أعلن في تونس عن شطب أربعة لاعبين ينتمون الى أندية من الدرجة الثانية في دوري كرة القدم ومنعهم من ممارسة أي نشاط رياضي مدى الحياة. وكان وزير الشباب والطفولة محمد رؤوف النجار أعرب في وقت سابق عن قلق السلطة ازاء تفاقم ظاهرة العنف والاعتداء على الحكام خصوصاً في الدرجات الثانية وأضاف "أوقفوا العنف وإلا سنوقف بطولتكم". وأكد ان حملة تنظيف ستطاول قطاع التحكيم في تونس ستمس رؤوساً معروفة، لكن ستتميز بالهدوء والحذر على الطريقة التونسية. وتشهد تونس جدلاً واسعاً داخل الرأي العام والنخبة الرياضية حول تنامي واتساع رقعة أعمال العنف في تعبيرها المادي واللفظي، حتى أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد التجربة التونسية الفتية في عالم الاحتراف. وتُجمع غالبية المراقبين على أن الواقع الحالي للدوري تميز بالاختلال الكبير واللاتوازن بين الأندية والفساد الذي دبّ في قطاع التحكيم وضعف هيئات تأطير الجماهير، مثلت العوامل الرئيسة في انتشار هذه الظاهرة وتوسعها. ولم يكن العنف الذي يتناقض تماماً مع الملامح العامة لشخصية التونسي، يترجم فقط عن ظواهر واختلالات رياضية في الملاعب، بقدر ما كان منعطفاً مهماً في تاريخ كرة القدم التونسية وأحد مؤشرات القلق الاجتماعي وتأسيساً لمرحلة جديدة منذ ظهور هذه الرياضة في تونس مطلع القرن الماضي. فولادة الأندية التونسية مثل الترجي الافريقي جاءت بعد مخاض عسير وصراع عنيف عاشه التونسيون مع الجالية اليهودية التي كانت مسيطرة على كرة القدم في العشرينات. ويقول عبدالمجيد المسلاتي عميد المذيعين الرياضيين في مذكراته "بأن دورة في كرة القدم نظمت عام 1917 على شرف الجنود التونسيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، وجمع الدور النهائي الملعب الافريقي وهو خليط من لاعبين تونسيين وفرنسيين بنادي تونس العاصمة اليهودي الذي فاز بكأس الدورة، ولكن نهاية المباراة عرفت أحداث شغب خصوصاً بعد أن سدد لاعب يهودي لكمات موجعة الى حارس الملعب البلدي "عم بلقاسم" ما استوجب نقله الى المستشفى للعلاج. ويضيف المسلاتي ان المطربة اليهودية "جلي" تدخلت للافراج عن اللاعب اليهودي الموقوف في السجن، وتظاهر اليهود في الطريق العام وقرر وزير الحربية الفرنسي الجنرال "جيوني" حلّ ناديي تونس العاصمة والملعب الافريقي وإيقاف النشاط الكروي... ما دفع باليهود الى تأسيس نادٍ خاص "الاتحاد الرياضي التونسي" وانشاء المسلمين ناديي الترجي العام 1919، والافريقي من رحم الملعب الافريقي العام 1920. لتؤسس بذلك الأندية التونسية كاحتجاج على لكمة اليهودي وعنف أبناء دينه. واذ ارتبطت أهم أحداث العنف السياسية في تونس و"السنوات الزوجية"، حيث انطلقت الثورة لمحاربة الاستعمار عام 1952، وشهدت تونس ثورة الخبز عام 1984 فيبدو أن تاريخ العنف في الملاعب التونسية ذو أرقام فردية، فأبرز أحداث الشغب شهدتها ملاعب تونس بعد الاستقلال كانت سنة 1971 في نهائي كأس رئيس الجمهورية الذي جمع النادي الصفاقسي والترجي التونسي وانتهت المباراة بفوز الصفاقسي 1 - صفر، وسجل هدف الصفاقسي اللاعب عبدالوهاب الطرابلسي وقد أُحرق جزء مهم من الملعب، قرر على أثرها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حل نادي الترجي التونسي. ويمثل عام 1971 محطة مهمة في تاريخ تونس حيث شهدت انعطافة نحو الانفتاح الاقتصادي ومطالبة النخبة بتوسيع دائرة القرار وبدأت من خلالها المسيرة نحو الديموقراطية. أما على مستوى الدوري، فبعد أن كانت كرة القدم شبه مهمشة، نظمت رياضة الهواية، وعرف دوري السبعينات تنافساً شديداً بين الأندية غابت عنه مصطلحات "الكبار"، حيث ان مباراة الترجي مع الأولمبي للنقل أو الافريقي كانت تكتسي الأهمية ذاتها، والمنتخب التونسي هو افراز لأفضل لاعبي الأندية ال14 آنذاك، ما مكن تونس من الظهور بوجه مشرف في كأس العالم العام 1978 في الارجنتين. وأبى القرن ال20 إلا أن يودع التوانسة بأكبر مأساة في تاريخ كرة القدم والتي عبر عنها الرئيس زين العابدين بن علي "بالكارثة الوطنية". ففي مباراة من الدور نصف النهائي لكأس رئيس الجمهورية جمعت في 15 حزيران يونيو 1999 الترجي بالأولمبي الباجي، تحولت المباراة الى "حرب صُغرى" بين الجماهير خلفت قتلى عدة ومئات الجرحى. والتحقيق فيها لم يغلق حتى الآن وجرحها لم يندمل، لتمثل هذه المباراة صدمة في عقد التسعينات لكرة القدم التونسية التي شهدت خلاله نقلة نوعية على مستوى البنية التحتية والتجهيزات الرياضية لم تعرفه منذ ثلاثة عقود، وانتصارات قارية تجاوزت 13 لقباً، مع ما يحمله التقدم من مظاهر غير محمودة مثل اللاتوازن والسيطرة للكبار وتهميش الآخرين، وودّعت تونس عهد الهواية الى دوري الاحتراف، الذي اتخذت فيه الجماهير موقفاً عنيفاً تميز بطرافته، وهو غيابها شبه الكلي عن المدرجات!