الكتاب: الاسلام في عيون السويسريين. الإعداد والترجمة: ثابت عيد. الناشر: مؤسسة بافاريا للنشر والاعلام - ميونيخ 2000 العلاقة المثقلة بالكثير من التصورات التائهة والمغلوطة التي تباعد بين الاسلام والغرب كانت وراء الاهتمام غير المسبوق الذي شهدته المكتبات العربية خلال السنوات الأخيرة، في جانب ترجمة الكتابات الغربية عن الاسلام، مع تركيز خاص على ما انتجته مطابع مستعمري الشرق القدامى بريطانيا وفرنسا وحديثاً زعيمة المعسكر الغربي وقطب العالم الأوحد الولاياتالمتحدة الاميركية. وفي الوقت الذي تزخر المكتبات في المشرق بكتابات أصدقاء الاسلام وكارهيه في الدول الثلاث الأقوى في الغرب، فإن ما يكتبه آخرون في أماكن اخرى، غربية ايضاً لكن يستهويها الوقوف عند خط الحياد، نادراً ما يستلفت انتباهاً على رغم اهميته القصوى وضرورة متابعته كرافد معبر عن تيار غربي سائد ومؤثر في تشكيل الانطباعات في بلاد الكتلة الغربية التي تبادل عالمنا الاسلامي مشاعر التوجس والريبة. من هنا تجيء أهمية كتاب "الإسلام في عيون السويسريين" الذي ترجمه الباحث المصري المقيم في زيورخ ثابت عيد، إذ يأتي ليسد ركنا مهماً ظلت المكتبة العربية والاسلامية تفتقر اليه، في الوقت الذي لا تفتقر كثيراً الى الكتابات الصادرة باللغة الالمانية والتي تتابع بشكل جيد ما يصدره المستشرقون الألمان. يضم الكتاب الذي بين أيدينا 13 فصلاً ويبدأ بمقدمتين الأولى للدكتور يوسف القرضاوي والثانية للبروفسور هانس كينغ، ليقدم بعد ذلك ترجمة ملخصة لكتاب "الإسلام في سويسرا" لمؤلفيه كريستيان ياجي وكريستوف بيترباومان الذي يقول عنه الباحث عيد انه الكتاب الوحيد في المكتبة السويسرية بالألمانية عن الاسلام، ويراه كاتب مقدمته عالم الأديان السويسري كينغ أكثر فائدة وعوناً على فهم الاسلام من الكثير من الكتب التي تعلو قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، والتي تتاجر بتخويف الناس من الاسلام. إذ ان هذا الكتاب لا يصور الاسلام باعتباره خطراً وتهديداً للغرب، كما لو كان الزحف الاسلامي سيجتاح أوروبا في القريب العاجل، بقدر ما يجتهد لتعريف السويسريين بالاسلام من دون أي متاجرة رخيصة، هادفاً الى اقناع هؤلاء بأن الإسلام والمسيحية دينان تربطهما صلة قرابة، وهو ما يتطابق مع دعوة عالم الأديان كينغ صاحب كتاب "مشروع لأخلاق عالمية" أكد فيه على أهمية إقامة حوار جدي بين الأديان، مشدداً على أهمية التركيز على نقاط الاتفاق بين الديانات السماوية الثلاث، ونبذ نقاط الاختلاف بينها، طارحاً نظريته القائلة ان "لا سلام عالمياً بلا سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الاديان، ولا حوار بين الاديان بلا دراسات جادة وأبحاث موضوعية". هذه الدعوات التي تصدر في الغرب للحوار، والتي تضم الى جانب كينغ مجموعة من الساعين الى ايجاد تفاهم حضاري بين الاديان، مثل عميدة الاستشراق الالماني أنا ماري شيمل وعالم اللاهوت ارنست تسبيندن، تحتاج الى المزيد من المساعي الاسلامية ايضاً لفتح حوار مشترك يتم خلاله ايضاح الجانب المضيء للحضارة الاسلامية وصولاً الى إدراك اكثر حيدة وأشد بعداً عن التعصب والأفكار العدائية المسبقة، خصوصاً ان نقاط الافتراق بين الفريقين ليست عصية - عند توافر الإرادة وهامش التسامح - على الإلتقاء. فالاحتكاك بالغرب وفقاً لرأي ثابت عيد لا مفر منه، والرد عليه والتأثير فيه والتأثر به وأخذ كل ما يقره العقل ولا يناقض الدين منه... لا بد ان يحدث كل ذلك إذا أردنا ان نسترجع مكانتنا وموقعنا من الحضارة الانسانية مرة اخرى، مع التأكيد على عدم صحة مقولة ان كل المستشرقين يشتمون الاسلام. فهناك "أقسام للدراسات الاسلامية في جامعات أوروبا وأميركا يقدم اساتذتها من الدراسات العظيمة والأبحاث الممتازة ما تحتاج الجامعات العربية الى عشرات السنين حتى تصل الى مستواها الرفيع ونوعيتها المتميزة". وفي عرضه لكتاب "بؤرة الصراعات... الشرق الأوسط" من تأليف أريك جيلينغ وارنولد هوتينغر، الذي يعالج مسألة اهتمام الغرب بالعالم العربي، يورد الباحث عيد عبارة لهوتينغر يرى فيها ان اليهود كانوا - وما زالوا - أكثر الناس اهتماماً بالعالم العربي، مشيراً الى ان ذلك يفسر الكثرة الملحوظة لعدد اليهود بين المستشرقين، امثال غولد تسيهر، وباول كراوس، وغرونباوم، وبرنارد لويس، والذين كان لهم دور فاعل في تلطيخ صورة الاسلام في عقول الغربيين. والى جانب كتابهما المشترك، يترجم الباحث ثابت عيد مقالة لارنولد هوتينغر عنوانها "ما مدى خطورة الحركة الاسلامية؟" ومقالتين لأريك جيلينغ الاولى "الشرق والغرب وأزمة سوء الفهم بينهما"، والثانية "الاسلام في مرآة الغرب: نموذج برنارد لويس ومكسيم رودنسون". وفي مقاله يطرح جيلينغ سؤاله عن الأسباب التي أدت، وما زالت، الى سوء الفهم بين الغرب والعالم العربي، واضعاً لنفسه إجابة مفادها ان النظام السياسي في المجتمعات الغربية يقوم على أساس توزيع السلطات وإشراك الاقليات في الحكم والحد من تركيز السلطة في يد هيئة واحدة، عن طريق قبول نظام تعدد الاحزاب والاعتراف بحقيقة تنوع الثقافات. ومع انه لا يتمادى في هذا الاستنتاج، مشيراً الى وجود محاولات لتأسيس نظام ديموقراطي قائم على تعدد الأحزاب في اكثر من بلد عربي، لكنه يعود ثانية ليقول ان مسألة حقوق الانسان في الاسلام شائكة جداً، اذ انه من الناحية النظرية لا يوجد اجماع بين المذاهب الاسلامية حول نطاق حقوق الانسان، ويشير الى ان اشكالية حقوق الانسان تمثل أحد أوجه الخلاف الرئيسية بين الغرب والعالم العربي، مضيفاً "ان تفسير الوضع الراهن يكمن في العودة الى تاريخ الشعوب الاسلامية، حيث لا يوجد حد فاصل بين الدين والدولة. فالإسلام يلعب دوراً جوهرياً في حياة شعوب تلك الدول، وليس الاسلام ديانة سماوية فحسب بل هو ايضاً فلسفة في الحياة. ويقدم الباحث عيد في ترجمته دراسة اخرى حول "الفكر المتشدد في الاسلام" لارنست تسبيندن الذي يعرّفه بأنه أحد كبار علماء الدين في سويسرا، ومن أكثرهم فهماً للتاريخ الاسلامي، مع الحرص على الإشارة الى ان تسبيندن ينتمي الى طبقة المفكرين السويسريين الذين ينادون بقيم التسامح والحوار بين الأديان ونبذ العنف وعدم اساءة استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية. يرى تسبيندن في مقالته ان الصحوة الاسلامية لم تدفع الشباب المسلم الى التفقه في الاسلام والتعمق في التاريخ الاسلامي والفقه والشريعة، ولكنها أدت الى تقوية "أحاسيس ساذجة ومتطرفة" الأمر الذي سارع بعض السياسيين الى استغلاله. واذا كان جيسلينغ يحدد عصور الحرب بين المسلمين والاوروبيين في ثلاثة، فان هانس كينغ في مقاله "كيف نتعامل مع التطرف الاسلامي؟" الوارد في كتاب "الاسلام في عيون السويسريين" يحدد المواجهات بين الطرفين في خمس: "الاولى في القرن السابع الميلادي حين خسرت الامبراطورية الشرقية ولاياتها في فلسطين ومصر وسورية من خلال الفتح الاسلامي، والثانية في القرن الثامن الميلادي حيث فتح المسلمون شمال افريقيا بأكمله واسبانيا، والثالثة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر عندما شنّ المسيحيون هجوماً تمثّل في الحملات الصليبية وسيطروا على فلسطين والقدس لفترة محدودة، والرابعة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر عندما فتح الاتراك المسلمون القسطنطينة سنة 1453 والبلقان مما نتج عنه أسلمة هذه المناطق واعتناق شعوبها الاسلام وبقاؤهم عليه حتى اليوم، والمواجهة الخامسة في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث انتهكت القوى الاستعمارية الاوروبية المسيحية القانون الدولي وسيطرت في نهاية الامر على الدول الاسلامية في شمال افريقيا وشرقها والشرق الاوسط والشرق الاقصى حتى ايران والهند". ويخصص كتاب "الاسلام في عيون السويسريين" فصلاً لدراسة مهمة كتبها الباحث المصري الاصل والسويسري الجنسية الدكتور اسماعيل امين باللغة الالمانية وحملت عنوان "العلاقة المتوترة بين الشرق والغرب" على خلفية قضية سلمان رشدي، إذ ان اعتقاداً ساد الغرب بأن ردود فعل العالم الاسلامي على نشر كتاب "آيات شيطانية" تمثّل اعتداء على حرية التعبير عن الرأي، بينما ساد اعتقاد في العالم الاسلامي بأن هناك مؤامرة كبرى ضد الاسلام. ويؤكد امين ان حواراً بين الشرق والغرب لا يمكن ان يتم في مثل هذه الظروف، حيث يؤمن كل معسكر بصحة وجهة نظره المبنية على آراء غير موضوعية واحكام متوارثة. ويقول انه لا يمكن للمرء ان يتجاهل ان علاقة الغرب بالاسلام مثقلة بتصورات مشوهة جداً واحكام متأصلة غير موضوعية، مشيراً في الوقت ذاته الى ان ردود الفعل الاوروبية لما يحدث في العالم الاسلامي كثيراً ما تكون مصحوبة بالخوف والقلق والسلوك الدفاعي، نظراً الى أن اوروبا تجهل جيرانها الأقربين من الدول الاسلامية، ولا تعرف الا القليل عن دينهم وثقافتهم وتاريخهم. وفيما يورد الباحث بعض النماذج لحملات الطعن التقليدية التي مارسها المستشرقون ضد الاسلام ومنهم هايكي رايسينن وسوينمان، إضافة الى ما كتبه مارتن لوثر، فانه لا يتجاهل الوجه الآخر من كتابات أنصفت الاسلام ومنها ما كتبه مونتغمري وات وتوماس كارليل، وما ورد في اوبرا "اختطاف من السراي" لموتسارت. غير ان امين، في دراسته الموجهة أصلاً لقارئ غربي، يخلص الى ان كلاً من الشرق والغرب لم يفهم الموقف الحقيقي للطرف الآخر. والسبب يعود الى ان كل جانب يحاول ان يحكم على الآخر من خلال مقاييسه وتصوراته الخاصة به، معلقاً على ذلك بأن هناك استحالة لاتمام حوار كهذا بين طرفين تحيط بهما ظروف كتلك، اذ انه بدلاً من ان يكون الحوار مثمراً ومفيداً فإن الأمر تحول الى النقيض بحيث اصبح كل فريق يتحدث مع نفسه. وقبل ان يختتم الباحث ثابت عيد كتابه المهم عن نظرة السويسريين الى الاسلام، فإنه يورد مقالاً كتبه الدكتور رتوبيت وهو مثقف سويسري مقيم في اميركا عن "الصور المسيئة للعرب في الولاياتالمتحدة"، ويشير فيه الى ان "العرب المقيمين في الولاياتالمتحدة يعتبرون الاقلية الوحيدة التي تقوم وسائل الاعلام الاميركية والسينما والكاريكاتور بعرضها عرضاً سلبياً، وتصويرها تصويراً مشوهاً يتسم بالعداء والاحتقار، وبصورة يومية". الجهد الكبير والمحمود الذي بذله الباحث ثابت عيد في كتابه "الاسلام في عيون السويسريين" الذي يجيء ليسد فراغاً كبيراً في المكتبة العربية، ينبغي ان يلفت انتباه المعنيين في الشرق الى ضرورة السعي الحثيث والعاجل لتعديل الصورة الخاطئة التي ما زالت عالقة في الذهن الغربي، وإزالة ما يشوبها من تلفيقات عن طريق ادارة حوار واع وواثق وقادر على مخاطبة العقل الغربي بمنطقه نفسه، بعيداً عن المحفوظات الخطابية والانشائية التي تصيب بالملل دون إفادة