أعلنت إسرائيل أمس تأجيل المفاوضات مع سورية التي كان مقرراً استئنافها غداً الأربعاء. وكانت دمشق ألقت مساء أول من أمس الأحد ظلالاً من الشك على موعد معاودة التفاوض. ولم يحدد موعد جديد. وحاول الرئيس بيل كلينتون التخفيف من حدة الصدمة التي سببها إعلان إسرائيل تأجيل المفاوضات. وقال إن الجانبين لا يزالان راغبين في التوصل إلى اتفاق، معرباً عن الأمل "بأن يتمكن مع نهاية اليوم أمس من اتخاذ قرار يتعلق بموعد استئناف المفاوضات". وجاءت التطورات الأخيرة بعدما كشفت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت عن اتصال هاتفي طويل أجرته مع الوزير الشرع الأحد الماضي، وذكرت مصادر ديبلوماسية مطلعة في واشنطن ان الشرع أبلغها ان دمشق لا ترى فائدة في العودة إلى شيبردزتاون ما لم تحصل على ضمانات بأن قضية الحدود ستكون في مقدم المواضيع التي ستبحث. وقالت المصادر إن مضمون رسالة الشرع الهاتفية إلى الإدارة الأميركية هو ان سورية غير مستعدة للتفاوض غداً ما لم تتوضح قضية الانسحاب الإسرائيلي إلى خط الرابع من حزيران يونيو 1967، وان المطلوب من الجانب الإسرائيلي أن يحدد موقفه من الانسحاب لأن مرحلة ديبلوماسية اعتماد "سياسة الغموض البناء" قد وصلت إلى نهاية الطريق. والمعروف ان الجانبين الأميركي والسوري أبديا استياءهما الشديد من التسريبات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصاً تسريب ورقة العمل الأميركية. وقالت المصادر الديبلوماسية إن الجانب السوري يشعر بارتياح كونه رفع عن نفسه اللوم لجهة عرقلة مسيرة السلام، عندما كان واضحاً في عرض مواقفه المتعلقة بالتطبيع والترتيبات الأمنية، في حين بقي الجانب الإسرائيلي متمسكاً بموقفه السابق من موضوع الانسحاب، معتمداً الغموض ومتفادياً تقديم أي التزام بالانسحاب من الجولان. واعترف مسؤول في الإدارة ظهر أمس بأن إمكان استئناف جولة المفاوضات غداً لا تبدو جيدة. وعكس كلامه تصريحات أولبرايت في المكسيك خصوصاً اعترافها بأن المفاوضات "صعبة". راجع ص3 وقال الرئيس كلينتون خلال احتفال في ذكرى مولد الزعيم الأسود مارتن لوثر كينغ، إن إدارته تحاول معرفة أفضل السبل لتحقيق التقدم و"ان الخبر الجيد في هذا المجال هو انني مقتنع بأنهما الجانبان لا يزالان يريدان المضي في العملية، وان مواقفهما ليست بعيدة عن بعضها بعضاً". ولم يستبعد الناطق باسم مجلس الأمن القومي ديفيد ليفي ان يجري الرئيس كلينتون اتصالات هاتفية مع الطرفين، لكنه أشار إلى أنه حتى ظهر أمس لم يتصل كلينتون بأحد. والجدير بالذكر ان الإدارة لم تعلن، كما وعد الناطقون باسمها، مكان انعقاد الجولة الجديدة المعلقة حالياً، علماً ان الاتجاه كان إلى عقدها مرة أخرى في شيبردزتاون. الموقف السوري إلى ذلك، لخصت المصادر المطلعة الموقف السوري الحالي بالقول إن سورية قبلت في الماضي فكرة "الغموض البناء" في التعاطي مع قضية الانسحاب على أساس استئناف المفاوضات من حيث توقفت من دون توضيحات، وان المفاوضات بحثت في الجولة الأخيرة مختلف القضايا باستثناء الانسحاب من دون أي غموض، وان المطلوب التزام إسرائيلي بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 67 بشكل واضح ومن دون أي غموض. ومساءً نقلت "رويترز" عن مصادر سورية ان اتصالات تجري بين الاطراف المعنية عبر الولاياتالمتحدة لتحديد الخطوة التالية بالنسبة الى استئناف المفاوضات. وعلى صعيد آخر اعلن مسؤول فلسطيني ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سيلتقيان ليل امس في تل ابيب، ويبدو انهما ارادا الاستعاضة عن لقاء كان محتملاً بينهما في واشنطن لدى زيارة عرفات لها. وفي بيروت، قالت مصادر لبنانية رسمية ل"الحياة" امس ان سورية لن تشارك في الجولة الثالثة من مفاوضات السلام في واشنطن، الا في حال حصلت على ضمانات أن لجنة ترسيم الحدود التي تمّ الاتفاق على تشكيلها في شيبردزتاون، في الجولة الثانية، ستعاود اجتماعاتها جدّياً، من أجل أن تتوصّل الى نتائج واضحة وحسّية، تستطيع من خلالها ان تضمن ان الانسحاب الاسرائىلي من الجولان سيتمّ حتى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. وأوضحت المصادر نفسها ان موقف دمشق كان حتى مساء امس يصرّ على عدم الاشتراك في الجولة الثالثة المقررة غداً الاربعاء في مكان قريب من واشنطن، ما لم تحصل على ضمانات وتأكيدات تسمح باختبار جدّية اسرائيل في الموافقة على الانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران، وتعيد التسليم بما تعتبره سورية "وديعة رابين" رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل والتي أبلغ عبرها واشنطن، باستعداده للانسحاب حتى تلك الحدود. وتولّت الادارة الاميركية نقل هذا الاستعداد الى سورية. وأكدت المصادر اللبنانية نفسها، نقلاً عن مسؤولين سوريين كبار، ان سورية قبلت باستئناف المفاوضات على أساس الحصول على موافقة اسرائيلية على مطلبها تجديد التزام رئيس الوزراء الاسرائىلي ايهود باراك. ويبدو من الجولتين اللتين عقدتا في واشنطن ثم في شيبردزتاون بين باراك ووزير الخارجية السورية فاروق الشرع، وبمشاركة من الجانب الاميركي ممثلاً تارة بالرئيس بيل كلينتون وأخرى بوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، أن دمشق لم تلمس جدّية في ترجمة اسرائيل الوعد الاميركي لها بأن تحصل على ضمان الانسحاب حتى حدود 4 حزيران من الجولان، من خلال الجلوس الى طاولة المفاوضات. وأضافت المصادر "ان الإنطباع الذي نشأ لدى سورية ان باراك اعتمد المماطلة في شأن دعوة لجنة ترسيم الحدود التي تشكلت في شيبردزتاون للاجتماع وفقاً للاقتراح الاميركي بان تجتمع اللجان الأربع وتبحث في شكل متزامن في ملفات التسوية بين البلدين وهي لجان الحدود وعلاقات السلم العادية والترتيبات الأمنية والمياه، وتأخير الجانب الاسرائىلي إنعقاد لجنة ترسيم الحدود، التي التقى اعضاؤها شكلياً أكثر من ساعة فقط، في ختام الجولة الأخيرة هو الذي جعل عمل اللجان الاخرى من دون أي فائدة. اتصالات لبنانية - سورية وقد نشطت الاتصالات اللبنانية - السورية على مستويات عدة أمس لتنسيق الموقف خصوصاً بعدما اعتبرت الوكالة العربية السورية للأنباء سانا، ليل أول من أمس في نبأها عن الاتصال الذي أجري بين أولبرايت والشرع انه "تناول نتائج الجولة السابقة من محادثات السلام في ضوء التقويمات والاستنتاجات التي سيتوصل اليها الأطراف المعنيون قبل اتّخاذ القرار بموعد الجولة المقبلة". وعكست العبارة الاخيرة موقفاً سورياً بعدم رغبة دمشق في حضور جلسة غد، أتبعتها مصادر سورية بالقول ان سورية لم تطلب تأجيل الجولة، وتبعت ذلك تسريبات إعلامية تفيد ان دمشق بعد تقويمها ما حصل في شيبردزتاون، وبعد التسريبات الاسرائىلية لورقة العمل الأميركية، المغايرة لما تمّ البحث فيه في الجولة الأخيرة لجهة الترتيبات الأمنية وإبقاء المستوطنين في الجولان ولجهة مشاركة اسرائىليين في إدارة محطة إنذار مبكر في جبل الشيخ، بعد الإنسحاب الاسرائىلي، يرسم علامات استفهام لدى الجانب السوري عن جدوى استئناف المفاوضات". وذكرت مصادر لبنانية ان القيادة السورية رأت ايضاً في الحديث، لدى باراك وبعض المسؤولين الأميركيين عن وجوب تحريك المسار اللبناني وعدم انتظار تقدّم المسار السوري نوعاً من الضغط على دمشق، ومطالبة باراك باشتراك الرئيس حافظ الأسد شخصياً في المفاوضات، نوعاً من "الحرتقة"، التي لا تؤشر الى جدّية في الجولة المرتقبة، كما قال مسؤول لبناني كبير ل"الحياة" مساء امس. وشمل التشاور اللبناني - السوري امس، اتصالاً هاتفياً أجراه رئيس الحكومة وزير الخارجية الدكتور سليم الحص مع الشرع، استبعد اثره الحص ل"الحياة" ان يذهب الوفد السوري الى واشنطن غداً الاربعاء، خصوصاً ان الوقت أصبح مداهماً نظراً الى أن انتقال الشرع، ووصوله الى العاصمة الأميركية يتطلبان يومين. وأوضح أن سبب الرغبة السورية في الامتناع عن الذهاب هو الشعور بأن ما حصل في الجولتين السابقتين لا يشجّع على حصول تقدّم في القضية الجوهرية المتعلقة بالانسحاب الاسرائىلي حتى حدود 4 حزيران. وحين سألت "الحياة" الحص عما اذا كانت الاتصالات الاميركية، الجارية في الساعات المتبقية قد تنقذ الجولة الثالثة من التأجيل، قال "كل شيء وارد، ويتوقف ذلك على مدى نشاط الجانب الاميركي من جهة ومدى الارادة لدى باراك من جهة ثانية. فالحقيقة ان موقف الأخير ليس ثابتاً ولا نعرف إذا كان قادراً، أم غير قادر على تعهّد الالتزامات المطلوبة بفعل وضعه الداخلي، الذي أخذ يأسر نفسه فيه. فهو يريد اتفاقاً مع سورية. وفي الوقت نفسه نرى وزراء في حكومته يشاركون في تظاهرة ضخمة ضد الانسحاب الاسرائىلي من الجولان، والقضية الرئيسية ما زالت التسليم بوديعة رابين". الا ان مصادر مقرّبة من الحص قالت بعد اتصاله بالشرع، ان الجانب السوري ما زال يأمل بأن يسعى الاميركيون الى صيغة تضمن جدّية في البحث في ترسيم الحدود وأن دمشق ما زالت تراهن على جدّية الجانب الاميركي لانجاح استكمال عملية السلام. وزار الحص رئيس الجمهورية أميل لحود لإطلاعه على مضمون مكالمته الهاتفية مع الشرع، في حين زار مسؤولون لبنانيون معنيون بالمفاوضات العاصمة السورية للاطلاع منها على حيثيات الموقف السوري، وعادوا ليلاً.