تصاعد الجدل مؤخرا حول المصرفية الإسلامية، وبرزت أصوات تنتقد بشدة آليات وصيغ معاملات هذه المصرفية وتركز الانتقاد في القروض السائدة المسماة "التورق" معتبرين أنها حيلة لا تنتفي معها "علة الربا" مستدلين بتحريم عدد من الأسماء الفقهية المعتبرة لهذه الصيغة .. في حواره مع مجلة تجارة عنيزة يناقش الباحث والفقيه السعودي الشيخ دبيان محمد الدبيان العديد من الاشكاليات التي قادت لهذا الجدل الفقهي حاملا وجهات نظر مغايرة بعض الشئ في العديد من الجزئيات استنادا إلى دراسات مؤصلة ومعمقة. الجدل في المسائل الفقهية مسالة صحية يعتقد الشيخ الدبيان أن الجدل في المسائل الفقهية المختلف فيها مسألة صحية مرحب بها إلا أنه كغيره من الحوارات حتى يكون مثمرا لابد أن يتوفر فيه المقومات التالية :أهمها أن يقوم بهذا الحوار أهل الاختصاص، والثاني ألا يخرق إجماع أهل العلم. البنوك الإسلامية مظلومة يرى الشيخ دبيان الدبيان أن البنوك الإسلامية مظلومة من حيث التشريعات فالمنافسة بين البنوك التقليدية ونظيرتها الإسلامية ليست عادلة فالبنوك التقليدية تزاحم المصارف الإسلامية في جميع عملياتها في الوقت الذي لا تستطيع فيه المصارف الإسلامية ضمان الودائع الاستثمارية خشية الوقوع في الربا، ولا تستطيع أن تقترض من البنوك الربوية لتغطية نقص السيولة كما تفعله البنوك الربوية وغير ذلك من الأمور. ويقسم الباحث منتقدي البنوك الإسلامية إلى فريقين: الأول: دافعه الغيرة على هذه التجربة وبريد لها الكمال في عملياتها ويتمنى أن تكون عمليات البنك قائمة على المشاركة في الربح والخسارة كعقود الشركة والمضاربة وعقود السلم والاستصناع وهذه العقود لا تزال ضعيفة لدى المصارف الاسلامية بحجة أن الاستثمار فيها ينبني على مخاطر عالية، كما ينتقد هؤلاء لجوء المصارف إلى العمليات المعتمدة على الديون الاستهلاكية الأمر الذي أوقعت هذه البنوك الإسلامية في بعض المحاذير الشرعية كبيع السلع قبلع تملكها والإلزام بالوعد وإحداث صيغ تمويلية عليها إشكاليات كثيرة كالتورق المصرفي المنظم مشيرا إلى تأييده لهذا الفريق في انتقاداته. أما الفريق الآخر فينتقد المصارف الإسلامية زاعما أنه لا فرق بينها وبين البنوك التقليدية، وهو ما يراه الدبيان خطأً منهجيا لن يكتب له النجاح لأن المصارف الإسلامية اليوم خرجت إلى العالمية وصارت تلهم الأنظمة المصرفية الدولية باعتبار أن المعاملات المالية هي حاجة إنسانية تسعى لتحقيق الرفاه والنمو الاقتصادي للإنسان والتدخل الشرعي فيها إنما جاء ليتحقق العدل ويمنع الظلم والاحتكار والاستغلال وهذه قيم إنسانية يشترك فيها العقلاء. الفوارق بين البنوك الربوية والمصارف الإسلامية يتمثل الفارق بين البنوك الربوية والمصارف الإسلامية بحسب الباحث في أمرين هما: الأول الديون التي يقدمها المصرف الإسلامي محلها السلع، وليست النقود كما هي في البنوك الربوية، والفارق الثاني: أنه في حال أعسر المدين عن السداد فإن قيمة الدين لا يتضاعف بل يؤجل الثمن إلى ميسرة في إرفاق يشبه القرض، بخلاف البنوك الربوية التي تضاعف الفائدة إذا تأخر في السداد وهو ما يراه الدبيان فارقا مهما. الموقف من التورق يقول الشيخ الدبيان أن صيغة التورق هي أحدى أهم صيغ التمويل للمصارف الإسلامية المعتمدة على الديون والبديلة عن صيغة الإقتراض بالفائدة وحقيقتها: أن يشتري العميل السلعة من البنك بعد تملك البنك لها بثمن مؤجل وهذا العقد يثمر تملك المشتري للسلعة وهذه الملكية تعطيه حق استعمال السلعة فإن باعها المشتري على البنك بثمن حال فقد توصل العميل إلى الورق (النقود) عن طريق شراء هذه السلعة. ويرد الشيخ على منتقدي هذه الصيغة بالآتي: 1- إذا كان منع التورق لكونه مظنة الوقوع في الربا فإنه يلزمكم القول بتحريم الاقراض بفائدة من باب أولى لأنه صريح الربا. 2- القول بجواز التورق هو قول أكثر أهل العلم بينما الإقراض بفائدة مجمع على تحريمه، فهو حال من يريد استغلال الخلاف في كشف الوجه ليقول بجواز كشف العورة. 3- يكفي أن عملية التورق تقوم بتدوير المال فشراء القمح بنية التورق ينتفع منها : أولا بائع البذور ثانيا المزارع ثالثا التاجر المشتري من المزارع رابعا البنك المشتري من التاجر خامسا المتورق سادسا المشتري من التورق وقد يكون تاجرا سابعا المستهلك ، بينما الاقراض بفائدة يقتصر على العميل والبنك. 4- ابن تيمية الذي حرم التورق حرمه على لمحتاج وأباحه للتاجر وهذا يضعف القول، فقد سئل عن رجل اشترى فرسا بمائة وثمانين درهما فطلبه منه إنسان بثلاثمائة درهم إلى مدة ثلاثة شهور فهل يحل ذلك؟ فأجاب: إذا كان الذي يشتريه لينتفع به أو يتجر به فلا بأس في بيعه إلى أجل وأما إذا كان محتاجا إلى دراهم فشرائه ليبيعه في الحال ويأخذ ثمنه فهذا مكروه في أزخر قولي العلماء؟ أه فهل يجوز للتاجر التورق لتكثير التراهم ولا يجوز للمحتاج شراء السلعة لدفع حاجته؟ الموقف من الخلاف في ربا الفلوس يختلف الشيخ الدبيان مع القائلين بإباحة ربا القروض النقدية التي تجريها البنوك موضحا أن أصحاب هذا القول أخطأوا في: تقسيم مال القرض إلى قسمين: مال ربوي إذا أقرضه الإنسان لايجوز له ان يأخذ فائدة عليه ومال غير ربوي يجوز إذا أقرضه الإنسان أن يأخذ فائدة عليه، حتى يقال إن الفلوس قد اختلف في جريان الربا فيها، هل هي مال ربوي أو ليس مالا ربويا فالتقسيم هذا جرى في ربا البيوع عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل. ويضيف: فأي فائدة يأخذها الإنسان من قرض أي مال كان فهو ربا سواء كان هذا القرض ذهبا أو فلوسا أو حديدا بل ولو كان ترابا وهذا بالإجماع، فإذا كانت البنوك تقدم قروضا فلا يسوغ لها أن تأخذ أي فائدة على ذلك بصرف النظر هل النقود مال ربوي أو ليس ربويا لأن تقسم المال إلى ربوي وغيره فهو يجري في البيوع دون القروض. ويرى الدبيان أن الخلاف القديم في الفلوس هل هي مال ربوي أو لا لا يعني تطبيقه على النقود فالفلوس قديمة وجدت في عصر الصحابة والنقود لم تعرف غلا في العصور المتأخرة والتعامل كان مع الفلوس في المقدار التافه الذي لا يبلغ قيمة الدرهم وهذا جاء في اللغة أفلس الرجل صار مفلسا كأنما صارت دراهمه فلوسا وزيوفا بعدما كانت ذهبا وفضة بخلاف النقود فهي حلت محل الذهب والفضة وتستطيع الدول والأفراد عن طريق تلك النقود فهي حلت محل الذهب والفضة وتستطيع الدول والأفراد عن طريق تلك النقود إقامة المشاريع الكبيرة كبناء المصانع من طائرات وقطارات وجسور وغيرها. وإذا تنزلنا إلى أن النقود بمنزلة الفلوس فهل الخلاف دليل شرعي يسوغ للإنسان أن يعتمده كدليل على الإباحة مشيرا إلى أنه لا يعرف في أصول الفقه أن الخلاف من أدلة الشرع لا المتفق عليها ولا المختلف فيها ولو تجاهلنا كل ذلك وأردنا أن نضع هذا الدليل على شكل نص يحتج به لجاء بهذا الشكل: الدليل على جواز ربا القروض الخلاف في ربا الفلوس، فأين القرض من البيع؟ فهو دليل هزيل لا يستقيم شكلا ولا مضمونا. اللجان الشرعية بحاجة إلى تشريعات يتهم البعض اللجان الشرعية في البنوك بتقديمهم المصالح الشخصية وارضاء البنوك على حساب الموقف الشرعي وهو ما يرفضه الدبيان جملة وتفصيلا معتبرا اياه اتهاما خطيرا لا يليق بأهل العلم خاصة أن كثيرا من أعضاءها هم أعضاء في هيئة كبار العلماء أو المجامع الفقهية وربما جاء انتقادهم من إنسان ينزع للتشدد وهو لا يشبعون نزعته أو ممن يجهل مأخذهم في التحليل والتحريم فيكون الناقد قد أتي من قبل فهمه ومع ذلك فإن الهيئات الشرعية في البنوك بحاجة إلى تشريعات لتقوم بدورها على أحسن وجه فلا يوجد مرجعية عليا للهيئات الشرعية تمارس دورها من خلال مراجعة قرارات الهيئات الشرعية لكل بنك والوصول إلى معايير محددة، متمنينا لو كانت هذه المرجعية مرتبطة بهيئة كبار العلماء أو ملتزمة بقرارات المجامع الفقهية الدولية باعتبار أن المجامع الفقهية تناقش المعاملات المالية بعيدا عن ضغوط البنك وحاجتها الاستثمارية وتكون رسالة هذه المرجعية العمل على تطوير العمل المصرفي الإسلامي من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات الاقتصادية وتقديم الاقتراحات والدراسات ولابد أن تكون جميع الهيئات لها دور رقابي يتعدى حدود الاستشارات الشرعية بل إن الأمل أن يتعدى دورها الدرو الرقابي ليقود عمليات الإبداع والتطوير في المنتجات والآليات المصرفية. مضيفا: وربما تسرعت بعض الهيئات الشرعية في إعطاء فتوى حول بعض المعاملات المالية قبل أن ينضج البحث فيها وقبل أن يصل الأمر فيها إلى قرار واضح مع أنك تجد المجامع الفقهية تعقد أكثر من دروة لمناقشتها دون الوصول إلى قرار فيها فبطاقات الائتمان ناقشها مجمع الفقه الإسلامي في ثلاث دورات مختلفة حتى تمكن من صياغة قرار في شأنها بينما كانت الهيئات الشرعية قد سبقت هذه المجامع في قراراتها مع قصور كبير في توصيفها الفقهي وتقصير في حكمها الشرعي وهذا حسب اجتهادي الشخصي، ويقترح الباحث الدبيان ألا يمثل العضو في الهيئة الشرعية سوى مصرف واحد لتحقيق العديد من الفوائد أقلها تنوع الاجتهاد لاختلاف الاعضاء وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات وحتى يتمكن العضو القيام بأعماله بكل مهنية.