مع التوجه الكبير نحو الاستثمار في سوق الأسهم وما يتعلق به من الكثير من المغانم والمخاطر ومايثار حول الجوانب الشرعية للاستثمار في هذا السوق، مع تعدد قطاعاته وتوسع الشركات والمؤسسات، التي طرحت وستطرح خلال الفترة القادمة للاكتتاب، استضافت «الرياض» أحد ابرز الأشخاص المعروفين بالجمع بين العلم الشرعي والاقتصادي المتخصص الذي درس في الداخل والخارج جوانب اقتصادية عدة، وواكب ذلك بالتطبيق العملي في احد أكبر المؤسسات المالية بالمملكة، والقى محمد بن سعود العصيمي الضوء خلال حديثه على جوانب تهم كل المهتمين والمتعاملين بسوق الأسهم في المملكة، كما تناول كذلك قضايا اقتصادية أخرى تتعلق (بالتورق) ووضع المصارف الحالية ومدى أهمية اللجان الشرعية في الشركات والبنوك بشكل خاص وكذلك التأمين. تداول البلاد والصحراء ٭ (الرياض): بعض العلماء يمنع من تداول سهم البلاد والشركات التي لم تبدا أعمالها الفعلية. ما تعليقكم؟ - العصيمي: في البداية أشكر ل( الرياض) إتاحة الفرصة، والحقيقة ان هذا الموضوع قد أثير قبل تداول سهم بنك البلاد حين بدأ تداول سهم شركة الصحراء للبتروكيماويات. وسيستمر خاصة مع وجود اكتتابات قريبة لشركات جديدة. وقد كان لي رأي في الموضوع وهو أن أي شركة بعد أن تنهي إجراءات الإنشاء والعمل ثم تقيد في البورصة فإن ذلك كاف للحكم على جواز تداولها، إذ يحتوي السهم المتداول على أربع قيم، وهي: النقود التي تملكها الشركة، والديون التي لها، أو عليها، والقيمة المعنوية لها، والأصول العينية التي تملكها. ولا بد من التفريق بين السهم والسند (وهو القرض في هذا الباب). ومن المعلوم أن أي شركة مساهمة لا يمكن أن تبدأ من فراغ، فقد تكون مساهمة مغلقة لسنوات، وقد تكون الفكرة التي أنشئت من أجلها محل دراسة وبحث وتسويق لسنوات أيضا. ولكن بعض العلماء نظر إلى القيمة النقدية والديون التي يمثلها السهم فقط، ولذلك جعل تداول سهم الشركة غير جائز لأنها من باب الصرف الذي لم يتحقق شرطه وهو التماثل. وهذا ليس صحيحا من وجهة نظري. فالسهم يتأثر بعوامل في السوق ليست من صميم موجودات الشركة أو مطلوباتها، مثل الإشاعات، ومثل مستوى السيولة في البلد، ومثل ما يجري على البدائل الأخرى للاستثمار، ومثل تسارع مستويات الأرباح في القطاعات، ومثل التحركات الموسمية للاستثمار، وغير ذلك. فليس مشتري السهم مشتريا للنقود التي في الشركة أو الديون التي فيها، بل لقيمة الورقة المالية التي نسميها السهم بكل ما تحمله من متغيرات. فهذه النقود والديون تابعة، وليست أصيلة. ومن الأدلة على ذلك أنك ترى السوق يتغير في اليوم الواحد بمائة نقطة أو أكثر، مع أن مستوى سيولة الشركة والتزاماتها التي لها أو التي عليها لم تتغير بمستوى يذكر. وعلى العموم، فالمسألة تحتاج نقاشا أطول من ذلك، ولكن القائلين بالمنع يلزمهم القول بتحريم تداول أسهم الشركات المالية الإسلامية كلها، بما فيه البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية وشركات الوساطة المالية الإسلامية وغيرها إذا لا شك أن أغلب موجوداتها نقود وديون حتى بعد سنوات من بدئها العمل. أما بنك البلاد، فالبنك الآن يعمل مثل أي بنك، ولكن الإدارة رأت أن يكون الدخول للسوق بهدوء. فهناك الآن أكثر من 600 موظف في البنك، وهناك منتجات قائمة في الخزينة، وهناك عدد من الفروع العاملة بموظفيها. وهناك منتجات كثيرة تحت التطوير وتحت التجريب. ٭ (الرياض): كثر الكلام عن التورق والتورق المنظم واصبح مصدرا رئيسيا للقروض للكثير من المواطنين، فهل لك أن توضح للقراء ما يثار حوله؟ - العصيمي: قبل شرح التورق، أوضح بيع العينة الذي يرى جماهير علماء المسلمين تحريمه. فلو أن شخصا اشترى من تاجر سلعة بالأجل (مثلا بمائة وعشرين على أن يسددها بعد سنة)، ثم قام على الفور وباعها على البائع نفسه بثمن فوري ولنقل إنه مائة ريال، فهذه المسألة تسمى العينة. وهي حرام على الصحيح من أقوال أهل العلم لما فيها من الاحتيال على الربا. فقد اقترض الشخص مائة وتحمل في ذمته مائة وعشرين. أما التورق فيقوم الشخص بشراء سلعة من شخص بالأجل كما في المثال السابق، ثم يستلم السلعة، ويذهب بها إلى شخص آخر ويبيعها عليه بسعر فوري. وهذه المسألة تسمى التورق، حيث يحصل صاحبها على الوَرِق وهي الفضة. وهذه المسألة مختلف فيها، ولعل الصحيح أنها جائزة للحاجة. ولكون البنوك التجارية الإسلامية تريد الاسترباح بطرق شرعية، فكان بيع التورق من أحد الخيارات التي أمامها للتطبيق. ولكن الممارسة أنتجت نوعا من البيوع يسمى المرابحة للآمر بالشراء. فحيث إن البنك لا يريد أو لا يسمح له أن يتملك سلعاً أو أسهماً في دفاتره، فينتظر من العميل أن يأمره أن يشتري سلعة ما حتى يبيعها عليه بربح. ثم يقوم العميل باستخدامها شخصيا، أو ببيعها في السوق للتورق. فأما الاستخدام الشخصي فأمره أوسع. ولكن المشكلة حينما يريد الشخص أن يتورق. فقد قامت بعض البنوك الإسلامية والنوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية بإتاحة الفرصة لتسريع حصول العميل على النقد بالطلب من العميل أن يوكل البنك بقبض السلعة عنه وببيعها عنه في السوق. وهذا الذي يسمى التورق المنظم، وقد حرمه مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وهو الصحيح. نصائح للمتورقين ٭ (الرياض): اذن ما نصيحتك للراغبين في التورق؟ - العصيمي: أنا أرتب خيارات المتورق كما يأتي: أولا أن يتورق من بنك إسلامي ما استطاع إلى ذلك من سبيل. ثم إن رغب في التورق في الأسهم فلا يتورق إلا في أسهم نقية من الربا والاستثمار المحرم. وإن رغب في التورق من النوافذ الإسلامية بالسلع المحلية فلا أرى جواز توكيل البنك في بيع السلعة ولا جواز البيع على صاحب السلعة الأساسي (صاحب المحل التجاري) فلا بد للعميل من استلام السلعة وبيعها في السوق. وكل ذلك حتى لا تكون من العينة الثلاثية، وهي التي يتفق فيها أحد طرفي التورق. ٭ (الرياض): هناك توجه ضخم من عموم الناس نحو الأسهم، ما نصيحتك لهم؟ - العصيمي:الحقيقة ان توجه الناس بهذا الزخم الكبير لسوق الأسهم على العموم يعد ظاهرة ليست سيئة. ولكن، لا بد من معرفة أمور مهمة. الأول: أن يعلم الشخص المساهم حكم الله تعالى في الأمور التي يتداولها. وقد فصل العلماء الأفاضل الضوابط التي يجب على الشخص أن يتبعها في مجال المتاجرة في أسهم الشركات المساهمة. ثانيا: أن يعلم الشخص أن المتاجرة في الأسهم من أكثر المجالات خطورة. وعليه، فما يفعله كثير من الناس من الاقتراض، ورهن الراتب، أمر ليس من الرَشَد الاقتصادي. فسوق الأسهم في كل بلد سوق مضطربة، تتأثر بكثير من العوامل والشائعات، وتكون عاقبة المقترض أسوأ عاقبة؛ إذ يخسر أسهمه، ويبقى عليه الدين، وقد يسيل رهنه. وقد مرت تجربة سيئة على المتعاملين في الأسهم في شهر مايو من العام الماضي، وتبين لهم مدى خطورة سوق الأسهم. وهذه الخطورة ليست خاصة بسوق الأسهم السعودية، بل في أي بلد. ومن البدهي الإشارة إلى حرمة الاقتراض بالربا، ويسمى أحيانا تسهيلات، لأجل العمل في الأسهم. الثالث: أمر الزكاة. وكثير من المتعاملين يفرط فيه. والرأي الراجح إن شاء الله أن المستثمر طويل الأجل (الذي يبقى السهم عنده أكثر من سنة، وليس مضاربا) فلا زكاة عليه في أصل قيمة السهم. ولكن يبقى أن يزكي الربح الموزع بعد أن يحول عليه الحول عنده. أما المضاربون، وهم أكثر الناس الآن، فيجب عليهم الزكاة على قيمة المحفظة الاستثمارية كاملة (بما في ذلك رأس المال والربح) بعد حولان الحول على المحفظة. وعلى المستثمر إن كان متمولا (مقترضا) أن يخصم ما يجب عليه من القروض لمدة سنة من قيمة المحفظة ويزكي الصافي. وأضرب لهذا بمثال رقمي لأهميته. فلو أن شخصا تمول من بنك بمبلغ مليون ريال تسدد على عشر سنوات. فيجب عليه أن يسدد مائة ألف كل سنة من ذلك القرض. ولنفرض أنه اشتغل بكل المليون في الأسهم، فبعد أن تمر السنة الأولى على المحفظة الاستثمارية يقومها بسعر السوق، ولنفرض أنها أصبحت أسهما قيمتها مليونا ونصف المليون. فيجب عليه أن يخصم مائة ألف من المحفظة، وهو القسط السنوي من الدين القائم عليه، ويزكي الصافي وهو مليون وأربعمائة ألف، بإخراج 2,5 منه. وهذا الرأي الذي أذكره في زكاة الدين من أكثر الأقوال عدلا فيها في رأيي. والله أعلم. ٭ (الرياض): أشرتم إلى الشروط الشرعية لتداول الأسهم، وقد كثرت القوائم التي يتداولها الناس، ويذكرون أنها شرعية، فهل من تعليق؟ وهل من ضوابط للموضوع؟ - العصيمي: الحقيقة أن هذا السؤال من أكثر الأسئلة التي أسأل عنها، سواء على الهاتف أو على البريد الإلكتروني. وألخص الكلام فيه على نقاط. أولا، لا يصح عند أحد من علماء المسلمين السابقين مشاركة من يقترض أو يقرض بالربا. ومعنى ذلك، أن المساهم إذا علم أن الشركة تقترض أو تودع أموالها بالربا فلا يصح له أن يتداول سهمها. ثانيا: أمام الواقع السيئ للشركات المساهمة في العالم العربي والإسلامي، رخص بعض العلماء المعاصرين بتداول أسهم الشركات التي تقترض بالربا أو تقرض بالربا بشروط معينة وضعوها اجتهادا منهم، مع نصهم على أن الأصل التحريم بلا إشكال. ثالثا: لم أطلع على كلام باحث أجاز تداول أسهم الشركات المساهمة التي تقترض أو تقرض بالربا بدون شروط. بل كلهم وضع شروطا اجتهادية، ومقصودهم التوسعة على الناس. رابعا: وبناء على ما سبق، لا أرى جواز التعامل إلا في أسهم الشركات النقية من الربا، وقد زادت على العشرين شركة في السعودية بفضل الله، والقائمة بازدياد. وعلى المستثمرين ومديري المحافظ تقوى الله عز وجل وذلك بالتوقف عن دعم مسيرة الشركات التي تقترض بالربا، حتى تبحث عن الطرق الشرعية التي ليست عندها ببعيد في البنوك السعودية. ٭ (الرياض): هل من نصيحة لمن يريد دخول سوق الأسهم! - العصيمي:من يريد الدخول في سوق الأسهم، فلا بد أولا أن يهتم للجانب الشرعي في الموضوع، وقد أشرت له قبل قليل. ثم ينتبه إلى خطورة السوق من ناحية الربح والخسارة، خاصة لمن يدخل بقرض. ثم أرى أن يأخذ دورات في طرق التعامل مع سوق الأسهم. وهناك منتديات مفيدة على الشبكة أنصح بالإفادة منها. وأنا من الداعمين للاستثمار طويل الأجل في السوق، ولا أحب المضاربة. المشاركة في الاكتتابات ٭ (الرياض): هناك اكتتابات قادمة لعدة شركات في السعودية، هل من توجيه؟ - العصيمي: الاكتتابات عموما في ظل ارتفاع المؤشر فرصة طيبة لقليلي الدخول. وأرى أنها طريقة عالية الكفاءة من طرق إعادة توزيع الثروة في المجتمع. ولكن، يجب على الشخص أن يتحرى الشركات النقية من الربا. ويمكن أن ينظر إلى البيانات المالية للشركة التي تنشرها وإلى نشرة الاكتتاب المطولة، وإلى النظام الأساسي لها. وهنا أقدم نصيحة للشركات القادمة أن تسلك سبيل المرابحة في حاجاتها التمويلية، بدلا من القروض الربوية. وبهذا نرضي الرب سبحانه وتعالى، وتحصل الشركة على تغطية واسعة من الجماهير. وشركة اتحاد اتصالات أوضح مثال حيث رتبت تمويلا بالمرابحة، ولم تسلك سبيل القرض الربوي. ولا أنصح أبدا بعد التأكد من شرعية الشركات بأن يقترض الشخص للدخول في الاكتتاب أبدا، حيث يظهر ان سوق الاكتتابات ستكون عالية التغطية، بحيث لا يحصل الشخص إلا على عدد قليل من الأسهم، ومن ثم فلا داعي للتمويل. ٭ (الرياض) ماهودور الهيئات الشرعية في الفتوى والرقابة على التنفيذ وهل تتعارض مع ادارة الرقابة التابعة للمجموعات الشرعية؟ - العصيمي: هذا من أهم الأسئلة من وجهة نظري. وإن مسيرة البنوك الإسلامية رهن بعوامل كثيرة من أهمها الضبط الشرعي للمنتجات المقدمة منها. وفي هذا المقام لا بد من التفصيل في مهام الهيئات الشرعية فكثير من الناس يظن أن الهيئات الشرعية لكل البنوك الإسلامية تقوم بدور رقابي على التنفيذ وهذا للأسف ليس الواقع فكل الهيئات الشرعية تقدم الفتوى أما الرقابة على التنفيذ على الوجه الشرعي الواجب شرعا فليست لكل الهيئات. ومن هنا، فإني أرى أن إدارة الرقابة التابعة للمجموعات الشرعية في البنوك الإسلامية أكثر أهمية من الهيئة الشرعية التي لا تقدم إلا الفتوى. إذ بإمكان البنك أن يحصل على الفتوى من أي مفت، وليس بإمكان البنك الحصول على خدمة التدقيق الشرعي إلا من إدارة رقابة ذات رقابة متفرغة ومتميزة. ولذلك، فإني أحث كل بنك إسلامي وحتى البنوك ذات النوافذ الإسلامية على تخصيص إدارات مستقلة للرقابة على التنفيذ، وأن يتقوا الله في الشفافية في المعلومات التي تعرض للعملاء من حيث الدقة الشرعية. وعلى الهيئات الشرعية عدم الاكتفاء بالتقارير التي ترفع من البنك نفسه. وهذا ليس اتهاما للعاملين في البنوك التجارية، ولكن كثيرا من الملحوظات الشرعية ليست من الثقافة السائدة لدى العاملين في البنوك التجارية، حيث تنقصهم الخلفية الشرعية المناسبة والخبرة الرقابية الشرعية. ثم إن كثيرا من الممارسات البنكية قد يكون الشبه بينها وبين الممارسة الإسلامية كبيرا، والتفريق بينها ليس سهلا إلا للمتخصص. ثم إن في شهادة الرقابة الشرعية حيادا أكثر من حياد الموظف الممارس. وعلى البنك المركزي تقع مسؤولية متابعة ذلك. ٭ (الرياض): ما التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية والاقتصاد البنكي الإسلامي على وجه العموم؟ - العصيمي: إن استشراف أفق التحديات في كل مجال مهم جدا. وسأطرح بعض القضايا، ولا أزعم أني مستوعب لكل التحديات. وأول قضية هي مجال البنوك المركزية. فمن المعلوم أن تصحيح وضع البنوك التجارية التقليدية قد أخذ حظا طيبا. ولكن من المهم التأكيد على أن يكون للبنك المركزي دور رقابي للعمليات المصرفية الإسلامية. وهذا المجال ما يزال بكرا إلى حد كبير، وتحتاج حركة التصحيح فيه إلى طاقات هائلة، وإلى خطة طويلة الأمد. والحقيقة أني معجب إلى درجة كبيرة بتجربة الهيئات الإسلامية في مجال توجيه مسيرة البنوك التجارية. ولكني في الوقت نفسه، أرى أن طلبة العمل قد حصروا أنفسهم في ذلك المجال. وأرى أن من أهم المجالات التي لا بد أن تسلك مجال الشركات المساهمة. فلا بد أن يدخل المستشارون الشرعيون ذلك المجال لتقويم مسيرة الشركات المساهمة في طريقة عملها وبيعها وشرائها واستثمار أموالها وتسويق منتجاتها وغير ذلك. وبهذا نقدم خدمة مهمة للاقتصاد، فسيكون مجال الاستثمار في الشركات المساهمة أكثر شرعية، ونقدم بهذا جسرا بين احتياجات الشركات المساهمة المالية وسيولة البنوك الإسلامية. ثم هناك تحد آخر وهو تعيير أو الاتفاق على معايير مقبولة للمنتجات الإسلامية على المستوى الدولي. ثم هناك تحد آخر وهو حاجة السوق المالية في الدول العربية والإسلامية بل وحتى الغربية إلى الصكوك الإسلامية المنضبطة شرعا. ومن المعروف أن السوق المالية في المملكة العربية السعودية على الأبواب، وسينظر الناس في العالم كله للمنتجات التي تطرح هنا على أنها شرعية. ومن نافلة القول أن السندات المعروفة ربوية لا تصح أبدا. وعليه، فإن التحدي الكبير أمام طلبة العلم، والاقتصاديين، والمهندسين الماليين والبنكيين ومن له علاقة بهذا المجال أن يبتكروا سندات إسلامية (صكوكا) تكون مقبولة شرعا، وتسد حاجات الشركات المساهمة والأفراد بل والحكومات. وهذا ليس مستحيلاً، وهناك تجارب طيبة في هذا المجال. ٭ (الرياض): هل السوق السعودية قابلة للمصارف الإسلامية أو التقليدية؟ - العصيمي: الحقيقة أن السوق العربية والسعودية على وجه الخصوص مقدمة على دخول منافسين كبار للمؤسسات المالية ككل. وينطبق ذلك على البنوك التجارية وشركات التأمين والصناديق الاستثمارية وشركات الوساطة وغيرها. وأعتقد أن الوقت آن في المملكة على وجه الخصوص أن نبين للناس تميز شركاتنا المحلية. ومن أهم جوانب التميز شرعية المعاملات في هذه الشركات. والجانب الثاني الانتشار الجغرافي الذي لا يستطيع أن يقوم به شركة أجنبية. وما دمت في هذا الموضوع، فأرى أن السوق السعودية في حاجة ماسة إلى فصل مؤسساتها المالية بعضها عن البعض. فلا بد من وجود شركات استثمارية مستقلة، ولا بد من استقلال التأمين عن البنوك التجارية، ومن استقلال الصناديق الاستثمارية عن البنوك أيضا، ولا بد من استقلال الوساطة المالية عن البنوك. ولا بد من وجود مؤسسات ودائع أخرى غير البنوك، تكون أشبه بما يسمى اتحادات الائتمان في الولاياتالأمريكية. وأرى أن التركز الحاصل في العمل المالي في البنك ضار بالاقتصاد. ومع هذا التوسع فلا بد من فصل السلطات التنظيمية عن الرقابية وعن القضائية الخاصة بها. فكثير من المشكلات التي تحصل إنما تحصل بسبب تعارض المصالح بين ملاك المؤسسة المالية وعملائها. ٭ (الرياض): ما دمت قد تطرقت للتأمين، فالسوق السعودية مقبلة على نظام التأمين، وهناك شركات تأهلت لتقديم التأمين. هل من كلمة حول التأمين؟ - العصيمي: الحقيقة أن التأمين من أحد التحديات المقبلة خاصة في المملكة. وقد أشرت إلى خصوصية سوق المملكة من ناحية قبول الناس عالميا في المنتجات السعودية على أنها شرعية. ومن ثم، فيجب الانتباه إلى هذه النقطة. ومن المعلوم أن التأمين التجاري السائد محرم. ولم يقل بحله إلا ندرة من طلبة العلم. وهناك جهود مباركة لوضع إطار عمل للشركات التي تتبع الأسلوب الشرعي في التأمين المسمى التأمين التكافلي أو التعاوني على الوجه الحقيقي له. ومن أهم معالم ذلك أن تكون الاشتراكات تبرعات من عملاء الشركة، وأن تدير الشركة مال الاشتراكات (التبرعات) في صندوق مستقل عن رأس المال. ولها أن تأخذ أجرا على الإدارة، ونسبة من الربح، أو أحدهما. وهذا هو مجال ربحها الأساس. ألا تلتزم الشركة بالتعويض لحملة البوالص التزاماً ثابتا في ذمتها، بل تتعهد أن تقوم بالتعويض في حدود إمكانيات صندوق الاشتراكات. وهذا أهم معلم وفارق بين التأمين التجاري والتعاوني. أما مسألة رد فائض الاشتراكات، فمن المتفق عليه بين القائلين بجواز التأمين التعاوني، ومنع التأمين التجاري تحريم رد الفائض أو جزء منه للشركة البتة حتى لا يكون أكلا للمال بالباطل. أما رد الفائض أو جزء منه على المستأمنين (دافعي أقساط التأمين حملة البوالص)؛ فللمعاصرين وجهتا نظر فيه، الأحوط منهما والأقرب إلى عقود التبرعات ألا يعاد الفائض على المستأمنين وإنما يعاد في نفس الصندوق. الفصل بين الذمة المالية للشركة ممثلة برأس مالها، والذمة المالية للصندوق أو الصناديق التي تديرها لصالح حملة البوالص. للشركة أن تمول صندوق الاشتراكات عند العجز، أما إقراضها له ففيه إشكال عند البعض؛ لوجود شبهة المنفعة في القرض. ألا تتم إعادة التأمين مع شركة تأمين تجاري بعقد تجاري، وإنما مع شركة تأمين بعقد تكافلي تعاوني قدر المستطاع. النص في نظام الشركة على أن استثماراتها تكون في المجاز من الأدوات والعقود المالية، وأن يكون لها مستشار أو هيئة شرعية.