوحظ أن هناك أكثر من لائحة معارضة واحدة في بعض الدوائر ما سيجعل المنافسة لا تجرى بين الحزب الحاكم والأحزاب الأخرى وحسب وإنما بين المستقلين والأحزاب أيضاً. وإستطاعت حركة الإشتراكيين الديموقراطيين ليبرالية - وسط وهي حزب المعارضة الأول في مجلس النواب ترشيح 25 لائحة، بينما رشح حزب "الوحدة الشعبية" بزعامة محمد بوشيحة 14 لائحة و"الاتحاد الديموقراطي الوحدوي" بزعامة عبدالرحمن التليلي 13 لائحة والحزب "الإجتماعي التحرري" بزعامة منير الباجي خمس لوائح وحركة التجديد شيوعية ثلاث لوائح فقط. في المقابل أظهر المستقلون قوتهم عندما رشحوا 22 لائحة أي أكثر من الأحزاب الثلاثة الأخيرة. وكان عدد لوائح المستقلين والمعارضين أكبر لدى إطلاق سباق الترشيحات في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، إلا أن السلطات رفضت إعتماد 14 لائحة لمنافسي "التجمع". قانون معدل وتجرى الانتخابات الحالية للمرة الأولى في ظل القانون الإنتخابي المعدل الذي بات يمنح مرشحي الأقلية 20 في المئة من مقاعد المجلس البلدي شريطة أن يحصدوا ثلاثة في المئة من أصوات الناخبين في الدائرة. وأتى هذا التعديل بعدما احتكر "المجتمع" أكثر من 98 في المئة من مقاعد المجالس البلدية في الانتخابات الماضية ما حفز على إيجاد حلول فنية لإيصال أصوات أخرى إلى البلديات. وكان مستقلون فازوا بالأكثرية في قرية "الشابة" الساحلية التي يعيش أهلها من البحر في انتخابات العام 1990 ما جعل "التجمع" يكثف الحواجز في وجه مرشحي المعارضة والمستقلين في الانتخابات التالية 1995 ويستأثر ب4084 مقعداً في مقابل ستة مقاعد فقط لمنافسيه. وقال أمين عام "حركة الإشتراكيين الديموقراطيين" إسماعيل بولحية ل"الحياة" إن حزبه يسعى إلى تهيئة مناخ سياسي جديد يكرس تجاوز "خضة" العام 1995. وأكد أن مشاركة أعضاء الحزب "رمزية" كون العملية الانتخابية لا تختزل في يوم الإقتراع وإنما هي حصاد مسار طويل للتعريف ببرامج الحزب وأهدافه. وأوضح أن ذلك لم يكن متاحاً بسبب إحجام الإذاعة والتلفزيون الحكوميين عن إيصال مواقف الأحزاب إلى الرأي العام إضافة إلى استمرار إحتجاب صحيفتي الحزب "المستقبل" و"لافنير". إلا أنه حض على وضع مصالح المواطنين والناخبين فوق الإعتبارات الحزبية وشدد على دور البلدية تفي إنجاح حركة التنمية قبل أي أولوية أخرى. انتقادات وفي السياق نفسه وجهت صحيفة "الشروق" المستقلة انتقادات إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون كونها "لم تسمع بأن هناك إنتخابات ولم تقم بواجبها كاملاً إزاء مثل هذه الإستحقاقات فإلى حدود عشرة أيام قبل يوم الإقتراع لم تعط أي خبر عن تاريخها والأحزاب المشاركة فيها ولم تنظم حوارات مع الفرقاء أو مناظرات بينهم". وعبر محمد حرمل عن موقف مشابه إذ شدد على ضرورة "أن يعرف الرأي العام من نحن وماذا نريد؟" وحض على فتح التلفزيون أمام الأحزاب كي تعبر عن آرائها ومشاريعها. وكانت "حركة التجديد" إقترحت على "التجمع الدستوري الديموقراطي" تشكيل لوائح إئتلافية تشمل الأحزاب التي وقعت على "الميثاق الوطني" في العام 1988 وبينها حركة "النهضة"، إلا أن "التجمع" تجاهل الدعوة ولم يناقشها في الإجتماع الأخير للجنته المركزية. وعزت مصادر قريبة من "التجمع" هذا الموقف إلى كون الحزب الحاكم الذي يقرر عدد المنتسبين إليه بمليوني عضو لا يمكن أن يتحالف مع أحزاب ضعيفة. ولعل عجز "التجديد" عن إيجاد مرشحين في أكثرية الدوائر أثبت صحة تحليل "التجمعيين" إذ لم يرشح الشيوعيون السابقون سوى ثلاث لوائح أي أنهم سيكونون حاضرين في واحد في المئة من الدوائر تقريباً. وجرت مساع قبل تشكيل لوائح المرشحين لإقامة تحالف انتخابي بين حزب الوحدة الشعبية والاتحاد الديموقراطي الوحدوي لكنها باءت بالفشل ربما بسبب الإرث السلبي للتحالف الذي شكله الحزبان مع "التجديد" في الانتخابات البلدية الأخيرة ولم يثمر سوى الفوز بمقعدين من أصل أكثر من أربعة آلاف مقعد جرى التنافس عليها مع "التجمع" الحاكم". مقاطعة بالمقابل قاطع "التجمع الاشتراكي" الذي يضم وجوهاً سياسية وأكاديمية معروفة بزعامة المحامي أحمد نجيب الشابي الانتخابات الحالية وأعلن في مؤتمر صحافي عقده الثلثاء الماضي في مقره المركزي في العاصمة أن النظامين الإعلامي والانتخابي "بقيا على حالهما واقتصرت الحكومة على تعديلات جزئية لم تشمل نظام الترسيم في اللوائح الانتخابية وما يفرزه من حرمان قطاعات واسعة من المواطنين خصوصاً الشباب من التسجيل". واعتبر أن نظام الاقتراع على اللوائح في دورة واحدة "هو الذي أدى الى احتكار الحزب الحاكم جميع المقاعد على مدار نصف قرن". وانتقد استمرار "التداخل بين أجهزة الحزب الحاكم والإدارة على رغم التخلي رسمياً عن نظام الحزب الواحد وتكريس الخيار التعددي". وحض على "تنقية المناخ السياسي العام وتحصين الجبهة الداخلية بتكريس إصلاحات عاجلة تتمثل بالافراج عن السجناء السياسيين وسن عفو عام وفتح الإعلام السمعي والبصري أمام الخبر الموضوعي والرأي الحر والاعتراف بجميع الأحزاب والجمعيات التي تسعى للعمل القانوني والسلمي". فرص عريضة ل"التجمع" وعلى رغم الصدى الذي لاقاه هذا الموقف في أوساط النخبة وأظهرت لامبالاة واسعة بالانتخابات، فإن الأحزاب المشاركة تركز حالياً على معرفة فرصها للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد. ويتفق المراقبون على أن "التجمع الدستوري" سيفوز بالأكثرية الساحقة كونه يخوض الانتخابات من دون منافسين في 193 دائرة بينما لن يجتاز مرشحو الأقلية سقف العشرين مقعداً في الدوائر الباقية 64 دائرة. ورجحت مصادر في "الدستوري" أن تحصد لوائح الحزب أكثر من 90 في المئة من مقاعد المجالس البلدية على الصعيد الوطني واستبعدت أن تفوز أي لائحة معارضة أو مستقلة بالأكثرية في دائرتها واعتبرت حصول لائحة مستقلة على الغالبية في "الشابة" العام 1990 حدثاً استثنائياً لا يمكن أن يتكرر "ليس فقط لأن القانون يضع كل الفرص الى جانب المرشحين التجمعيين وإنما أيضاً بسبب شعبية الحزب وانضباط أعضائه". وفي هذه الحال لا يرجح مراقبون أن تفوز أي شخصية معارضة أو مستقلة برئاسة بلدية من البلديات المتنافس عليها. وكانت قيادة "الدستوري" سعت الى تشبيب مرشحيها فاختارت وجوهاً جديدة شكلت 60 في المئة من أعضاء لوائح الحزب، لكن لم تكن بينها شخصيات بارزة عدا السفير السابق عباس محسن في بلدية العاصمة ورئيسة اتحاد المرأة سابقاً سميرة بلحاج في بلدية باردو ضاحية تونس والنائب السابق الجيلاني الدبوسي في طبرقة. أما الوجوه المتحدرة من المدرسة البورقيبية فلوحظ غيابها الكامل خلافاً للاستحقاقات الانتخابية السابقة.