قبل الإعلان رسمياً عن اللقاء المقرر غداً في واشنطن بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، كان مسؤول لبناني لا يزال يأمل في إمكان إحياء العملية السلمية على نحو يأتي الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان في سياق التوصل الى تسوية شاملة... واللافت أن المسؤول اللبناني لم يقلل في حديثه ل"الحياة" من احتمال قيام الرئيس المصري حسني مبارك بدور على هذا الصعيد وبتأييد مباشر من الرئيس كلينتون معتبراً أن زيارة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى القاهرة تأتي في سياق إنقاذ العملية السلمية نافياً ما يقال إن الأبواب باتت موصدة أمام تحريك المفاوضات على المسار السوري وان حصول مثل هذا الأمر يعتبر بمثابة معجزة اللحظة الأخيرة... وإلى حين معرفة النتائج التي سيسفر عنها اجتماع كلينتون - باراك، أكد المسؤول اللبناني على ضرورة مواصلة التنسيق بين بيروتودمشق لمواجهة الاحتمالات كافة، وقال إن المشاورات اللبنانية - السورية مستمرة سواء من خلال الاتصالات التي يتولاها رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود مع نظيره السوري الرئيس حافظ الأسد، أو عبر المشاورات الجارية بين الحص والشرع... ولم يقلل المسؤول اللبناني من أهمية بلورة موقف لبناني موحد انطلاقاً من المذكرة التي بعث بها لحود الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، مؤكداً أنها جاءت تعبيراً عن قناعاته إضافة الى التساؤلات المشروعة التي طرحها والتي يدافع عنها أمام المجتمع الدولي، لاسيما بالنسبة لإيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتبار أن قضيتهم تشكل لب أزمة الشرق الأوسط. ورأى أن لا غبار على الخلفية السياسية المترتبة على مذكرة لحود الى أنان وقال إن رئيس الجمهورية أراد أن "يكبر الحجر" بهدف إعادة تحريك المجتمع الدولي مذكراً إياه بإيجاد حل لمشكلة اللاجئين لئلا يدفع لبنان ثمن مشكلة تتحمل إسرائيل تبعتها ويطلب منها ألا تدير ظهرها لها وكأن انسحابها تحت ضغط ضربات المقاومة يعتبر من وجهة نظرها نهاية المطاف، واعتبر أن المذكرة حققت أهدافها بدفع أنان الى التريث في وقت أحدثت رد فعل إيجابي لدى أطراف عدة أظهروا تفهمهم لخلفية الموقف اللبناني... وأضاف: إن البعض وإن كانت لديه ملاحظات على الأسلوب الذي اتبعه لحود في تسطير مذكرته فإن الجميع لا يتنكر لمشروعية المخاوف والتساؤلات التي يطلب لبنان الإجابة عليها، مشيراً الى أن تسليط الأضواء على مشكلة اللاجئين أمر ضروري وواجب وطني وقومي ولا يجوز الخوض في الأسلوب كتبرير للهروب إلى الأمام بدلاً من مواجهة ما تضمنته المذكرة، أو محاولات الالتفاف عليها بذريعة أن إثارة قضية اللاجئين يمكن أن تعيدنا الى الوراء أي إلى الواقع الفلسطيني الذي كان عليه قبل قيام الدولة اللبنانية من جديد... فالعودة الى الماضي أمر مرفوض... وعَكَس المسؤول اللبناني ارتياح دمشق لموقف لحود والحكومة اللبنانية خصوصاً وأنها تتعاطى معه كموقف متقدم يضغط في اتجاه إشعار المجتمع الدولي بمسؤوليته حيال اللاجئين من أجل تحريك الأطراف المعنية وفي مقدمها الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا. وفي هذا الصدد، نقل عن الرئيس الحص قوله أمام زواره، إنه كان صريحاً في مخاطبته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المنسق الخاص لعملية السلام تيري رود لارسن عندما استقبله الخميس الماضي... إذ لفت نظره الى أن لبنان يرفض تحميله أي رد انتقامي إسرائيلي حيال أي حادث يحصل على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان الى الحدود المعترف بها دولياً. وأكد الحص أن أي انتقام إسرائيلي كرد على أي حادث أمني، هو أمر مرفوض ويتنافى كلياً مع الأصول المعمول بها بين الدول حيال أي إشكال حدودي، إذ لا يجوز القفز فوق المرجعيات الدولية للنظر في أسباب الإشكال... كما أبلغ الحص، لارسن بأن النص الحرفي للقرار 425 لا يجيز لإسرائيل تحت أي اعتبار الانتقام من لبنان بتوجيه ضربات الى عمق الأراضي اللبنانية، مؤكداً له أن النص واضح على هذا الصعيد ولا يعطي إسرائيل أي حق في الرد... وأشار الحص في حديثه مع لارسن الى أن الاستقرار الشامل لا يتحقق إلا في الوصول الى تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط، وأن الأمن لا يتجزأ ما دامت تل أبيب ترفض مبدأ التسوية الشاملة. وبكلام آخر، أكد الحص لمساعد أنان، أن لبنان وإن كان لا يرفض انسحاباً إسرائيلياً تنفيذاً للقرار 425 فإنه في المقابل غير مستعد تحت أي اعتبار توفير الضمانات الأمنية لإسرائيل، فالضمانات لا تتأمن إلا في إطار التسوية الشاملة التي لا تزال غير قائمة بسبب استمرار التعنت الإسرائيلي... وسأل الحص: إن لبنان يطالب على الدوام بتنفيذ القرار 425 في وقت كانت الإدارة الأميركية تتجنب الحديث عنه، وتعتبر أن انعقاد مؤتمر السلام في مدريد في عام 1991 يشكل المدخل للوصول الى الحل الشامل على المسارات كافة، مضيفاً أن إسرائيل أيضاً تجاهلت لأكثر من 20 عاماً القرار المذكور... حتى أن الرئيس الحص تساءل أمام الزوار عن الأسباب الكامنة وراء الصحوة الأميركية - الإسرائيلية في استحضار القرار 425؟ وقال في السابق تحدثت إسرائيل عن انسحاب آحادي من جنوبلبنان لكنها سرعان ما تراجعت عنه لوجود صعوبة في تسويقه لدى الرأي العام الإسرائيلي الذي يعتبر أن تطبيقه يشكل هزيمة لها، بفعل ضربات المقاومة التي لحقت بها، إضافة الى أنها ترفض أن يسجل عليها سابقة بأن تنسحب للمرة الأولى من أراض عربية تحت ضغط المقاومة. وأضاف: بعد أن تخلت إسرائيل عن الانسحاب الآحادي، لجأت الى تسويق لانسحابها في إطار التوصل الى اتفاق في إطار التسوية الشاملة، إلا أنها تتحمل الآن مسؤولية إعاقة الوصول إليها، فما كان منها إلا أن حاولت الضغط لجر لبنان الى اتفاق منفرد، وهذا ما رفضناه، باعتبار أنه يحفظ لباراك ماء الوجه... وتابع: وفي النهاية لم يكن أمامها سوى التوجه الى الأممالمتحدة باعتبار أن تنفيذ القرار 425 يشكل خشبة الخلاص لها، ويخفف من إحراجها أمام الرأي العام على رغم أنها كانت ترفض تطبيقه منذ صدوره عن مجلس الأمن الدولي في عام 1978، مؤكداً أن انسحابها على هذا الأساس لا يأتي عن قناعتها بضرورة تطبيق القرارات الدولية وإنما للخروج من المأزق بسبب رفضها الحل الشامل... ونفى الحص رداً على سؤال إذا كان لارسن طرح معه إدخال تعديل على القرار 425 وقال إنه أبلغه أن الانسحاب سيتم تنفيذاً له، وان إسرائيل - بحسب ما أكده له - لن تبقي على شبر من الأراضي اللبنانية. وأوضح الحص أنه كان سمع كلاماً مماثلاً من السفير الأميركي لدى لبنان ديفيد ساترفيلد، في شأن الانسحاب مؤكداً له أنها ستخرج بالكامل من لبنان لئلا تعطي ذريعة لحزب الله لمواصلة مقاومته. وسئل عن اتصالاته التي تكاد تكون شبه يومية مع الشرع، فأجاب أنها تصب في خانة التنسيق الدائم. من جهة ثانية، قال مصدر سياسي ل"الحياة" إن لارسن سمع الكلام نفسه من خلال لقاءاته بالرؤساء الثلاثة ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مؤكداً أن الجميع حرصوا أثناء استقبال الموفد الدولي على عدم إشعاره بوجود تعارض في وجهات النظر بين كبار المسؤولين اللبنانيين. وعزا السبب الى أن مخاطبة الأممالمتحدة بموقف موحد يأتي تأكيداً لقناعة الجميع أن الموالاة والمعارضة تبقى في صف واحد حيال الملف الخارجي بصرف النظر عن التباين الحاصل في شأن القضايا الداخلية.