لكل مرحلة زعاماتها. وقبل تموز يوليو موعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان، يتبارى زعيم ما يسمى "جيش لبنانالجنوبي" انطوان لحد مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك. الاول يحتمي بالتمسك بالارض، والثاني يلجأ الى الشرعية الدولية لإثبات "حُسن النيّة" تجاه "الأشرار" الذين لا يريدون انسحاباً بمواصفات تنسجم وتطلعاته الى وقف سفك الدماء! وباستخدام بعض الخيال المخادع، يصبح باراك وجيشه الضحية الاولى. الثانية مستعمرو كريات شمونه المذعورون بضربات المقاومة اللبنانية… التي "تخشى" الانسحاب كأنها تحتل ما لشعب باراك! الثالثة لحد ورفاقه الذين لم يتعاونوا مع جيش اسرائيل ولم يرتزقوا وراء دباباته ومن رواتبه الا دفاعاً عن "السيادة اللبنانية"! في عصر السلام الاسرائيلي، ينقلب كل الآيات، وعلى من يسمع ان يصدق. ولا تكتمل الصورة السوريالية الا بإشادة باراك بقدرة لبنان على انهاء الميليشيات، فيما يحرّض دولته - التي اعتبرها دائماً تابعة لسورية - على انهاء المقاومة اللبنانية و"حزب الله" بوصفه آخر "ميليشيا"… ولا تكتمل ايضاً الا بقول الوزير ديفيد ليفي ان الرئيس حافظ الاسد بات "عقبة" امام السلام، لذلك لم يعد هناك حل سوى اللجوء الى الاممالمتحدة. كي تكتمل الادوار في التحضير للانسحاب الحتمي من الجنوب، او "الانفجار الحتمي" كما تخشى سورية، يعد الامين العام للمنظمة الدولية بالتكيّف مع حلول "ليست مثالية"، بالتالي قبول انسحاب تموز كما يخطط له باراك، ومنحه مظلة القرارات الدولية للمرة الاولى، برضا اميركي. ألم يتضح بعد مشروع رئيس الوزراء الاسرائيلي في قلب الادوار: من جلاد الى ضحية تحتمي بالمجتمع الدولي، فيما الضغوط الاميركية جاهزة دائماً لتقديم ما ينقذ الدولة العبرية من دفع ثمن السلام؟ فجأة اكتشف زعيم "الجنوبي" الميليشياوي، الزاحف ابداً وراء انتصارات الاسرائيليين المخضّبة بدماء اللبنانيين، دفاعاً عن سيادتهم - كما يقول - ان تسليم رأسه للدولة بعد انكفاء حُماته الى الحدود، لن ينقذه، وان هؤلاء لا يريدون له ولعناصره اذا سحب فيالقه الى اسرائيل تقاعداً اشبه بمصير اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب، وهو الذي ناضل طويلاً لاقتلاعهم من اجل "كرامة" البلد. يبقى اذاً الخيار الاخير الذي اكتشفه لحد وهو يزعم درساً جديداً في الوطنية، اي حراسة شريط ضيق على الحدود حين تنفذ "عملية الغسق". اما بقاء القبعات الزرق بتوافق مع انان فليس سوى واجهة مرحلية الى ان تحين ساعة الحروب الصغيرة التي ستقرر مصير بندقية المقاومة وسلاح المخيمات… من دون خسائر اسرائيلية. انها خطة باراك، اولويتها الاولى انقاذ جنوده من شراك المقاومة وتمديد خدمات ميليشيا لحد لتتحول الى احد المتاريس المفخخة على ارض الجنوب، وهي اضعف بكثير من ان تقوى على حماية الجليل من الكاتيوشا. والاولوية الثانية نسف تلازم المسارين ومحاصرة المسار السوري في الجولان، وعزل دمشق بلهاث المهرولين الى كسب رضا باراك واستقبال "حمائمه"، لا لشيء الا لدخول البيت الابيض من نوافذه. يحدث ذلك بعدما رفع العرب في بيروت شعار التضامن مع حق المقاومة ومع سورية، فيما كان بعضهم يدافع عن قبول اي انسحاب من الجنوب بأي ثمن. ومهما قيل في بيروت الآن من ان الهلع المتعاظم حيال المرحلة الجديدة مجرد اسطورة اسرائيلية، فتأكيد دمشق ان "المأزق الاسرائيلي يجب الا يتحول مأزقاً للبنان وسورية" لا يعكس عملياً الا القلق من الآتي، وفيه يملك باراك زمام المبادرة. اما امتناع واشنطن عن تعزيز القوات الدولية في الجنوب، فمؤشر الى طبيعة تلك المرحلة، وما على اللبنانيين سوى الإنصات الى نصيحة أنان: التكيّف.