العلاقة بين الجمهور الرياضي التونسي والدوري المحلي لكرة القدم تجسدها جيداً مقولة المسرحية الغنائية "اللعبة الجميلة" التي تعرض حالياً في لندن وهي "لا احتاجك وأستطيع أن أعيش من دونك" حيث تعرف الملاعب التونسية ارهاصات موت معلن للعبة الجميلة وعملية قتل بطيء للفرجة تهدد بصفة فعلية هوية كرة القدم التونسية وتدفع بمستقبلها نحو نفق الأسئلة الصعبة. وفي الحقيقة، فإن عقد التسعينات في تونس تميز بقفزة نوعية في مجال البنية الأساسية والتجهيزات الرياضية وربما كانت الأفضل مغاربياً وعربياً، لكن هذا الاستثمار المادي غيب حقيقة مهمة هي ان كرة القدم ليست مدرجات اسمنتية أو ملاعب معشبة بمقدار ما هي "فرجة" يصنعها لاعبون يحدوهم الطموح في الفوز والتتويج... ومذاق يصنعه الجماهير على المدرجات. والأهم من ذلك ان تكون اللعبة على المستطيل الأخضر لا أن يمثل مجرد ديكور مسرحي يحاك من وراء ظهور الجميع. ويبدو ان "السيستم" أو النسق الذي ميز الدوري التونسي طوال السنوات العشر الأخيرة بدأ يلفظ أنفاسه ويستنفد أغراضه. وشهد الملعب الأولمبي في سوسة في نصف نهائي كأس رئيس الجمهورية الذي جمع النجم الساحلي بالنادي الأفريقي حادثة معبرة تجسد بصفة جلية مدى الارهاق وحرب الأعصاب التي يعيشها رؤساء الأندية التونسية، فقد تعرض عثمان جنيح رئيس "النجمة الحمراء" ورائد عملية التحديث والاحتراف في نادي جوهرة الساحل الى توعك صحي خطير دفعه الى الاقامة في المستشفى والركون الى الراحة. وربما بدا هذا الحادث عادياً في مسرح الحياة الملوء بالتوتر والضغوط... لكن ان يكون عثمان جنيح ثالث رئيس ناد تونسي يتعرض الى توعك صحي خطير يمس أجهزة الدماغ والقلب الحيوية، يصبح الامر احد المؤشرات الى طبيعة الاحتقان الذي يعيشه الدوري التونسي. فقبله عاش سليم شيبوب الرجل القوي لكرة القدم التونسية ورئيس الترجي التونسي، أزمة صحية ثم كان الدور على لطفي عبدالناظر رئيس النادي الصفاقسي لتخلف لهم كرة القدم وجعاً في القلب وهم في سن النضج. أما الدور نصف النهائي الثاني بين الترجي التونسي والنادي الصفاقسي فقد حمل هو الآخر مفاجأة سيئة كادت تحول مباراة في كرة القدم الى جنازة وطنية، فقد عرفت نهاية المباراة معركة حقيقية بين جماهير الناديين خلفت أضراراً جسيمة في ملعب الطيب المهيري في صفاقس قدرها الخبراء بنحو 30 ألف دينار، كما ان الحافلات والسيارات الحاملة للاعبي الترجي وجماهيره تعرضت لهجمة بربرية جعلتها حطاماً، والأمرّ من ذلك ان قرابة 200 متفرج سيقوا الى مخافر الشرطة وأحيل بعضهم على المحاكم وتحولت الفرجة الى اقامة في السجون. واللافت ان اتحاد الكرة تعامل مع هذه الحادثة بصمت مريب، واكتفى ببيان شجب لم يتجاوز بضعة أسطر وكأنه ينتظر ان تعاد كارثة "مصعب باجة" التي خلفت في عام 1999 عدة قتلى ومئات الجرحى مما يلقي بظلال كثيفة حول حضور العدل بين الأندية وسياسة المكيالين في التعامل معها... لكن الخطير ان هذا العنف أصبح ظاهرة خطيرة يهدد كرة القدم التونسية من أساسها. أما الصورة الثالثة التي تبرز عمق الأزمة التي تشق مسيرة الدوري التونسي فهي الغضب الذي عبر عنه النادي البنزرتي لرفض اتحاد الكرة المحلي تعيين حكم أجنبي لمباراته الأخيرة مع الترجي التونسي خصوصاً ان هذا التحكيم الأجنبي قد أدار عدة مباريات في البطولة والكأس في تونس حتى أصبح التحكيم التونسي مهمشاً في بطولاته المحلية. وبين كماشة العنف التي تعصف بالدوري التونسي واختلال التوازن داخله في رحلته من الهواية الى الاحتراف وتهميش الكفايات المحلية من لاعبين وحكام والتعب والارهاق الذي أصاب رؤساء الأندية، تبدو كرة القدم التونسية تعيش أزمة هوية تدفع بجماهيرها ان تردد "لا أحتاجك وأستطيع أن أعيش من دونك".