} اعتبر وزير الاشغال والنقل اللبناني نجيب ميقاتي، في حديث الى "الحياة"، ان "مظاهر التضامن العربي مع لبنان عبر كل الزيارات التي شهدها ومؤتمر وزراء الخارجية العرب المقبل في بيروت هي من الخطوات الوقائية". ورأى ان "عودة العرب هذه الى لبنان لا تعني ان المواقف العربية ستعدل من موقف الولاياتالمتحدة الاميركية المنحاز الى اسرائيل في عملية السلام". لكنه لاحظ انها "المرة الاولى يصبح موقف لبنان وسورية من أزمة الشرق الاوسط هو موقف العرب الذي حقق نقلة نوعية حيال المقاومة الوطنية للاحتلال الاسرائيلي". سألت "الحياة" الوزير ميقاتي: هل تكفي مظاهر التضامن العربي مع لبنان لحمايته من العدوان الاسرائيلي، أم أن المخاطر ما زالت كبيرة؟ أجاب "ان التطورات التي تلت العدوان الاخير على محطات توليد الطاقة الكهربائية، والتهديدات الاسرائيلية بتدمير لبنان وحرقه وقتل أطفاله، أوجدت حال استنهاض عربية مختلفة عن السابق، فكانت مواقف وزيارات وتحرّكات رسمية وشعبية شكلت عودة العرب الى لبنان، بعدما كان التضامن العربي يقتصر على مواقف إعلامية وبيانات جافة". واضاف "ان العرب أدركوا ان اشتعال الجبهة اللبنانية سيعيد خلط الاوراق، ويقود المنطقة الى حال ارباك ستكون لها انعكاساتها على دول عربية عدة، ومما زاد القلق ان التطورات تسارعت في ظل جمود العملية السلمية بعد توقف المفاوضات السورية - الاسرائيلية وتمسك الجانب السوري بالمطالبة بموقف اسرائيلي واضح مما سمي "وديعة رابين"، أي "التزام اسرائيل الانسحاب حتى حدود حزيران يونيو 1967. ولم تنفع المحاولات الاميركية في تحريك هذا الجمود فدخلت المفاوضات في شبه حلقة مفرغة، فضلاً عن ان الولاياتالمتحدة ستدخل بعد حزيران المقبل في الحال الانتخابية الرئاسية لتولي الشأن الداخلي اهتماماً أكثر، ما يعني تراجع الاهتمام بتطورات أزمة الشرق الاوسط، واستطراداً تجميد عملية التفاوض الى ما بعد الانتخابات الرئاسية". وتابع الوزير ميقاتي "لذا كان لا بد من تحرّك سريع لتطويق المضاعفات الناجمة عن التهديدات الاسرائيلية، ولتجميد الوضع الميداني في الجنوب وتخفيف حدة التوتر لمصلحة التهدئة خصوصاً مع الحديث عن تطبيق القرار الاسرائيلي الانسحاب من الجنوب، ولمحاولة تحريك الجمود الحاصل على المسار السوري - الاسرائيلي، توطئة للبدء بالمفاوضات على المسار اللبناني وانعاش المسار الفلسطيني". اذاً، قال الوزير ميقاتي "كان هدا التحرك العربي التضامني مع لبنان وسورية على حدّ سواء لمنع ظهورهما مستفردين حيال المناورات والضغوط الاسرائيلية، وترجم ذلك خطوات عملية، خصوصاً من جانب الدول التي تربطها بالولاياتالمتحدة علاقة مميزة مثل مصر والسعودية، فكانت الزيارات الميدانية للبنان وسورية ثم قرار عقد الدورة العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب في لبنان، في خطوة تحمل رسائل عدة الى أكثر من طرف، وخصوصاً الولاياتالمتحدة التي يريد العرب منها موقفاً أكثر فاعلية للجم التصعيد الاسرائيلي المتعدد الوجوه". وأشار الى "سعي العرب الى موقف أوروبي يدعم توجههم، لايجاد حال من التوازن، ولو الجزئي، مع الموقف الاميركي. من هنا كان الغضب على موقف رئيس وزراء فرنسا ليونيل جوسبان الذي أسقط من يد العرب ورقة كانوا يأملون بأن تفيدهم في المدى المنظور". ولكن هل يكفي ذلك لتوفير الحماية للبنان؟ أجاب الوزير ميقاتي "ان كل المواقف والمبادرات العربية ذات الطابع الديبلوماسي يمكن اعتبارها من الخطوات الوقائية التي يعني اتخاذها أن ثمة حالاً عربية جديدة حيال الوضع في لبنان. صحيح ان النيات الاسرائيلية المبيتة ضد لبنان لم تعد خافية على أحد، ولكن في المقابل لا يجوز الاستخفاف برد الفعل العربي وتأثيره، خصوصاً في الولاياتالمتحدة التي لا يمكنها ايضاً تجاهل مصالحها في المنطقة العربية وعلاقاتها ودورها - وكلها حصلت على حساب الحضور والمصالح الاوروبية - وتستمر في سياستها المنحازة الى اسرائيل في شكل سافر". لكنه اعتبر "ان هذا لا يعني ان التحركات العربية ستبدل من موقف الولاياتالمتحدة بنسبة كبيرة، بل ستجعلها عملياً مسؤولة حيال حلفائها العرب في الحفاظ على الاستقرار والأمن والهدوء على الجبهة اللبنانية التي يهدد اشتعالها بنتائج غير محمودة العواقب، وهذا ما ألمح اليه ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز في بيروت، وقبل ذلك في دمشق والقاهرة". واستنتج "ان التحرك العربي يمكن ان يؤسس لموقف عربي يؤمن للبنان جداراً واقياً في مواجهة اي ضربة اسرائيلية كالتي يروج لها قادة العدو، وبالتالي حماية ديبلوماسية واسعة النطاق هذه المرة، وليس كما كان يحصل في الماضي"، مشيراً الى "ان زيارات الرئيس المصري حسني مبارك وولي العهد السعودي ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح لبيروت، والمواقف التضامنية العربية والأوروبية شكّلت كلها حالاً جديدة يصعب تجاهل انعكاساتها الايجابية على الموقف اللبناني، خصوصاً ان المسؤولين اللبنانيين شعروا للمرة الاولى ربما ان موقف لبنان وسورية حيال تداعيات أزمة الشرق الاوسط والمفاوضات مع اسرائيل، هو موقف العرب. وهذا برز في وضوح بعدما كان في السابق موقفاً خجولاً نسبياً". وقال "ان الموقف العربي من المقاومة الوطنية للاحتلال الاسرائيلي شكّل هذه المرة نقلة نوعية برزت خصوصاً في مواقف الرئيس مبارك وولي العهد السعودي، الأمر الذي أحرج اسرائيل وأغضبها ربما، ولا بد من ان يترك ايضاً صداه في الجانب الاميركي وبعض الاوروبيين، ما سيدفعهم الى اعتماد قراءة جديدة للنظرة العربية إلى موضوع المقاومة، مع ما يشكله ذلك من بعد آخر في العلاقات مع ايران". ورأى ان "من غير الجائز، بعد كل هذه التطورات، تجاهل صلابة الموقف اللبناني وصمود اللبنانيين ومقاومتهم الاحتلال الاسرائيلي، وتمسكهم بوحدة المسارين اللبناني والسوري- وهو أمر راهن البعض عليه، لكنهم أخطأوا في الحساب- وتصميمهم على مواجهة سياسة التدمير الاسرائيلية باعادة بناء كل ما يتهدم، سواء أتت مساعدات عربية أم لم تأتِ، ما أشعر الدول العربية ودولاً أخرى ان القرار اللبناني في هذا الموضوع، ثابت وصلب، فكانت المبادرات في المساعدت وتقديم الدعم المادي والعيني". لكنه لفت الى ان "الحماية الفعلية للبنان لن تتوافر إلا من خلال السلام العادل والشامل والدائم الذي يدعمه لبنان ويعمل على تحقيقه ويلتزمه، من هنا فان خيار لبنان كان وسيبقى السلام المشرّف، سلام الشجعان، ولن ينجر الى سلام مجتزأ هو في نظرنا استسلام". وعبر الوزير ميقاتي عن ارتياحه الى الموقف العربي "الواسع والمجمع على دعم لبنان والمساهمة في حمايته"، ملاحظاً "ان تهديدات اسرائيل استنفرت كل العرب لمصلحة لبنان، وخسر ايهود باراك رهانه على تفكك الموقف اللبناني الداخلي، وهذه نقاط ايجابية لا بد من تعزيزها وتطويرها وتفعيلها". وعن الاقتراحات التي سيطرحها لبنان على مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بيروت نهاية الاسبوع، قال الوزير ميقاتي "ان الوضع في لبنان سيحتل الحيز الأكبر من أعمال المؤتمر، وقد أعدت الحكومة اللبنانية ورقة عمل تركز: على ادانة الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة والتهديدات التي تلتها والتي تتعارض مع القوانين والاعراف الدولية خصوصاً عدم استخدام القوة العسكرية والتعرّض للمدنيين، وعلى التمسّك بعملية التسوية وفقاً للمبادىء والأسس التي انطلقت منها في مدريد مع التشديد على ضرورة استئناف مفاوضات السلام العادل والشامل، وعلى تحصين كل المسارات التفاوضية مع اسرائيل بما فيه التلازم اللبناني - السوري، على ان القاعدة الاولى للسلام يكمن في انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية المحتلة في جنوبلبنان وبقاعه الغربي حتى حدوده المعترف بها دولياً، ومن الجولان حتى حدود 4 حزيران 1967، ومن الاراضي الفلسطينية، وتأكيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعلى تأكيد حق المقاومة اللبنانية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي حتى التحرير، على أنها نتيجة للاحتلال لا سبب له، وعلى تحميل اسرائيل مسؤولية خرق تفاهم نيسان ابريل نتيجة الاعتداءات الاخيرة، ودعوتها الى عدم تجاهل هذا التفاهم لأنه لن يؤدي الى تغيير المعادلة الحالية بين المقاومة والاحتلال، بل من شأنه ان يسبب تصعيداً غير محدد النتائج. وإلى كل ذلك توجيه تحية إلى صمود الشعب اللبناني ومقاومته للاحتلال، ودعوة الدول العربية الى توفير الدعم اللازم لتعزيزه . ولا بد للبنان من ان يشكر للدول العربية مواقفها المتضامنة والمساعدات التي قدمتها القادرة منها، من دون ان يعني ذلك "عتاباً" أو "أسفاً" للتقصير العربي في الوفاء بالالتزامات المادية، لأن لبنان يدرك الظروف التي مرت بها الدول العربية القادرة خصوصاً بعد حرب الخليج والغزو العراقي للكويت وتراجع الوضع الاقتصادي في عدد منها". وأمل الوزير ميقاتي بأن ينتهي المؤتمر الوزاري العربي الى "قرار بالاتفاق على دعوة الى قمة عربية، تكون ذات أهداف ورؤية واضحة قبل انعقادها". وسئل كيف يمكن الحكم الافادة من الدعم العربي لمزيد من التماسك في الوضع الداخلي؟ أجاب "اني أرى الأمر معاكساً، فلم يكن ممكناً ان يحصل هذا الدعم لو لم يكن هناك تماسك داخلي، هو رأسمالنا الحقيقي الذي نراهن عليه، ونثمره لكي نحصل على العطف والالتفاتات والمساعدات". وعن الخلافات اللبنانية - اللبنانية، قال انها "قائمة منذ زمن، لكنها ليست جوهرية ولا تطاول الموقف من الصرع العربي- الإسرائيلي". ونفى نيته الترشح الى الانتخابات النيابية المقبلة.