لندن - "الحياة" كتاب فقهي جديد صدر أخيراً في قم من تأليف الشيخ محمد إسحاق الفياض المقيم في النجف, يعالج فيه واحدة من أعقد المسائل الدينية الاجتماعية للمسلمين في خصوص تعاملاتهم الاقتصادية والبنكية، التي من الصعب جداً تلافي الوقوع من خلالها في معاملات ربوية، وإن أمكن الفرار منها بالنسبة الى بعض الأشخاص من الملتزمين والعارفين بالقواعد الشرعية، إلا أنها تبقى واحدة من المشكلات الأساسية في مواجهة المؤسسات المالية الضخمة في النظام الرأسمالي العالمي. يأتي الكتاب بالدليل العقلي والشرعي على إمكان وضع نظام إسلامي في طريقة التعامل المصرفي أو تخريج المعاملات الموجودة كما هي على أساس شرعي، وإمكان تطبيق ذلك، للخلاص من المعاملات الربوية مع عدم التقليل من دور البنوك وطبيعة عملها في الحياة الاقتصادية ونشاطاتها في الحركة التجارية وفوائدها المالية. وجاءت موضوعاته على النحو الآتي: 1- معالجة مشكلة المعاملات الربوية في البنوك والمؤسسات النقدية. 2- تطبيق هذه النظرية مرتبط بمدى التزام المسلمين بحكم اعتقادهم بالإسلام مع عدم التقليل من دور البنوك وفوائدها المالية. 3- الخدمات البنكية التقليدية في مختلف جوانب الحياة وتخريجها من الناحية الشرعية. 4- الأسهم والسندات المتمثلة في الأوراق المالية التي تصدرها الشركات المساهمة بقيمة أسمية محددة وتخريج أحكام تداولها من الناحية الشرعية. 5- التعامل في الأسواق المالية البورصات وحكم ذلك من وجهة النظر الشرعية. يقع الكتاب في 270 صفحة من القطع المتوسط شاملاً المقدمة وفصول الكتاب الخمسة ليبحث في كل موضوع من المسائل المتقدمة بتفصيل لتعريف الموضوع وعرض المشكلة الربوية فيها ومن ثم عرض البديل الشرعي لها بدءاً من المعاملات التقليدية المتعارفة للبنوك الى البحث ومناقشة أنواع القروض الربوية وكيفية تقسيم الأرباح ليستخلص منها امكان تطبيقها عملياً في الأعمال المصرفية وتطويرها في البنوك. كما يعرض الكتاب في موضوعه الثالث كيفية معالجة الديون الميتة أو المتعثرة ويذكر امكان تخريج ذلك فقهياً بعد عرض الاحتمالات الواردة. ويستعرض مسائل عقد التأمين وتحصيل قيمة الشيكات والتحويل الداخلي والتحويل الخارجي وبيان صورها المتعددة وحكم شرعيتها ضمن النظام اللاربوي في الإسلامي. ثم يذكر موضوع خصم الكمبيالات أو تنزيلها قبل الموعد المحدد لها في مقابل استقطاع مبلغ معين وتطبيقها وفق الأحكام الشرعية ببيع الكمبيالة نقداً بأقل مما تضمنتها من المبلغ، أو تكييف عملية الخصم فقهياً على أساس اشتراط البنك على المستفيد في عقد الشراء هبة مبلغ محدد من قيمة الكمبيالة أولاً، أو بوجوه أخرى شرعية يذكرها بالتفصيل. وكذلك بيان حكم الكمبيالات الصورية المجاملية وتكييفها على أساس القرض أو البيع، وبيان عملية تحصيل الشيكات التجارية بعنوان أخذ العمولة إزاء قيام البنك بهذه الخدمة للعميل، ومنها قبول البنك الأوراق التجارية بتوقيعه على الشيكات والكمبيالات على أساس التعهد لا على أساس عقد الضمان، أو بقصد تأكيد البنك على وجود رصيد مالي لمحرر الورقة يكفي لحسم قيمتها منه، فإنه جائز شرعاً ولا مانع منه. بعد ذلك يتعرض بالتفصيل الى خطابات الضامن الكفالات المتضمنة لأطراف ثلاثة هم المكفول المتعهد أو المقاول والمكفول له المتعهد له المستفيد، سواء كان جهة حكومية عامة أو خاصة أم جهة أهلية والكفيل البنك، في موضوع المتعهدين المقاولين الذين يتولون مشروعاً بالمناقصة على مواصفات معينة وفي فترة زمنية محددة، مع الشروط والالتزامات الواجبة عليهم عند القيام بالعمل وتنفيذ المشروع، وكيفية وضع الشروط ضمن عقد المقاولة والمعاهدة، كالغرامة المالية في حال عدم إنجاز المشروع في موعده المحدد، أو الانسحاب عنه من دون الاتمام أو غيرها... وبيان صحة الشروط شرعاً ونفاذها ووجوب الالتزام والوفاء بها ما دام واقعاً في عقد صحيح. وكذلك فتح الاعتماد البنكي أو الاعتماد المستندي للمستوردين في مقابل مبالغ لمصلحة البنك على أساس الواسطة والعمولة أو غيرها من باب أن الربا المحرم في الشرع هو اشتراط الفائدة على المدين بازاء الدين، سواء أكان الدين بعقد القرض أم كان بضمان الغرامة، أما إذا كانت الفائدة عمل له مالية مضافاً الى مالية المال المقترض نفسه، فإنه يجوز أخذها ولا يكون ذلك من الربا المحرم، كما هو الحال في فتح الاعتماد الشخصي وجواز أخذ البنك عمولة زائدة على المبلغ لقاء قيامه بهذه الخدمة لتزويد الشخص بخطاب الاعتماد بأسمه في الخارج لدى فرع من فروعه أو مراسله هناك، وكذلك أجور البنك في مقابل تخزين البضائع، وسواء على حساب المصدر أو على حساب المستورد. كما يعتبر موضوع حسم الأوراق التجارية نوعاً من أنواع التسليف المصرفي، فإن بامكان البنك اعتبار ما يقطعه من قيمة الشيك بعنوان الأجر لما يقدمه من الخدمات اللازمة للعملية، كأجرة الكاتب وغيرها من المتطلبات لذلك، بدلاً من أن يعتبره في مقابل الأجل الباقي لموعد التسديد. مثلما يعتبر موضوع القروض والتسليفات الربوية بتبديلها الى مشاريع عمل كالمضاربة على نحو من التفصيل في الكتاب. وفي شرح موضوع صرف العملات الأجنبية وبيعها وشرائها والتحويل المصرفي الخارجي وقبول الودائع في البنوك سواء الثابتة منها أو الودائع المتحركة أو التوفير والتعامل بالشيكات المصرفية، وبطاقات الائتمان بأنواعها المختلفة وعلاقة الأطراف الثلاثة بين جهة إصدار البطاقة الجهة الحاملة لها والجهة التي تقبل التعامل بها، أي العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر، والعلاقة بين التاجر والجهة المصدرة للبطاقة، والعمولة على البطاقات وتخريجاتها الفقهية حتى موضوع الأسهم والسندات وتعريف كل مفردة منها وأقسام الشركات المساهمة وكيفية المشاركة في تلك الشركات والتعامل في سوق الأوراق المالية أو سوق تداول الأسهم، وتكييف عمليات تداولها من الناحية الشرعية في الأسواق الإسلامية، أو ضمن الشركات المساهمة في البلاد الأجنبية. ومن ثم يتعرض الكتاب الى موضوع السندات وأنواعها من قبيل. سندات الدولة تصدرها في الأسواق لتمويل الانفاق العام، سندات الهيئات العامة كالبنوك الدولية تصدرها بدافع تمويل مشاريعها، سندات الهيئات الخاصة كالبنوك المحلية رسمية كانت أم غير رسمية، سندات المؤسسات الحكومية الخاصة التي تصدرها لتمويل مشاريعها والانفاق عليها، وسندات الشركات التجارية أو الصناعية أو الخدمية أو غيرها. وبعد تعريف السند وبيان جدول المفارقة والمشاركة بين السند والسهم والاتجار بالسند تبادلاً، ومسألة أخذ الوسيط والعمولة على ذلك من وجهة النظر الشرعية وجوازها، إذ أن عملية تبادل السندات وتداولها في الأسواق المالية أو البورصات لا يبعد أن تكون قائمة على أساس عملية البيع والشراء، لا على أساس عملية القرض، مع تردد من المؤلف بجواز ذلك ضمن المتداول في الأسواق العالمية، بذكر الاحتياط الشرعي والتوقف في المسألة، ثم يذكر بيان شرعية العمل بالسندات الحكومية على أساس نية العميل عند تسلم الوثيقة البنكية على الدين غير الربوي، وعدم نية الزيادة كشرط وإن علم أن الحكومة ملتزمة بذلك، فإذا تسلم الزيادة تسلمها بعنوان المال المجهول مالكه، أو مال لا مالك له، وعليه أن يتصدق بمقدار نصفها أو ثلثها للفقراء. وأما في سندات الشركات الأهلية فحيث يعلم المستثمر بأن صاحب الشركة متعهد بدفع الزيادة له على كل حال ومن طيب نفسه، فبامكانه التخلص من الربا بعدم اشتراط الزيادة عند العقد، بمعنى أن يكون جاداً في التزامه بعدم المطالبة في ما إذا لم يدفعها صاحب الشركة لسبب أو آخر. وببيان كيفية مطابقة المعاملات البنكية الدولية في التعامل مع الأسواق المالية البورصات مع النظام اللاربوي في الاسلام، بأقسامها المختلفة من التعامل بالنقود الذهبية والفضية أو النقود الورقية، أو الاتجار في بورصات السلع والطعام، أو الاختيار على العملة الأجنبية، والتعامل بالعقود المستقبلية والتخريجات الفقهية لها بذكر الأنواع المتعددة والتفاصيل اللازمة لها بالاستناد الى الكتاب والسنة في ذلك. وبعد مناقشة علمية دقيقة للرأي المشهور لجميع فقهاء الشيعة بعدم جواز التعامل في العقود المستقبلية على أساس أنه بيع ما لا يملك فيدخل في قسم عقد السلم وهو باطل شرعاً، يعرض المؤلف تخريجات فقهية ليلتزم الرأي بجواز تلك المعاملات بجرأة علمية مخالفاً بذلك رأي المشهور من العلماء، وبذلك يضع على عاتق المسلمين مدى التزامهم بتطبيق الأحكام بعد أن وضع هو مجالات العمل فيها من وجهة الشرع مع دخول المسلمين الألفية الثالثة ودخول العالم ساحة التطورات السريعة وعالم المعلوماتية والعولمة الاقتصادية، فيأتي الكتاب دليلاً على مدى حيوية الإسلام وقابلية تطور الأحكام بفضل فتح باب الاجتهاد ومواكبة العصر في وضع الحلول المناسبة للمستحدثات من المسائل.