في مثل هذا الشهر من العام الماضي انصب اهتمام العالم على ما يمكن أن يحدث في البلقان، وتحديداً في يوغوسلافيا السابقة بسبب ما كان يجري في كوسوفو، اذ كانت كل الاحتمالات. واردة لذلك كانت التوقعات محفوفة بالمخاطر وتمحورت على ثلاثة. التنازل في اللحظة الاخيرة، التواطؤ في ظل التصعيد، والاستقلال. وبعد بدء القصف الجوي انفتحت كل السيناريوهات على بعضها نظراً للتطورات التي فاقت التوقعات لجوء حوالى مليون ألباني الى البلاد المجاورة، استمرار القصف الجوي عدة أسابيع من دون نتيجة واضحة، والتهديد بالتدخل البري من حين الى آخر، والتخوف من تحول قضية الألبان في كوسوفو الى قضية لاجئين اخرى الخ. وفي نهاية الأمر جاء قرار مجلس الامن 1244 في 10 حزيران يونيو 1999 ليؤسّس سيناريو جديد لم ينته بعد. ان ما تحقّق في هذا الاتجاه خلال الشهور الماضية كثير، ولا يقارن بما تحقق ويتحقق للسلطة الفلسطينية على الارض. وعرف الاميركيون كيف ينصحون ويقنعون القيادة الألبانية المندفعة الى الاستقلال الفوري عن يوغوسلافيا، كيف يبنون الاستقلال على الارض ويعلنون عنه لاحقاً وليس العكس كما حصل مع الفلسطينيين. وهكذا أخذ القادة الألبان بالنصيحة الأميركية وأخذوا يتحدثون قليلاً عن الاستقلال ويعملون أكثر من اجله على الارض. وفي هذا الإطار يجدر الاستشهاد بما صرح به الناطق باسم الخارجية الأميركية جيمس روبن خلال زيارته الى بريشتينا، مع اقتراب الذكرى الأولى لانطلاق التدخل الدولي، انه من الأفضل تأجيل الحديث الآن عن الاستقلال و"الوضع النهائي" لكوسوفو الى أن تنضج الظروف. ولنلق نظرة الآن على ما تحقق خلال شهور، تبدو للبعض بمثابة عقود، من تغيرات ومظاهر استقلال: 1- كوسوفو / صربيا على رغم ادعاءات ميلوشيفيتش خلال صعوده الى السلطة بأن "كوسوفو هي قلب صربيا" وقيامه في 1989 بالغاء الحكم الذاتي وضمّ الاقليم الى صربيا وتحويله الى مجرد محافظة، ومن تصريحات المسؤولين الصرب خلال التدخل الدولي بأن "كوسوفو هي اورشليم الصرب" وغير ذلك، يمكن القول ان تبعية كوسوفو لصربيا انتهت، وما بقي مطروحاً الآن مدى علاقة كوسوفو بيوغسلافيا. ومن كان يعرف كوسوفو ويتجول في العاصمة بريشتينا وينزل في فندق "غراند" قبل آذار مارس 1999 كان يلمس حجم الحضور الصربي الموجود بقوة بينما من ينزله الآن في الفندق نفسه ويتجول في العاصمة يرى حجم الانقلاب في الموقف. فلم يعد المرء يرى باستثناء ما له علاقة بالوجود الدولي سوى الألبان في المناسبات المتواصلة ولا يسمع سوى اللغة الألبانية في الشوارع ولا يرى سوى الاحلام الالبانية على المباني... وفي المقابل لم يعد هناك ما يذكّر بصربيا سوى بعض الاعلام والاصوات الغاضبة في بعض الجيوب الجزء الشمالي من متروفيتسا وغرايتشانيتسا وغيرها التي ستنصهر مع الزمن في الوضع النهائي لكوسوفو الذي يبدو في الافق.. ومن الضروري هنا الاشارة الى أن قرار مجلس الامن 1244 لا يذكر على الاطلاق سوى يوغوسلافيا بالاسم، أي ان ترتيب للوضع المقبل لكوسوفو يمكن ان يكون فقط في أطار يوغوسلافيا وليس في إطار صربيا. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التغيرات التي حصلت وتحصل على الارض يصعب بل يستحيل تصور اية عودة لسلطة صربيا الى كوسوفو. ولذلك كان قائد قوات الاطلسي في اوروبا الجنرال وستكلارك شديد الوضوح، بل أنه خرج عن السياق الرسمي للمرة الأولى، حين صرّح في زيارته الأخيرة الى بريشتينا في 18/3/99، ابن قوات الكفور KFOR "لن تسمح أبداً بعودة القوات الصربية الى كوسوفو". شدّد هنا على كلمة "أبداً" بكل ما تعنيه من ترتيب للوضع المستقبلي بين كوسوفو وصربيا. 2- الأكثرية / الأقلية كان الألبان يتصرفون باعتبارهم الغالبية في كوسوفو، التي كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلال بحسب دستور 1974. وبعد إلغاء الحكم الذاتي في 1989 أصبحوا يعاملون ضمن جمهورية صربيا بينما أصبحت الأقلية الصربية في كوسوفو تتصرف في اعتبارها تمثل الغالبية الصربية على مستوى الجمهورية وبعد مضي عام يبدو الوضع الآن معكوساً. حين عاد مئات الالوف من الألبان من الذين هجّروا كما سيعود حتى نهاية الصيف المقبل مئات الألوف من الألبان من بلدان اوروبا الغربية، حين تجمعوا هناك منذ إلغاء الحكم الذاتي. وفي اعتبار انه لم تعد هناك سلطة صربية تهددهم، فلم تعد حكومات اوروبا الغربية ترى مبرراً لوجودهم، وهي بهذا تريد التخلص منهم. وفي المقابل هاجر حوالى 200 ألف صربي من كوسوفو الى صربيا نتيجة لتخوفهم من انتقام الألبان او لعدم قدرتهم في العيش تحت سلطة الغالبية الألبانية. والأكثر من هذا ان انفجار مشاعر الانتقام ضد الصرب شمل عشرات الألوف من الفجر والبشناق أيضاً... وهكذا ترسّخ واقع اثني جديد لمصلحة الألبان تجاوز ما كانت تعرفه المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت معظم كوسوفو جزءاً من ألبانيا. ويلاحظ الآن ان الادارة الدولية الموقتة تراعي في قراراتها مسألة الأكثرية والأقلية وتدعو الألبان من حين الى آخر الى احترام حقوق الأقلية. 3- التقسيم/التوحيد. كان التقسيم احد الخيارات التي طرحت مع دخول القوات الدولية الى كوسوفو، وخصوصاً مع تسلل القوات الروسية بشكل مفاجئ الى الاقليم واستقبالها الحافل من قبل الصرب في شوارع بريشتينا، وتقسيم الاقليم الى مناطق عدة. ولكن بعد التفاهم الروسي/الغربي الذي يعتقد البعض انه في إطار صفقة تشمل الشيشان وللتغيرات التي حصلت على الارض لم يعد الحديث عن التقسيم وارداً. وربما جاءت احداث متروفيسا الأخيرة لتؤكد على ذلك أكثر. وكان هدف بلغراد من ذلك استحالة التعايش مع الألبان، ولذلك لا بد من التقسيم والحصول على كانتون تكون متروفيسا الشمالية عاصمة له. ويشمل الجزء المجاور لصربيا الغني جداً بالثروات الطبيعية، وهو ما كانت بلغراد تفضله حتى قبل التدخل الدولي في آذار 1999. اما الآن، وبعد اتهام الحلف الاطلسي لميلوشيفيتش بافتعال تفجير الوضع، فإن تصريحات قادة الحلف جورج روبرتسون ووست كلارك في 18/2/99 اكدت اكثر من اي وقت مضى على رفض تقسيم متروفيسا/كوسوفو. 4- صحيح ان "جيش تحرير كوسوفو" لم يكن يشكل تهديداً عسكرياً لصربيا خلال 1998 - 1999 الا انه مع التدخل الدولي نمى أكثر كقوة عسكرية/سياسية واصبح الآن يشكل على الأرض الاساس لأي مستقبل لكوسوفو. واشادت قيادة الاطلسي بما قام به "جيش التحرير" وخصوصاً التزامه نزع الصفة العسكرية عنه والتحول الى "فيلق حماية كوسوفو". ولكن من يشاهد حضور هذا الفيلق في الحياة العامة واليومية في كوسوفو يدرك بسرعة انه جيش المستقبل بالنسبة لكوسوفو. ومن ناحية أخرى بادرت الادارة الدولية الى تشكيل قوة شرطة كوسوفية، وهي بحسب معايير الغالبية الاقليمية تتكون من غالبية البانية وتدرّب الآن باستمرار لتسلم مهمات الأمن في كوسوفو عوضاً عن قوات الشرطة الصربية التي كانت في الاقليم. 5- العلم/الخريطة في شارات جيش التحرير فيلق حماية كوسوفو وغيرها من التشكيلات والمؤسسات الجديدة يبرز الآن العلم الألباني وخريطة كوسوفو في معزل عن محيطها البلقاني مع ألبانيا أو يوغوسلافيا. وفي الحقيقة ان رفع العلم الألباني ليس جديداً في كوسوفو، إذ خاض به الالبان المعارك في الحرب العالمية الثانية، حين وعدوا بحق تقرير المصير بين ألبانيا ويوغسلافيا بعد انتهاء الحرب، وبقي مرفوعاً عدة سنوات ثم "اختفى" بعد ان ساءت العلاقات بين يوغسلافيا وألبانيا في 1948، وانكمشت حقوق الألبان نتيجة لسياسة "القبضة القوية". وبعد التخلص من رأس "القبضة القوية" ألكسندر رانكوفيتش في 1966 ومنح الألبان بعض حقوقهم الموعودة عاد العلم الألباني يرفرف من جديد في كوسوفو. ولكن في تلك السنوات كان هذا العلم يرفرف بحسب الاعراف الرسمية مع العلمين الصربي واليوغسلافي للدلالة على التعايش الموجود/المفروض. وخلال نحو ربع قرن 1966 - 1999 لم يكن أحد يعترض على هذا العلم الرسمي او يقول عنه انه "علم البانيا" او علم "دولة اجنبية" كما يقال الآن". 6- التلفزيون/الصحافة كان من أهم مصادر سلطة ميلوشيفيتش فرض السيطرة الصربية على وسائل الإعلام ولذلك أدى إلغاء الحكم الذاتي في 1989 الى تجميد العاملين في أهم المؤسسات الاعلامية التي كانت للألبان تلفزيون بريشتينا وصحيفة ريلنديا وغيرهما. أما بعد خروج صربيا من كوسوفو في حزيران سنة 1999 بدأت طفرة اعلامية لا مثيل لها بالنسبة للألبان. فقد انطلق الآن تلفزيون كوسوفو RTK وليس تلفزيون بريشتينا، كما كان يسمى يغطي ارجاء كوسوفو وحتى العالم من خلال البث الفضائي. والجديد الآن ان على البرامج في اللغة الألبانية ولايترك في النهاية سوى 5-6 دقائق وحيز اخباري في اللغة الصربية - للأقلية الصربية اما على صعيد الصحافة انطلقت من جديد صحيفة، "ريلنديا" الألبانية وهي الصحيفة اليومية الوحيدة حتى 1989، واصبحت تنافسها الآن عدة صحف يومية أخرى كوها ديتورة، كوسوفا سوت، زيري وغيرها الى المجلات الاسبوعية والشهرية المتخصصة للاطفال والشباب والمرأة الخ بل أصبحت الصحافة الألبانية في بريشتينا تنافس ما يصدر في تيرانا، وتتميز بمهنية عالية وتعددية ملحوظة ضمن المظلة الألبانية. 7- الاتصال/الطيران كان من أهم مظاهر التنافس بين القوات الروسية وقوات الاطلسي من يصل اولاً الى مطار بريشتينا. وعلى رغم سبق القوات الروسية الا ان الاتفاق اللاحق ضمن سيطرة الاطلسي على هذا المطار الذي كان يقتصر استخدامه بداية لأغراض عسكرية. وحين طرح لاحقاً موضوع تشغيل المطار للرحلات المدنية احتجت بلغراد وحاولت المستحيل لكي تكون هذه الصلاحية خاضعة للرقابة اليوغوسلافية، اي مثلها مثل الرحلات الأخرى مع اي مطار يوغوسلافي آخر. ولكن محاولات بلغراد فشلت وتم تشغيل مطار بريشتينا برحلات مباشرة من تيرانا اولاً ثم من بقية المدن الأوروبية روماوزيوريخ وغيرها. وفي هذا الوضع لا يشعر الركاب الألبان وغيرهم الذين يسافرون من تيرانا او زيوريخ الى بريشتينا انهم يسافرون الى يوغوسلافيا، بل الى كوسوفو فقط، ويعودون من دون المرور في يوغوسلافيا والاهم من هذا ان الادارة الدولية تقوم الآن بانشاء مطار آخر قرب جاكوفا/جاكوفيتسا، وينتظر ان يُفتح للرحلات المدنية في نهاية الصيف المقبل. 8- الاحصاء/وثائق السفر مع الذكرى الأولى لبدء التدخل الدولي تنطلق حملة لأهم احصاء يجري في كوسوفو. فالألبان، بعد الغاء الحكم الذاتي في 1989، قاطعوا إحصاء 1991، لذلك بقي الاحصاء الاخير 1981 الوحيد الذي يُعتدّ به على رغم ان الزمن تجاوز. بسبب التغيرات الاثنية والضغوط السياسية التي دفعت بمئات الالوف من سكان الاقليم الى الهجرة وطلب اللجوء السياسي في اوروبا الغربية. وكانت بلغراد تقلّل دائماً من نسبة الألبان وتضخم من نسبة الآخرين الصرب والغجر والبشناق والأتراك وغيرهم لتبرير سياستها في تحجيم مشاركة الألبان في السلطة، بينما كان الألبان يعتبرون انفسهم الغالبية الساحقة ويتهمون بلغراد بتزوير الاحصاء الأخير 1991 الذي تعتدّ به. ومن هنا فإن هذا الاحصاء الذي يجري الآن تحت اشراف الادارة الدولية يكتسب اهمية كبيرة لانه يتم وفق المعايير التي أعلن عنها لانجاز عمل طال انتظاره، الا وهو تحديد سكان الاقليم بعد عقود من الاضطرابات والهجرات القسرية. ونظراً لانفتاح هذه المعايير على كل من ولد في كوسوفو، أو ينتمي لأب كوسوفي ، فانه من المتوقع ان يثبت وجود الأغلبية/الأقلية، ويفسح في المجال لاجراء الانتخابات المقبلة حتى نهاية العام الجاري، التي ستساعد على حسم مستقبل كوسوفو. وفي ما يتعلق بالاحصاء الحالي فان اهم ما فيه الآن انه يترافق مع توزيع وثائق السفر. فمع خروج مئات الالوف قبل وخلال التدخل الدولي، وسحب كل يثبت هويتهم، ورجوعهم بعد ذلك بأعداد غفيرة كانت المشكلة الأساسية تكمن في تحديد هوية السكان وإصدار وثائق جديدة لهم. وهكذا أعدت الادارة الدولية وثائق سفر لا تحمل اسم يوغوسلافيا بل كوسوفو فقط وتسمح لحاملها بالسفر في اوروبا الآن دول العالم لاحقاً بعد الاتفاق على ترتيبات معنية مع تلك الدول. 9-العملة/الطوابع كان من أوائل القرارات المهمة للادارة الدولية هو اعتماد المارك الألماني كعملة رسمية في كوسوفو على رغم احتجاج بلغراد. وفي الحقيقة كان للمارك الألماني وجود قوي حتى في يوغوسلافيا التيتوية نظراً لوجود مئات الالوف من الألبان في ألمانيا، الذين كانوا يعملون هناك ويعودون بمدخراتهم بالمارك الألماني. ومن ناحية أخرى كان التضخم الذي يميز الاقتصاد اليوغسلافي ويجعل الدينار ينكمش باستمرار حتى أصبحت الرواتب بالملايين يشجع في حد ذاته على التوفير بالمارك الألماني. وبعد خروج صربيا من كوسوفو في حزيران الماضي زاد الألبان من تعاملهم بالمارك بدافع آخر سياسي، للتخلص من ذكريات صربيا، لذلك فان الادارة الدولية كانت بقرارها تقرّ ما يحدث على الأرض وتشرّعه. ومن مظاهر الاستغلال المرتبط بالعملة كان طرح أول مجموعة من الطوابع الكوسوفية في منتصف آذار الحالي في احتفال مهيب بهذه المناسبة، اذ شملت المجموعة الاولى خمسة طوابع مسعّرة بالمارك الألماني الذي غدا العملة الرسمية وكن لافتاً ان الطوابع الخمسة التي صمّمها الفنان الألباني المعروف شكري نعماني تحمل رموزاً لا تمت لصربيا بصلة بل تؤكد على الشخصية المتميّزة لكوسوفو. ففي أحد الطوابع تبرز خريطة كوسوفو فقط من دون اي تواصل مع ما يحيط بها، لا ألبانيا ولا يوغسلافيا بينما يبرز في طابع آخر نصب آلهة باليرية وفي طابع ثالث عملة داردانية. وكل هذا يصب في التأكيد على التاريخ الأليري/الدارداني السابق لقدوم السلاف/الصرب الى كوسوفو، الذي يؤكد عليه الألبان كثيراً باعتبارهم ينحدرون من الألير - الداردان. 10- كوسوفو/الجبل الأسود والمستقبل. كان لافتاً للنظر ان المعارضة التي تولت الحكم في الجبل الاسود بعد انتخابات 1997 كانت معارضة بقوة لسياسة ميلو شيفيتش القمعية في كوسوفو، واستمرت في معارضتها أكثر خلال تصعيد الوضع في 1998، ووصلت الى حد تحييد الجبل الاسود خلال التدخل الدولي ضد يوغوسلافيا على رغم ان يوغوسلافيا أصبحت تقتصر على صربيا والجبل الاسود فقط. وفي الواقع كان الموقف من كوسوفو أحد الأسباب للخلاف/الافتراق بين بلغراد وبوديوريتسا، وتحديداً لسعي الجبل الأسود نحو مزيد من الاستقلال عن صربيا. وعلى رغم ان تصريحات رئيس جمهورية الجبل الاسود ميلو جوكانوفيتش خلال التدخل الدولي وبعده كانت توحي باقتراب موعد الحسم، الا انه جرى بعد ذلك نوع من التعتيم على هذا الموضوع لانه اتضح ان استقلال الجبل الاسود في حينه يمكن ان يخل بالسيناريو القائم. ففي حال استقلال الجبل الاسود ستبقى يوغوسلافيا تقتصر على صربيا فقط، ولا بد ان تأخذ اسمها الحقيقي صربيا لان يوغوسلافيا تعني الدولة التي تجمع سلاف الجنوب/اليوغسلاف ولم يعد منهم سوى شعب واحد - الصرب، وهذا ما ينسف اي احتمال لاستمرار كوسوفو مع صربيا في إطار واحد لأن الألبان ليسوا اصلاً من السلاف ولا يربطهم بالصرب ما يربط الكروات والبشناق الذين لم يرغبوا في العيش مع الصرب في دولة واحدة. لذلك "هدأ" الحديث عن استقلال الجبل الأسود، ووجّه الاطلسي والاتحاد الاوروبي تهديدات لميلوشيفيتش في الشهر الماضي تمنعه من اي تدخل في الجبل الاسود وصرح الرئيس موكانوفيتش 2/2/2000 بعد هذا العام 2000 عام الحسم، اي بعد ان تجري الانتخابات في صربيا وكوسوفو التي من المفترض ان تفتح الطريق لبناء يوغسلافيا جديدة. فالاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بلسان وزيرة خارجيتها اولبرايت خلال زيارتها الأخيرة الى تيرانا ضد استقلال كوسوفو بالكامل لما يجرّ ذلك من إحياء مشاريع قديمة في البلقان ألبانيا الكبرى وصربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى. وعلى العكس من ذلك فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع مزيد من الاندماج في البلقان، ويمكن ان يساعد على ذلك إعادة قولبة يوغوسلافيا. فالتغييرات المذكورة التي جرت على الأرض في كوسوفو، وتصبّ كلها في تعزيز الاستقلال عن صربيا فقط، تجعل من المستحيل على الألبان ان يقبلوا بل ان يتصوروا اي وجود لصربيا في كوسوفو، ما يجعل الخيار الآخر الممكن هو يوغوسلافيا بحسب ما جاء في قرار مجلس الامن 1244. وبعبارة اخرى يمكن ان تكون كوسوفو على نمط جمهورية الصرب في البوسنة، أي ان نموذج البوسنة بحسب انفاق دايتون يمكن ان يتكرر في يوغوسلافيا الجديدة، التي يمكن ان تتكون من ثلاثة كيانات على درجة كبيرة من التمايز: صربيا والجبل الاسود وكوسوفو. وفي هذه الحال يكون وجود الجبل الاسود في أية يوغوسلافيا ضرورياً، لأنه لا يمكن لأية يوغوسلافيا ان تستمر من دون الجبل الاسود. وفي حال اصرار الجبل الاسود على الانسحاب لا يعد ليوغسلافيا من مبرر ان تقتصر على صربيا وكوسوفو، ويصبح الانفصال الاستقلال لا بد منه في هذه الحال. * مدير معهد بيت الحكمة جامعة آل البيت - الاردن.