عشية الذكرى الرابعة لمجزرة قانا، وبعد مرور 22 عاماً على الاحتلال الإسرائيلي وجَّه رئيس الديبلوماسية الإسرائيلية رسالة خطيَّة للأمين العام للأمم المتحدة، معرباً عن "عزم الحكومة الإسرائيلية سحب قواتها من لبنان وفقاً لقراري مجلس الأمن 425 و426، للعام 1978، وبالتعاون الكامل مع الأممالمتحدة، في اداء مهامها الأخرى كما وردت في القرارين السابقين بما في ذلك اعادة السلام والأمن الدوليين. ويعتبر هذا التعهد الخطي الأول من نوعه، وإذا تم تنفيذه فإن إسرائيل، تُسجِّل وللمرة الأولى منذ تاريخ انشائها، أول التزام من قبلها تجاه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بحقها. فهل تفي إسرائيل هذه المرة بتعهداتها؟ إن التذكير السريع بماضيها في حقل انتهاك القرارات الدولية يقدم لنا مرجعاً أكيداً لسياستها واستراتيجتها وهذا ما سنلقي الضوء عليه باختصار. منذ مؤتمر لوزان 1949 حتى تاريخ اليوم، لم تحترم إسرائيل أي قرار دولي، حتى أن طلب قبولها عضواً في الأممالمتحدة جاء نتيجة تواطؤ. كيف كان ذلك؟ سبق للأمم المتحدة أن رفضت طلب إسرائيل الأول عام 1948 بعد اعلان استقلالها، نظراً لعدم توافر الشروط المطلوبة منها بموجب قرار التقسيم 181 تاريخ 29/11/1947 وقرار 194 تاريخ 11/12/1948 الذي نص على حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم وانشاء لجنة التوفيق التابعة لمنظمة الأممالمتحدة، التي اجتمعت بتاريخ 11/5/1949 في اطار مؤتمر لوزان. ابان اجتماع الجمعية العامة للنظر في طلب الانضمام الى المنظمة الدولية بتاريخ 11/5/1949 صدر القرار رقم 273 تاريخ 11/5/1949 بقبول إسرائيل، شرط التقيد بالقرارين 181 و194 وفقاً للتصريحات والايضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة في ما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة. وأبدى الوفد الإسرائيلي في لجنة التوفيق موافقته على التقيد بالقرارين، وتم اتصال بين الوفد ومقر المنظمة في ليك ساكسس في نيويورك، وصدر قرار قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية بتاريخ 11/5/1949. ونظراً للفارق الزمني بين لوزان ونيويورك، حوالى 7 ساعات، كان بروتوكول لوزان الذي نص على قبول الوفد الإسرائيلي الشروط المطلوبة، ثم التوقيع عليه بتاريخ 12/5/1949 ويكون القرار بالقبول صدر بتاريخ 11/5/1949، وذلك قبل التعهد الإسرائيلي، لتصبح إسرائيل براءً من الايفاء بالتزاماتها. وما أن طُلِب اليها احترام ما تعهدت به صرح مندوبها أن إسرائيل دولة سيدة ولا تقبل بأي تدخل في شؤونها الداخلية وفقاً لميثاق الأممالمتحدة. وبذلك تكون إسرائيل منذ دخولها المنظمة، الدولة الوحيدة من بين 188 دولة حالياً في المنظمة الدولية التي تم قبولها بشروط مكتوبة، ولكنها لم تلتزم بأي منها. كما أن القرارات المتعددة الأشكال التي صدرت عن الجمعية العامة على أثر العدوان الثلاثي على مصر مسألة السويس عام 1956 بلغ عددها ستة قرارات ما بين 2/11/1956 ولغاية 2/2/1957 ولم تنفذ أي قرار. وبعد استنفاد كل الوسائل الديبلوماسية، أصدر الرئيس الأميركي ايزنهاور تهديداً لإسرائيل بالامتثال الى القرارات المذكورة وأجبرت إسرائيل على الانسحاب من سيناء وكانت المرة الأولى أيضاً التي أُجبرت إسرائيل على تنفيذ قرار دولي. ودرجت إسرائيل على عدم تنفيذ أي قرار بحقها سواء كان صادراً بالإجماع عن مجلس الأمن أو بالأكثرية في الجمعية العامة، وفي أية وكالة أو منظمة متخصصة تابعة للأمم المتحدة. ونجحت إسرائيل في الغاء القرار الخاص، باعتبار الصهيونية بمثابة العنصرية، الصادر في عام 1975، إذ تم الغاء هذا القرار بعد 15 سنة من الشكوى المريرة من قبل إسرائيل. ولعبت الولاياتالمتحدة دوراً فاضحاً وفاعلاً في حماية إسر ائيل من القرارات الدولية سواء عن طريق استخدام حق النقض بشكل فاق 7 أضعاف حتى الاستخدام السوفياتي. واستخدمت الولاياتالمتحدة هذا الحق المكرس لها في مجلس الأمن 38 مرَّة ل 68 قراراً في مجلس الأمن. كما أن الولاياتالمتحدة ويوم توافق على ادانة إسرائيل كانت ترفض الموافقة على الطلب التنفيذي للقرار الموافق عليه سابقاً. وفي ضوء هذه الوقائع، فإن إسرائيل لم تتقيد بأي قرار صادر عن المنظمة الدولية خصوصاً في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي 181،194،242،338،425 والقرارات الأخرى المتعلقة بعدم شرعية ضم شرقي القدس، والجولان من جهة والمستوطنات والانسحاب من لبنان من جهة أخرى. ومن خلال هذا الماضي الحافل بانتهاك القرارات الدوليّة لا بدَّ من التساؤل، هل ان إسرائيل هي حقاً صادقة في التطبيق الكامل للقرار 425 و426 ولتقرير الأمين العام للأمم المتحدة 1978 خصوصاً إنها لم تظهر حسن نيتها ولو لمرة واحدة منذ قبول عضويتها في المنظمة الدولية. وإذا سلَّمنا بصدقية إسرائيل للانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي نظراً لاعتبارات داخلية وأمنية ونفسية اسرائيلية محضة، فإن هناك اللاعب الأكبر وهو الولاياتالمتحدة الذي يلعب دوره في الكواليس فما هو هذا الدور؟ وما مدى تأثيره في مدى تنفيذ القرارين425و426؟ يبدو واضحاً أن الولاياتالمتحدة لا تريد البحث في مسألة استصدار قرار من مجلس الأمن ضد إسرائيل وفقاً للفصل السابع المادة 39- المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة القاضي: فيما يتخذ من أعمال في حالات تهديد السلم والاحتلال. ووقوع العدوان، وهذا يعني: اللجوء حتماً الى تطبيق الفصل السادس: حل المنازعات حلاَّ سلمياً المادة 33- المادة 38. كما أن الولاياتالمتحدة لن توافق على اتخاذ قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل كالقرارات التي اتخذهما مجلس الأمن ضد العراق بعد اجتياحه الكويت عام 1995. وبهذا، تحتفظ إسرائيل بمبادراتها وفقاً لمصلحتها وهذه هي النقطة الأولى التي تشكل عقبة في تنفيذ القرار تنفيذاً كاملاً، خصوصاً أنه لن يكون هنالك أي قرار يلزم إسرائيل بالتقيد الكامل لمضمون القرار 425 على غرار تهديد الرئيس ايزنهاور. غير أن الدور الايجابي الذي يمكن للولايات المتحدة أن تضطلع به يكمن في ربط موضوع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان وفقاً للقر ار 425، بالقرار 242 و338 من أجل الوصول الى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط استناداً الى القرارين 242 و338 وهو أمر أبدت الولاياتالمتحدة موافقتها على ذلك من جراء جهود سورية في مجلس الأمن وتوافق بين الولاياتالمتحدة وفرنسا حول ههذ المسألة. وماذا عن الإطار العملي لتنفيذ القرار 425؟ يبدو أن الانسحاب الى الحدود الدوليَّة وفقاً للقرار 425 هو أمر غير مؤكد، على الأقل في المرحلة الأولى خصوصاً وأن إسرائيل أغفلت الاشارة الى هذه النقطة الجوهرية في رسالتها الخطيّة. ويلفت النظر تصريح وزير الخارجية المصري بتاريخ 20/4/2000 "... أن الأممالمتحدة ستقوم بدورها لتحديد الحدود الدولية وترسيمها وكذلك تأمين هذه المنطقة من لبنان واسرائيل لفترة الى أن يتم التفاهم مع الأطراف المعنية وبصفة خاصة الحكومة اللبنانية". أن عدم تحديد الانسحاب موضعياً على الأرض يثير أسئلة ويترك مجالاً للالتفاف على القرار 425 الذي سبق التشاور بشأنه في معرض الملائمة Adaptation وهو قول يعني ولو من بعيد عدم التنفيذ الكامل. وفي هذه الحال ما هي الآثار المترتبة على عدم الانسحاب الكامل الى الحدود الدولية؟ سياسيَّة وعملانية في آن. ذلك أن احتمال نشوب نزاعات لاحقة يبقى محتملاً ومن قبل أطراف متعددة بما فيها إسرائيل نفسها خصوصاً بعد انجاز انسحابها تحت راية الأممالمتحدة ولكن للحدود التي اقامتها وحصنتها وصونتها بشريط شائك... بعد أن قضمت واقتطعت مساحات مختلفة بحجة رفع أداء دفاعها وتحصين أمنها وسلامة قواتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تسعى إسرائيل من خلال ذلك الى العودة السريعة لممارسة هوايتها التفاوضية العالية الأداء التي تمارسها بامتياز، كسباً للوقت وسعياً لفرض الأمر الواقع محققة بذلك سلامة استراتيجيتها التفاوضية الواجب تنفيذها فقط بين طرفين لا ثالث لهما: إسرائيل ودولة عربية واحدة. هذا ما تحرص إسرائيل منذ مؤتمر لوزان على التقيد بمثل هذا الشكل التفاوضي الثنائي. ازاء هذا فإن الديبلوماسية اللبنانية التي تمتلك كفاءات رفيعة في المجال التفاوضي والعارفة بالنوايا الإسرائيلية، أمامها الآن عمل شاق وطويل. * كاتب لبناني.