يكتمل تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي، اليوم الأربعاء في 24 أيار مايو، بعدما غادرت القوات الاسرائيلية قراه تاركة خلفها مئات من عناصر "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لها يسلمون أنفسهم إلى السلطات اللبنانية، باستثناء عدد من قادته الذين انتقلوا الى اسرائيل. ودعم مجلس الأمن الاجراءات والمتطلبات والخطوات التي وضعها الأمين العام كوفي أنان في تقريره بشأن تنفيذ القرارين 425 و426 في بيان رئاسي أصدره المجلس، أمس الثلثاء، في جلسة رسمية علنية طالب فيه جميع الدول والأطراف المعنية بالتعاون التام في تنفيذها. ورحب بقرار الأمين العام ايفاد مبعوثه الخاص تيري رود لارسن فوراً إلى المنطقة ل"ضمان الامتثال للمتطلبات" كذلك ل"ضمان التزام جميع الأطراف المعنية التعاون التام مع الأممالمتحدة لاستكمال تنفيذ القرارين". في غضون ذلك تمنى الرئيس جاك شيراك امس "ان تتجنب سورية القيام بأي عمل قد يعتبر تحريضاً ويوقعها في عزلة دولية"". وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في اسبانيا في اطار القمة الفرنسية - الاسبانية: "تربطنا بسورية علاقات جيدة جداً وينبغي ألا تقع سورية بأي صورة من الصور في عزلة، فعليها ان تفهم ان في مصلحتها ألا تقوم بأي عمل قد يُفسر بشكل أو بآخر على انه استفزاز، وهذا بالطبع لا يعني انها يجب ان تشارك في عمليات ضمان أمن الحدود لاسرائيل". وبمقدار ما عمّ الفرح والاحتفال بالنصر القرى المحررة في القطاع الغربي والجزء الأكبر من القطاع الأوسط وجزء من القطاع الشرقي أمس، في مشاهد مؤثرة للقاء العائدين الى قراهم مع الذين قبعوا تحت نير الاحتلال لمدة راوحت بين 22 و25 سنة، فإن الشعور بالذل هو الذي عكسه الاعلام الاسرائيلي عن ظروف الاندحار الاسرائيلي، وانهيار "الجيش الجنوبي" الذي ترك عشرات الدبابات والملالات والآليات والاسلحة والذخيرة على جوانب الطرقات وفي الحقول، فغنمها عناصر المقاومة و"حزب الله" والاهالي، وسط زغاريد النسوة ونثر الرز والورود عليهم في القرى قاطبة. وشبّه بعض الصحف الاسرائيلية مظاهر التخلي السريع لقوات الاحتلال عن مواقع وتخليها عن عناصر "الجنوبي"، بمشهد آخر طائرة هليكوبتر حملت الهاربين من فيتنام بعد هزيمة اميركا فيها. وعملت القوات الاسرائيلية على قصف بعض المواقع التي اخلاها عناصر الجنوبي والجيش الاسرائيلي بالطيران لتدميرها. كما قصفت القوات الاسرائيلية جموع الأهالي المندفعين في بعض المناطق وشمل قصفها سيارة تابعة لتلفزيون "بي. بي. سي." قضى سائقها وتحول مع حديدها الى رماد. واذ تسابقت المشاهد، فان واقعتين بارزتين ظهرتا أمس: الأولى قيام أهالي بلدة الخيام وقبل دخول جحافل العائدين اليها، اسوة بغيرها، مع أهالي المعتقلين في سجن البلدة من القرى المحيطة باقتحامه وتكسير ابوابه، لتحرير ال145 معتقلاً، بعد هرب معظم عناصر الجنوبي واستسلام آخرين لهم. أما الثانية فهي غياب أي حادث امني انتقامي، بين العائدين والمقيمين، خصوصاً في القرى المسيحية المهمة في القطاع الأوسط، التي زارها قادة من "حزب الله" وحركة "أمل" ونواب، وطمأنوا أهلها. وعبر عائدون في الحزب وسائر التنظيمات، وبعضهم بالسلاح الظاهر، بسلام. وتوقعت مصادر أمنية رفيعة المستوى ل"الحياة" ان يسلم عناصر "الجنوبي" الباقون في القطاع الشرقي، انفسهم اليوم بعد ان بدأت العملية عصر أمس وانهار هؤلاء في بلدة مرجعيون مركز قيادة قائد الميليشيا اللواء انطوان لحد، وبلغ عدد الذين سلموا أنفسهم في تلك المنطقة نحو 500 عنصر. لا قرار بعد بدخول الجيش اللبناني وترافقت هذه التطورات المتسارعة مع عمليات متواصلة للمقاومة، تخللها تفجير عناصرها لعدد من المواقع في قرى محررة انتقاماً مما عانى الجنوبيون من استخدام الاحتلال والموالين له منها، أكدت مصادر أمنية رفيعة المستوى ل"الحياة" ان لا قرار بعد بدخول الجيش اللبناني الى المناطق المحررة لحفظ الأمن، في انتظار اتضاح الصورة اكثر، فيما بقيت قوات الطوارئ الدولية في المناطق الموجودة فيها اصلاً ولم تقدم على أي انتشار. الا أن مراقبي لجنة الهدنة جالوا على عدد من القرى المحررة مؤكدين ان الوضع تغير وانهم سيرفعون تقارير الى الأممالمتحدة لتقرر تدابيرها. واكتفت السلطات اللبنانية بوجود قوى الأمن الداخلي في القرى، لكن مسألة ملء الفراغ الأمني ستكون مدار بحث بين السلطات اللبنانيةوالأممالمتحدة، بدءاً من اليوم بوصول مساعد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن الى بيروت بعد ظهر اليوم يرافقه وفد من سبعة مستشارين بينهم خبير قانوني وآخر عسكري وآخر في الخرائط. وكان رد الفعل اللبناني على تقرير الأمين العام كوفي أنان موضع ترقب، لكن رئيس الحكومة سليم الحص اكد في بيان امس "تمسك لبنان بمزارع شبعا ونحن لن نتخلى عنها في حال من الأحوال... لكننا لن نقف حجر عثرة في طريق انسحاب قوات الاحتلال وسنتعاون الى أبعد الحدود مع القوات الدولية". وصدر موقف لافت من دمشق، اذ أشارت مصادر رسمية في سورية الى ان وزير الخارجية فاروق الشرع ووزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت شددا على "تجنب التصعيد العسكري". وجاء اتصال اولبرايت مع الشرع في اطار اتصالات حثيثة جرت ليل الاثنين، بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس حافظ الأسد والأول وباراك والأخير وأولبرايت التي اتصلت بالرئيس اللبناني اميل لحود أيضاً. مجلس الامن وصرح أنان ان قوات الأممالمتحدة العاملة في "يونيفيل" أكدت ان "الانسحاب الإسرائيلي مستمر" و"تمكنت قوات الاحتياط المتحركة من دخول منطقة جديدة انسحب الإسرائيليون منها" أمس. ووصف الوضع بأنه كان "هادئاً" ميدانياً وعبر عن "الامتنان" للرئيس أميل لحود ورئيس الحكومة سليم الحص اللذين تحدث معهما هاتفياً تكراراً وطلب منهما "التعاون معنا لإدارة هذا الانسحاب بصورة منظمة". وقال: "إننا ننسق جهودنا مع السلطات الإسرائيلية واللبنانية، وآمل بأن يستمر الانسحاب بصورة منظمة". واضاف ان قوات "يونيفيل" "تراقب الأوضاع على الارض وهي على اتصال مع الطرفين". وقال: "سنؤكد ان الانسحاب تم بعد ان يُستكمل كلياً ونتوجه إلى الحدود لنتحقق مما إذا تم الانسحاب إلى ما وراءها". وبدأت قوات الأممالمتحدة اتخاذ الاجراءات للتثبت من الانسحاب الإسرائيلي. وبين الاجراءات العملية التي توضع لها الترتيبات قيام الأممالمتحدة بكشف جوي للحدود ولمناطق الألغام تستخدم فيه طائرات هليكوبتر. وقالت المصادر إن الولاياتالمتحدة وارلندا مستعدتان للمساهمة في توفير ما تستلزمه عملية كشف الحدود من تقنيات بما فيها الطائرات. وحسب مصادر أخرى، فإن الحكومة اللبنانية أبلغت الأمين العام "الاستعداد للتعاون التام مع الأممالمتحدة"، وانها تنظر "نظرة ايجابية إلى تقرير الأمين العام وبيان مجلس الأمن". ويعتزم رود لارسن التوجه إلى لبنان وسورية وإسرائيل أثناء جولته بهدف ضمان التزام التعاون من مختلف الدول والأطراف المعنية. وحرص الأمين العام على القول أمس "إننا نطالب بالتعاون من الدول ومن اللاعبين غير الحكوميين، بما في ذلك حزب الله". وعزا إسراع إسرائيل إلى الانسحاب إلى أحداث أول من أمس، وقال: "لو لم يحدث ذلك، احساسي ان الانسحاب كله سيستغرق أسابيع قبل اتمامه". وتعمد مجلس الأمن ان يستهل بيانه الرئاسي "بتأييد" تقرير الأمين العام وبتأكيد "أهمية وضرورة التوصل الى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط استناداً الى كل قراراته ذات الصلة بما في ذلك قراريه 242 و338". ورحب المجلس بما يعتزم الأمين العام اتخاذه من تدابير، مشدداً على دعوة "جميع الأطراف المعنية الى التعاون تعاوناً كاملاً في تنفيذ توصيات الأمين العام، ويطلب الى الأمين العام ان يقدم تقريراً عن الامتثال لتوصياته عند تقديم تقريره عن الانسحاب". وزاد ان المجلس "يشاطر الأمين العام رأيه بأن من الجوهري ان تؤدي الدول والأطراف الأخرى المعنية دورها لتهدئة الحال وكفالة سلامة السكان المدنيين، وان تتعاون تعاوناً تاماً مع الاممالمتحدة في الجهود التي تبذلها لتثبيت استقرار الحال من أجل استعادة السلام والأمن الدوليين ومساعدة حكومة لبنان في كفالة عودة السلطة الفعلية الى المنطقة بعد تأكيد الانسحاب".