من المؤلفات التي يعرفها الكتاب والباحثون في حقل الفلسفة الإسلامية وتاريخها، كتاب المستشرق الهولندي دي بور الذي يحمل عنوان «تاريخ الفلسفة في الإسلام»، الكتاب الذي نال اهتماماً واضحاً في المجال العربي بعد ترجمته إلى اللغة العربية، وأصبح كتاباً مرجعياً في معظم الكتابات والمؤلفات التي تناولت الحديث عن الفلسفة الإسلامية وتاريخها، إلى درجة لا يكاد يوجد كتاب يتحدث عن الفلسفة الإسلامية ولم يرجع إليه، ويأتي على ذكره، وهذا ما وجدته في الكتابات والمؤلفات العديدة التي رجعت إليها في هذا الشأن. واكتسب هذا الكتاب أهمية فائقة في مجال الكتابة والتأليف عن الفلسفة الإسلامية وتاريخها، وذلك بالنظر إلى عاملين متعاضدين هما: العامل الأول: كونه أول كتاب صدر مع مطلع القرن العشرين، حيث صدر باللغة الألمانية سنة 1901م، وترجم إلى الإنجليزية وصدر سنة 1903م، وترجم إلى العربية وصدر سنة 1938م، الأمر الذي جعله يمثل حدثاً فكرياً يؤرخ له في مجال الكتابة الحديثة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية. والكتابات الأولى لها أهميتها بطبيعة الحال، وتبقى في الذاكرة عادة، وتحافظ على قيمتها من هذه الجهة، وتذكر بالحاجة إليها، والعودة الدائمة والمستمرة لها، خصوصاً في الكتابات والأعمال التي ترجع إلى التاريخ الحديث، وتتبع منهجية المراحل والتحقيبات الزمنية والتاريخية. وبهذا اللحاظ يكون كتاب (تاريخ الفلسفة في الإسلام)، هو أول كتاب يرجع إليه مع مطلع القرن العشرين عند الحديث عن تاريخ الفلسفة الإسلامية، وهذا ما حصل في الكتابات والمؤلفات التي أرخت لتاريخ الفلسفة الإسلامية من خلال تتبع الدراسات والأعمال التي تناولت هذا الشأن. العامل الثاني: كون أن هذا الكتاب هو أول كتاب شامل في تاريخ الفلسفة الإسلامية، حيث تتبع منازع واتجاهات التفكير الفلسفي عند المسلمين، وتطور هذه المنازع والاتجاهات منذ النشأة حتى عصر ابن خلدون في القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي، وكتب بطريقة منظمة ومركزة، جعلت منه واحداً من أفضل ما كتبه المستشرقون حول تاريخ الفلسفة الإسلامية من هذه الجهة المنهجية. وأشار إلى مثل هذه الملاحظة العديد من الباحثين العرب المعاصرين الذين اعتنوا وكتبوا حول تاريخ الفلسفة الإسلامية، ومن هؤلاء الدكتور ماجد فخري في كتابه (تاريخ الفلسفة الإسلامية) الذي يرى أن كتاب دي بور ما زال يمثل أفضل عرض مجمل للفلسفة الإسلامية بالألمانية والإنجليزية. واعتبره الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه «نحن والتراث» أنه من أحسن ما كتب في الفلسفة الإسلامية من المستشرقين، ويمثل في نظره أول كتاب يؤرخ للفلسفة الإسلامية ككل يكتبه مستشرق، وأول كتاب يؤرخ لهذه الفلسفة على الطريقة الحديثة. وقد فاقت شهرة هذا الكتاب، حتى أصبح نموذجاً يحتذى به في الكتابة والتأليف عن الفلسفة الإسلامية وتاريخها، عند الكتاب والباحثين العرب المعاصرين. وأشار إلى مثل هذه الملاحظة الدكتور الجابري في كتابه «التراث والحداثة» واعتبرها العنصر الأهم في كتاب دي بور، وبات في نظره يمثل النموذج والقدوة، وأن الشهرة التي نالها ما زال يحظى بها إلى اليوم. كما أشار إلى هذه الملاحظة الباحث المصري الدكتور حامد طاهر في كتابه «الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث» الذي اعتبر كتاب دي بور يمثل خلاصة المخطط الغربي للفلسفة الإسلامية كما شاع بين المستشرقين، وانتقل إلى عدد كبير من المثقفين في العالم الإسلامي. ولكن اللافت في الأمر أن هذا الكتاب مع أهميته الفائقة وشهرته الواسعة، في مجاله وعند الباحثين العرب، مع ذلك لم أجد بمقدار متابعتي مقالة أو دراسة قصيرة أو طويلة كتبت عنه باللغة العربية، وما وجدته هو مجرد إشارات سريعة وعابرة، وردت وتكررت في معظم الكتابات والمؤلفات حول الفلسفة الإسلامية وتاريخها، إلى جانب نصوص واقتباسات قصيرة ومتكررة من الكتاب نفسه. في حين أن كتاباً بهذه الأهمية والشهرة، كان يفترض أن تجري حوله العديد من الكتابات والدراسات التحليلية والنقدية، بشكل يتناسب وتلك الأهمية والشهرة، كما حصل ويحصل مع كتابات ومؤلفات أخرى حظيت بقدر من الأهمية والشهرة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة