الأهم في قمة كلينتون - الأسد، اليوم في جنيف، هو في نظرة كل من الرئيسين إلى عنصر الزمن وضغوطه عليهما. للرئيس الأميركي أسباب كثيرة لاقتراح الإسراع في انجاز المهمة، من رغبته في أن يقترن اسمه بتسوية أهم صراع شهده النصف الثاني من القرن العشرين، إلى تفانيه في صنع تسوية لمصلحة إسرائيل مهما تطلب ذلك من جهود والتزامات، وصولاً إلى مساعدة خلفه المفترض آل غور في الوصول إلى البيت الأبيض وتمكينه من الحصول على دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات. وللرئيس السوري أسبابه أيضاً، فهو أمام رئيس أميركي متعاون جداً وأمام فرصة تبدو متاحة للإقدام أخيراً على ما لا مفر منه من دون تنازلات جوهرية أو بحد أدنى منها، وهو كذلك أمام استحقاقات داخلية سياسية واقتصادية يريد ان يطلق الخيارات الجديدة فيها من دون أن تكون مرهونة بتقلبات التسوية. وبما أن الشريكين الآخرين متعجلان فلا بد أن ينعكس ذلك على رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو بدا أقل الثلاثة استعجالاً، إلا أن لديه مصلحة أيضاً في عدم تبديد الفرصة إذا كانت متاحة فعلاً. فكما يرفض الأميركيون والإسرائيليون ان يؤثر من يسمونهم المتطرفين العرب في مسار التسوية، ينبغي وضع حد أيضاً لفاعلية متطرفي إسرائيل وقدرتهم على تعطيل هذا المسار. من هنا أن تخويف الجانب العربي من "استفزاز" المتطرفين الإسرائيليين ودعوته لمكافحة "أعداء السلام" العرب وحدهم لا يبدو خيالياً وغير واقعي فحسب، وإنما يبدو خصوصاً من أدوات الاحتيال والمساومة. وبالتالي فإن المسار السوري أو سواه يمكن ان يتحرك ويثمر متى توفرت الإرادة السياسية لدى حكومة إسرائيل. الكل يتوقع ان تسفر قمة جنيف عن إعلان استئناف المفاوضات. والانطباع السائد ان الأمور هذه المرة زيدت انضاجاً عبر الاتصالات السرية، بمعنى ان العودة إلى التفاوض لا بد أن تعني التوصل إلى اتفاق خلال أسابيع. هذا على الأقل هو المنطق الذي ولّده النهج التفاوضي السوري، الذي ألحّ دائماً على اتفاق كامل يكون فيه انسحاب واضح من الجولان بالمفهومين السياسي واللوجيستي. وتوحي "وثيقة شيبردزتاون" بأن عناصر الاتفاق الكامل تأمنت بنسبة كبيرة، إلا أنها باتت مجرد مسودة وطرأت عليها تعديلات أساسية من خلال الاتصالات السرية. ويفترض ان تتوصل قمة جنيف إلى حل الاشكالات الأخيرة ليصبح الاتفاق أقرب ما يكون إلى الصيغة التي ترضي الطرفين. مع ذلك، لا يعني وضع الأفكار كلها على الطاولة، كما حصل في شيبردزتاون، أنها مقدمة مجاناً. وإنما تعني رغبة في عدم الإطالة، وبالأخص في عدم العودة إلى التفاوض على ما جرى حسمه سابقاً. ويعتقد كثيرون أن التعقيدات الرئيسية على المسار السوري الحدود، المياه، إعادة الانتشار، محطة الانذار، الجدول الزمني لم تعد مستعصية. فالطرفان يتعاملان مع متطلبات الاتفاق بقرارات ونيات غير معلنة، أي ان الإسرائيلي يفاوض لأنه حسم أمره ويريد أن ينسحب من الجولان لكنه لا يفصح عن ذلك للاستمرار في المساومة وسعياً إلى مكاسب، ومثله يفاوض السوري عازماً على تلبية كل ما تتطلبه تسوية تعيد إليه الجولان. يعرف الرئيس السوري ان عناصر الاتفاق أصبحت متوفرة، وبقي الأهم: الدور الاقليمي لسورية، والضمان الأميركي - الإسرائيلي للنظام السوري، بعد السلام. هذا ما يفترض ان يكون الرئيس الأميركي واضحاً فيه ومقنعاً بل فاعلاً، وإلا فإن الاتفاق المرتقب - حتى لو تضمن صيغة انسحاب وفقاً للشروط السورية - سيكون غير متوازن في نظر دمشق. يفترض ان تكون لدى كلينتون الرغبة السياسية في اعطاء الضمانات اللازمة، وإذا توفرت الرغبة فهل تتوفر القدرة؟