رأى رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي "ان سقوط الأجندة الاستئصالية" يشكل "أهم تطور حدث في السودان" أخيراً. وقال في حديث الى "الحياة" في الدوحة أول من أمس قبل مغادرته الى القاهرة ان "وعي الشعب السوداني والجيران ودعم الأسرة الدولية سيهزم الأجندة الحربية والتدويلية والشمولية لتنتصر الأجندة الوطنية التي تتمثل في برنامج للحل السياسي الشامل للأزمة السودانية". ووجه المهدي انتقادات حادة لرئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان" العقيد جون قرنق، لكنه توقع ان ينحاز قرنق والحزب الشيوعي السوداني الى برنامج الحل السياسي الشامل، وقال ان قرنق "يواجه عزلة داخل القوى السياسية الجنوبية". وأضاف رئيس حزب الأمة ان "قاعدة الحزب الاتحادي الديموقراطي" المعارض تؤيد برنامجه للحل السياسي ووصف موقف رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني بأنه "بطيء"، وأكد ان اميركا "تراجع حالياً موقفها السلبي تجاه المبادرة المصرية - الليبية". وفي ما يأتي نص الحديث: ما تقويمك للخلاف في الحكم السوداني والى أين تتجه الأحداث في البلاد؟ - أرى ان الخلافات داخل المؤتمر الوطني الحزب الحاكم طبيعية، وكل الاحزاب التي استولت على السلطة انقسمت لأن الذي يستولي على كل السلطة من الطبيعي ان ينفي الرأي الآخر داخل حزبه، ولذلك فإن الرأي الآخر في الاحزاب الشمولية يتحرك وغالباً يؤدي هذا الى انقسام. وكل الاحزاب التي احتكرت السلطة نفت الرأي الآخر خارجها ثم اضطرت الى ان تنفي الرأي الآخر داخلها. وما تفعله الأحزاب الشمولية في خصومها تضطر ان تفعله في أعوانها، لأن الحرية لا تتجزأ، ولذلك وجدنا كل الاحزاب الشمولية تعرضت لمثل ما تعرض له حزب المؤتمر الوطني في السودان. المهم هو ان السودان كان فيه موقف خطير، وهو موقف نظام يقوم على ايديولوجية تستأصل الرأي الآخر، وتضع للرأي الآخر خيارين فقط إما ان يمتثل وإما ان يقهر. وفي رأيي هذا الموقف هو الذي خلق اتجاهاً استئصالياً مضاداً قامت على اساسه المعارضة التي عملت بكل الوسائل للاستئصال المضاد فصار السودان حلبة صراع حتمي بين الاستئصال الحاكم والاستئصال المضاد المعارض. وفي رأيي أهم تطور حدث في السودان هو سقوط الاجندة الايديولوجية الاستئصالية التي كان يقوم عليها النظام مما أوجب حتماً ان يتغير الموقف المضاد بالانتقال من خانة الاستئصال المضاد الى خانة الحوار لا سيما انه صحب سقوط الاجندة الاستئصالية قبولهم لأهم الأجندة التي كان ينادي بها الرأي الآخر، وأهم ما في هذه الاجندة في رأيي أربعة أمور هي: اتفاقية سلام عادلة، وتحول ديموقراطي حقيقي، وعلاقات حسن جوار مع جيراننا، وقبول التجاوب الايجابي مع الشرعية الدولية. هذه البطاقة الفكرية هي التي كانت تمثل الرأي الآخر وصارت مقبولة منذ نداء الوطن اتفاق بين الرئيس عمر البشير والمهدي وقع في جيبوتي لدى القوى الحاكمة، وهذا أدى حتماً الى ان يسود منطق الحوار مكان منطق الاستئصال والاستئصال المضاد لا سيما وقد حدث تطور مناسب وهو ان تقدمت ليبيا بمبادرة محددة تبنتها مصر فصارت مبادرة مصرية - ليبية مشتركة قدمت آلية فاعلة للتفاوض في شأن التطور في المستقبل. ان الانتقال من مربع الاستئصال والاستئصال المضاد الى مربع الحوار هو أهم حدث وتطور في السودان. نحن في هذا نطرح ما نسميه الاجندة الوطنية، وأرى ان هذه الاجندة ما زالت تواجه بعض العقبات، لكنني اعتقد انها عقبات موقتة لأن بعض القوى في السودان متأثر بصورة أو بأخرى بأجندة اجنبية يتطلع لتمييز موقفه عن طريق العنف، ويتطلع لتدويل القضية السودانية، ويرى في ذلك بعض الامتيازات له. وبعض القوى داخل النظام يستهويه الاستمرار في الشمولية، ولهذا أقول ان هناك ثلاثة أجندة. اسميها الأجندة الشمولية والحربية والتدويلية الى جانب الأجندة الوطنية يدعو اليها حزب الأمة، لكنني اعتقد ان الاجندات الثلاثة الشمولية والحربية والتدويلية سيهزمها وعي الشعب السوداني ووعي القيادات السودانية ووعي جيراننا واهتمام الأسرة الدولية بالتطورات الايجابية لأنني اعتقد ان الأسرة الدولية ستدعم بصورة منقطعة النظير التحول الديموقراطي في السودان والسلام العادل وربما لاحظت كيف ان هذه المعاني دخلت في توصيات اعلان القاهرة لمؤتمر القمة الافريقي - الأوروبي. انا اذا متفائل بأن هذا التحالف العريض بين الشعب السوداني ودول الجوار والأسرة الدولية سوف يهزم أجندة التدويل والاجندة الحربية والشمولية وينتصر للاجندة الوطنية وهذا ما أتطلع اليه. هل ترى امكان حوار بين القوى السياسية في ظل الخلافات بين حزب الأمة والتجمع الوطني الديموقراطي خصوصاً ان تجمع المعارضة يضم حزباً كبيراً هو الحزب الاتحادي الديموقراطي؟ - الحزب الاتحادي الديموقراطي كثير الشرائح والجيوب، وفي رأيي ان اكثر شرائحه متجاوبة مع الاجندة الوطنية، واعتقد ان القاعدة الاتحادية مع هذا البرنامج، وفي رأيي ان هناك "بطأ" في موقف قيادة الاتحادي الديموقراطي السيد محمد عثمان الميرغني رئيس تجمع المعارضة لكنني اعتقد ان الواقع نفسه سيقود الى ان تنتقل قيادة حزب الاتحادي الديموقراطي بصورة قاطعة الى ما اسميه الاجندة الوطنية حتى وان تعطل ذلك بعض الوقت، لكنني شخصياً اعتقد ان القاعدة الاتحادية في السودان وحتى خارج السودان هي مع الاجندة الوطنية وان كان هناك بعض البطء في موقف القيادة. كذلك بالنسبة للحركة الشعبية الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق فإن قيادتها الحالية قرنق تنادي باستمرار الاجندة الحربية والدعوة لاجندة تدويلية. والدليل على هذا كثير، فتصريحات قرنق كان من شأنها ان تقوض مساحات الحرية التي بدأ ظهورها في السودان. وقال قرنق في خطاب معلن لوفد من المعارضة قادم من داخل السودان اشترك في اجتماع هيئة القيادة في اسمرا في آذار مارس الماضي، عودوا الى السودان وابدأوا بالانتفاضة، وسنمول هذه الانتفاضة وندعمها بالسلاح. وقال قرنق في تصريحات صحافية انه سينهج اسلوب حزب الله في جنوبلبنان داخل الخرطوم. وعندما يقول هذه الاشياء فإنه لا يقصد الانتفاضة الشعبية ولا يقصد الحل السياسي الشامل، فهو في الواقع يقصد بهذه التصريحات خلق مناخ لإغلاق باب الحوار، وخلق مناخ للاستقطاب. اعتقد ان ما قاله قرنق فيه نهج مكشوف لمحاولة قفل باب الحوار ودروب الحريات مما يصب في خانة الاستقطاب والمواجهة، كما انه افتعل هجوماً على حزب الأمة من دون أي مبرر موضوعي منذ خطابه العلني في كانون الأول ديسمبر 1999 في كمبالا، وفي رأيي الهدف غير المباشر لهجومه على حزب الأمة هو خلق معركة انصرافية لإغلاق الباب أمام المبادرة المشتركة المصرية - الليبية وآلياتها التي هي أكثر فاعلية وأكثر جدوى من آليات مبادرة ايغاد. وهو طالب ايضاً عن طريق متحدث باسمه في نيروبي في 7 نيسان ابريل الماضي بإجراء تدويلي للقضية السودانية وناشد مجلس الأمن التدخل من أجل ذلك، وفي رأيي هذا الموقف مكشوف وسيكون معزولاً داخل القوى السياسية الجنوبية التي تتطلع الى سلام عادل ولا تريد استمرار الحرب، وأصبحت تدرك ان القوى السياسية القومية والشمالية باتت مؤمنة بحل سياسي للحرب امام شهود وفي ظل مراقبة ومتابعة دول الجوار والأسرة الدولية. واعتقد ايضاً ان موقف قرنق وما فيه من اجندة حربية وتدويلية معزول لأنه قام ايضاً بطرد المنظمات الاغاثية وهي الآن تصنفه أمير حرب غير حريص على السلام وغير مهتم بإهدار أرواح المواطنين الجنوبيين مما قد يؤدي الى مجاعة في بحر الغزال. وتزامن ذلك مع وعي منظمات دولية كثيرة بالانتهاكات التي يقوم بها قرنق بالنسبة لحقوق الانسان. وكل هذه الاشياء ستزيد من الضغط عليه كي يواكب السلام أو سيجد نفسه معزولاً، ولذلك فأنا متفائل ايضاً بأن الحركة الشعبية ستجد ضغطاً من داخلها وحولها من القوى السياسية الجنوبية كي تكون مخلصة وجادة في قضية السلام، وهذا في رأيي سيدفع بها نحو الأجندة الوطنية التي ننادي بها. وإذا ترددت حركة قرنق وتلكأت فإن موقفها ودعمها المكشوف للاجندة الحربية والتدويلية سيعزل قيادتها، ولذلك ايضاً اعتقد ان الحركة الشعبية ستتجه نحو الاجندة الوطنية. أما الاحزاب والفصائل الأخرى الموجودة في التجمع فأنا شخصياً اعتقد ان بعضها وهمي، وحتى الذين لهم سند محدود مثل الحزب الشيوعي يوجد فيه تيار عقلاني بقيادة اشخاص يتمتعون بموضوعية وعقلانية وستعزل الاتجاهات القيادية الستالينية داخل الحزب الشيوعي. أتوقع ان ينحاز الحزب الشيوعي الى الأجندة الوطنية. أصبحت متفائلاً بأن هذه الاجندة ستغلب الأجندات الأخرى في مستقبل الأيام خصوصاً اذا كان موقف النظام بقيادة الفريق البشير واضحاً بصورة لا تدع مجالاً للشك في انه يتطلع الى تحول ديموقراطي وسلام عادل. وأتوقع ان هذا ما سيحدث من ناحيته. الدور المصري - الليبي في ضوء تفاعلات الأحداث الجارية في السودان حالياً هل تتوقع ان تدعو مصر وليبيا الى مؤتمر حوار بين المعارضة والحكومة قريباً أم ان المسألة ستأخذ وقتاً أطول؟ - أتوقع ان تعد مصر وليبيا الآن للقيام بتحرك عملي وايجابي، لأن موقف العناصر المترددة في التجمع في الخارج يقع الآن تحت ضغط قوي جداً في سبيل ان ينتقل من مربع التردد الى الوضوح، وأتوقع ان يأتي من النظام توضيح كامل للتوجه المتعلق بالأجندة الوطنية. وأتوقع ان يساعد هذا الاخوة في مصر وليبيا في ان يتحركوا بطريقة فيها نزعة عملية. لكن يبدو ان الولاياتالمتحدة تراهن على غير ذلك وهي ضد المبادرة المصرية - الليبية الخاصة بحل الأزمة السودانية؟ - اعتقد ان الولاياتالمتحدة تعامل في الرأي العام العربي والافريقي عموماً كأنما هي تتخذ قرارات صماء مثلما يتخذ من يسمون أنفسهم الرئيس القائد في بلداننا. أميركا غير هذا، وصحيح ان موقف اميركا كان يرفض المبادرة المصرية - الليبية رفضاً باتاً لأسباب كثيرة، فهي ترى ان الشأن السوداني يخص القرن الافريقي ولا ينبغي ان يخص الشمال الافريقي العربي وكذلك لأنها لا ترحب بدور ليبيا. هذا الموقف واجه رفضاً كبيراً منا نحن السودانيين، وصحيح ان بعض السودانيين مثل قرنق تجاوب معه لكننا في حزب الأمة قدنا موقفاً قوياً جداً ضده ضد الموقف الاميركي بالرأي والحجة والتحليل والاعلام والتبادل الفكري، واعتقد ان الموقف الاميركي واجه ايضاً رفضاً وضغطاً مصرياً بطريقة هادئة. واعتقد ان موقفنا الذي كان قوياً وعلنياً وواضحاً من هذا الموقف الاميركي كممثلين لقطاع مهم في الشعب السوداني وموقف مصر كدولة تعتبرها الولاياتالمتحدة حليفة لها أدى الى مراجعة الموقف الاميركي خصوصاً مع ظهور أدلة اضافية على ان مبادرة ايغاد وصلت الى طريق مسدود. أتوقع الآن ان تحدث مراجعة في الموقف الاميركي خصوصاً ان حلفاء الولاياتالمتحدة الأوروبيين اتخذوا موقفاً مختلفاً ولا اعتقد ان اميركا ستسمح لنفسها ان تكون هي المعزولة لأن هذا ما حدث. ولذلك بدأت اميركا مناقشات ستؤدي الى موقف يتقبل المبادرة المصرية - الليبية خصوصاً ان قرنق الذي تكفل بهزيمة هذه المبادرة وإفراغها وتقويضها أخفق في كل محاولاته. والمعركة المفتعلة التي افتعلها مع حزب الأمة خرج منها خاسراً لأنه في الرسائل التي تمت بيننا امكن ان نوضح موقفنا من ناحية موضوعية واعتقد ان هذا الموقف الموضوعي وجد تجاوباً من كثير من الجنوبيين داخل الحركة الحركة الشعبية بقيادة قرنق ومن كثير من الجنوبيين خارجها، ومن كثير من قادة الرأي العام السوداني والافريقي. ولذلك فإن المراهنة على ان ينجح قرنق في تقويض المبادرة المشتركة المصرية - الليبية كانت رهاناً خاسراً، والدليل على هذا ان تصرحيات قرنق في زيارته الأخيرة للقاهرة كانت تدل على هذا النوع من الاعتراف بالفشل في تقويض المبادرة المشتركة. وجاء ليعلن اسمياً دعمه وتأييده للمبادرة المشتركة، ولكن اعتقد ان هذه بداية نهاية هزيمة مشروع تقويض هذه المبادرة. وكيف ترى الموقف العربي تجاه ما يطرحه حزب الأمة من رؤية تهدف لتحقيق حل سياسي للازمة السودانية، في ضوء زيارتك لقطر؟ - وجدت لدى سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وكل القيادات اتفاقاً على ضرورة دعم الحل السياسي الشامل في السودان لتحقيق السلام والاستقرار. وأتوقع ان يكون للحل السياسي الشامل والاجندة الوطنية التي ننادي بها دعم اساسي عربي وافريقي ودولي، كما اتطلع الى ان تكون لهذا الدعم القوي الواضح فاعلية في الضغط على كل المترددين في دعم هذه الاجندة. وان طوافي الآن في البلاد العربية والافريقية والدول المنتمية للأسرة الدولية سيكون ان شاء الله على هذا النمط للتنوير بالتطورات ولمناشدتهم جميعاً دعم الاجندة الوطنية والحل السياسي الشامل، وأتوقع ان يكون لموقفهم الايجابي اثر كبير ان شاء الله في تطور قضيتنا.