يقرأ المراقب ويسمع هذه الايام اخباراً عن احتمال اجراء تغييرات في نظام العقوبات المفروضة على العراق. ويعني هذا، إن صحّ، موقفاً جديداً فما الذي يدفع اليه؟ هناك في المعادلة العراقية طرفان رئيسان لا غير … ومهما حاولت الدول دائمة العضوية المناوئة للسياسة الاميركية في مجلس الامن، ومهما علت اصوات الادانة والاستنكار والتعبير عن الألم والحزن تجاه اطفال العراق وشيوخه، وتجاه الفرد العراقي عموماً، ومهما جاهد الامين العام للامم المتحدة و… و… فلن يتغير شيء مهم في سيناريو اللعبة العراقية. ذلك لأن الولاياتالمتحدة، الطرف الاول والاساسي في المعادلة التي تمسك بالعصا السحرية وتوجه الامور الوجهة المفترضة، لم تجد ولا تجد مبرراً لادخال تعديل جذري على العقوبات ضد العراق … اما الطرف الثاني للمعادلة فهو صدام حسين. ولا اقول العراق او النظام او الحكومة، ففي مثل هذا القول مغالطة، اذ ليس في العراق، الآن ومنذ عقدين، غير مركز واحد للقرار، هو هذا الشخص، الذي يحدد بصورة فردية مطلقة، سياسات العراق، ويقرر مصيره ومصير شعبه، وهو في سيطرته يتجاوز كل امثلة الانظمة الشمولية البائدة والقائمة، ولربما اللاحقة … فهو رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس قيادة الثورة، والقائد العام للقوات المسلحة، والأمين العام للحزب الحاكم ورئيس الوزراء والخ. وهو الذي يتخذ القرارات السياسية والاقتصادية، الداخلية والخارجية، وكل ما يتعلق بالوضع الاجتماعي والتعليمي والثقافي والصحي و… و… لا شك في ان الولاياتالمتحدة تمسك بمعظم اوراق اللعبة في معادلة الموت العراقية، وليس لدى صدام حسين اوراق كثيرة يمكن ان تؤثر على المحصلة النهائية … وليس هناك في العراق من يدعم الحكم الديكتاتوري سوى اولئك الذين ربطوا مصالحهم ومصيرهم به …. هكذا يفقد صدام اهم دعامة يمكن ان يستند اليها في مجابهته مع الولاياتالمتحدة. وفي ذلك علّة ضعفه وانهياره، على ان آمال البعض في "اجراءات انفتاح" وضمان حقوق الانسان الاساسية، وتفعيل "دستور التعددية" تبقى حلماً ساذجاً يصلح لحكايات "جدتي الطيبة". فالنظام الديكتاتوري يزول إنْ هو تخلى عن ديكتاتوريته، وهذا ما لن "يسمح" به رئيس العراق "المُنتَخَب" مدى الحياة. من هنا يظهر ضعف موقف صدام حسين في مقابل قوة الموقف الاميركي وتشدده …. ومهما حاول البعض تزيين هذه العقوبات الجديدة، فإنها لن تسدي اية خدمة للعراقيين ما دام زمام امرهم وحياتهم ومصيرهم مرهوناً بقرارات فرد لا يتورع عن ارتكاب الكبائر محافظة على سلطته. ان الشعب العراقي ليس في حاجة الى عقوبات ذكية بقدر ما هو بحاجة الى قيادة ذكية تضع نصب أعينها مصلحة الوطن واهله في اقامة نظام ديموقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان ويصونها، ويؤمن علاقات اقتصادية وسياسية متكافئة مع كل الدول التي ترغب في التعاون على أسس الاحترام والمنافع المتبادلة. فلاح النهر كاتب عراقي مقيم في الدنمارك