كلية الصحافة في دمشق التي تأسست في 1984 ما زالت تزود المؤسسات الاعلامية في سورية وخارجها بكوادر كثيرة ممن يريدون التغيير وممن يعتقدون ان الحال واعد وجيد... بين هذا وذاك يختلف ويتفق هؤلاء، وان كان الجميع يريدون من الكوادر الاعلامية الموجودة الآن ان تتغير بكاملها ليحل محلها الاختصاصيون من الخريجيين. لم يعرف معظم طلاب السنة الأولى الذين تحدثنا اليهم من أين تصدر صحيفة "الحياة"، وبعضهم لم يسمع بها اطلاقاً، ومع هذا فإن لهؤلاء رأياً يقولونه في توقعاتهم لإعلام القرن المقبل، فعباس طالب السنة الأولى يتوقع: "الاعلام السوري ولا شك مع بداية القرن القادم سيصبح أكثر فاعلية في علاقته مع الجمهور" إلا أنه يحدد شروطاً: "هذا سيحدث عندما يصبح رجال الاعلام في مستوى ثقافي أعلى ومتخصص". ويرى زميله كامل في السنة الدراسية ذاتها ان "تطوير وسائل الاتصال مع الجمهور يجب ان يكون من خلال البرامج التي يقدمها والتي تفتقر الى التشويق... تشويق الخبر والحدث، فالمتلقي السوري لا يتشوق لرؤية الخبر مرة أخرى بعد مشاهدته للمرة الأولى في وسيلة اعلام محلية، فعلى سبيل المثال الخبر الفلسطيني دائماً من الأرشيف، وقد حفظنا المشهد اليومي وأصبحنا قادرين على تمثيله أنا وأصدقائي". ومن ناحية أخرى فإن أحد طلاب السنة الرابعة يذهب في آماله الى أبعد من ذلك بكثير فيقول الطالب علي الصعيدي: "يفترض ان يكون لدينا قنوات خاصة قادرة على استيعاب الخريجيين والتي يمكن ان تفتح المجال للإبداع اكثر من القنوات العامة لأن إمكاناتها المادية ستكون أكبر". وفي ما يخص البرامج الأخرى غير الاخبارية فإن طالباً آخر يرى أنها "برامج مهمة من الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية فإن هذه البرامج بحاجة الى تأسيس علاقة أوثق مع الجمهور". ويهتم الاعلام السوري ببرامج المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وجميعها رسمي الا ان هذه البرامج فقدت غالبية مشاهديها الذين التفتوا الى الاعلام العربي القادم عبر الفضاء، وربما يمكن هنا استثناء برنامج الشرطة لتناوله جرائم تحصل في المجتمع السوري دمشق بالخصوص تشد فضول الناس الى تفاصيلها. "لا بد ان اعلامنا سيتطور وإلا لماذا ندرس"، تقول طالبة سنة ثالثة مؤكدة: "نحن من سيطوره لأن تغيير الكوادر هو أهم عامل لتحسين مستواه خصوصاً اذا ركزنا على الكوادر المتخصصة، ف80 في المئة من كوادر الاعلام ليسوا من خريجي كلية الصحافة، فالخبرة والاختصاص هما الأهم". وتضيف أخرى بأن الأمر ليس بهذه البساطة اذ لا بد من توافر "هامش من الحرية والفهم والثقافة لدى الكوادر الجديدة مع ضرورة إلغاء فيتامين واو تعبير شعبي للوساطات في التوظيف". ويتخيل البعض ان تغيير الكوادر بشكل جذري سيؤمن شواغر عمل للجيل الجديد، ولكن ضمن الواقع الحالي فإن "الأمر يتوقف على الكفاءة وربما الواسطة أو الحظ، وهناك ميزة في طلاب الصحافة بأن الذي سيعمل يمكنه ذلك من السنة الأولى"، تعلق طالبة اخرى. ويركز جواد طالب السنة الثالثة على أهمية توسيع هامش الحرية، فيقول: "هامش الحرية ضيق. والبعض يتحجج بكون ضيقه الحالي ناتجاً عن تأثير القضايا الخارجية على الوضع الداخلي، بمعنى ان علينا ان نخفي أخطاءنا" لكن منطق الخوف من الشماتة لا يروق له فيضيف: "في رأيي أفضل طريقة لمعالجة الاخطاء هي مواجهتها لكي نكون قادرين على مواجهة غيرنا، فأخطاؤنا هذه يعرفها الغير عادة قبلنا ويستخدمها ورقة ضدنا في إعلامه هو، وهذا شيء معروف فأهم نقطة هي هامش الحرية". وشهدت الصحافة السورية هامش حرية مرتفع السقف نسبياً في الآونة الأخيرة، الا ان أي قرار رسمي مكتوب لم يصدر حول كيفية التعامل مع هذا الهامش. ويؤكد أحد الطلاب على ان هذا الهامش يجب ان يكون من البداية: "لأن ذلك يسمح لك بتوظيف أسلوبك أو أسلوب معالجتك وطريقة صياغتك لهذه المسائل بحرية أكبر، وبالتالي فإن هامش الحرية هذا سيسمح بإيجاد الأدوات التي ستواكبه، وهذا يعتمد على الكادر الجيد الذي بالدرجة الأولى يجب ان يكون من الاختصاصيين"، ويضيف طالب السنة الرابعة موريس عايق: "أهم عنصر في العملية الاعلامية هو العنصر البشري لأنه العنصر الإبداعي في هذه العملية، ولكن لكي تتمكن العناصر البشرية التي لدينا من الابداع لا بد ان نقدم لهم التسهيلات، ومنها امكانية الحصول على الأدوات التقنية من مراكز معلومات مثلاً، كما يجب ان يؤمن عمل الصحافي له المستوى المعيشي المقبول بحيث يستطيع حصر تفكيره وإبداعه في عمله الصحافي فلا يقلق على معاشه". ويرى أكثر من طالب ان عجز الجانب المتلقي "سببه الخوف، ليس في مستوى المحاضرات وانما في مستوى الطلاب. هذا الخوف متجذر عبر الاجيال وهو وريث عوامل مختلفة، فأنت كفرد يمكن ان تلفظ من أية مجموعة لا يناسبها رأيك وبالتالي فإن رأيك يكون محاصراً". وتضيف راما الى النقطة الأخيرة: "كل شيء في حاجة للتغيير. فتغيير الكادر الاعلامي لا يحسّن من فعالية الاعلام لأن الاعلام مرتبط بنواح اخرى. التغيير يجب ان يكون عاماً". وينتقد البعض غياب الضمير المهني لدى بعض العاملين في الصحافة المحلية "فبعض الصحف تشعر ان موادها موجودة فقط بهدف ملء الصفحة". لكن، ثمة من لديه رأي آخر اكثر تفاؤلاً بما يجري حالياً، فبسام الذي يعمل حالياً في قسم الاخبار في احدى الصحف المحلية ويتابع دراسته الاعلامية يرى: "الاعلام السوري يتطور بشكل كبير وهذا لا يمكن انكاره. في صحيفتنا مثلاً يأتي توظيف خريجي الصحافة في المرتبة الأولى، ولكن طبعاً لا نستطيع ان نقارن سورية بلبنان لأن وضع الدولة الاقتصادي والسياسي ينعكس بشكل عام على الاعلام، وثمة قضايا تطرح الآن لم تكن تطرح من قبل إشارة الى ان الحملة التي بدأت منذ اشهر على الفساد هي حملة حدثت بشكل مشابه في الثمانينات وتوقفت لتعود الآن من جديد ويضيف أنه يجب ان يكون للاعلام أهداف مثل "الحفاظ على الهوية العربية القومية في ظل العولمة والغزو الثقافي"، إذ "لا بد للدولة من ان تبقي سيطرتها على اجهزتها الاعلامية وشاشتها الوطنية، خصوصاً ان كل انتاجنا التلفزيوني محلي وهو أمر نعتز به". ويضيف طالب سنة ثالثة: "الإعلام دائماً مسيس والعلاقات والمصالح مع الدول تتأثر بالإعلام". لكن طالبة سنة ثالثة اخرى تؤكد أنها ليست "ضد التسييس لأن الاعلام غير المسيس ليس صحيحاً، ولا بد من وجود رسالة، ولكن يجب الانتباه الى ان ثمة متلقياً يريد ان يحترم عقله، فالمشاهد لدينا ليس سلبياً وغالباً لديه موقف ورأي". ويشكو قسم الصحافة تابع لوزارة التعليم العالي في دمشق من مشاكل كثيرة على حد تعبير أحد أساتذته، فالقسم الذي أسس منذ خمس عشرة سنة لم "يؤسس" فعلياً حتى الآن. والطلاب ما زالوا يتعلمون كيفية عمل الفيلم التسجيلي من على السبورة، والدراسة بكاملها تقريباً نظرية، بالإضافة الى ان قبول الطلاب يتم وفق مجموعهم العام وليس وفق المقابلة مع أساتذة القسم كما نص مشروعه التأسيسي. وعلى رغم ان هناك خطة للعودة الى هذا في السنة المقبلة مع إحداث امتحان كتابي، إلا ان البعض يقلل من أهمية هذا حتى لو حدث، لأن الوساطات ستتدخل في تحديد الطلاب المقبولين. يبدأ القسم بحوالى 170 طالباً وينتهي في السنة الرابعة الى 60 أو سبعين خريجاً. ويعتبر قسم الصحافة أكثر مورد للخريجين الى مؤسسات الدولة الإعلامية، ويذهب قسم كبير من هؤلاء الى صحيفة الثورة المحلية التي تحتل المركز الأول في تعيين الخريجين ويأتي بعدها المركز القومي للمعلومات. ويعاني القسم من صعوبات ناتجة عن ضعف الامكانات والتعامل البيروقراطي دعوة اعلامي من خارج اطار المؤسسات الرسمية تحتاج الى موافقة من رئيس الجامعة تحديداً، ويتحمل مسؤولية أي كلمة شاردة في اللقاء الاستاذ صاحب الدعوة. ويعلق الاستاذ ان القسم لا يخرج اعلاميين وأن الأمر متوقف على المشروع الذاتي لكل طالب وسعيه، بالإضافة الى ضرورة تلاؤمه مع تصوراتهم، خصوصاً عند المقارنة بمعاهد أخرى في لبنان أو الأردن. وتقول طالبة السنة الرابعة لونا صائغ: "إذا لم نؤهل بشكل جيد في الجامعة فإننا سنتخرج من القسم ونحن لا نعرف كيفية تحرير الخبر، وبالتالي كيف سنكون مؤهلين لتطوير الاعلام؟ اننا سنكرر ما فعله غيرنا". وتضيف زميلتها في السنة ذاتها هيا علي قائلة: "يجب ان يكون لدينا كادر اعلامي متميز قادر على تحرير الاخبار بشكل جيد لرفع مستوى الاعلام، وكادر كليتنا لم يستطع الوصول بعد الى مستوى كوادر الكليات الأخرى كما في لبنان مثلاً". ويشكو الطلاب في القسم من غياب المواد العملية وغياب أي جانب تقني، فلا يوجد كومبيوتر واحد في كل القسم، وبادرة الأمل الوحيدة التي يبدو انها ستبدأ برؤية النور لديهم هي في اصدار نشرة اعلامية متخصصة يكون الهدف منها بالدرجة الأولى تدريبياً. ويقول احد طلاب السنة الرابعة "ان طالب السنة الأولى في لبنان هو في مستوى الخريج لدينا". اشارة الى الجانب العملي الكبير في الكلية اللبنانية. الا ان التفاؤل يبقى سمة الشباب العامة اذ تؤكد احدى الطالبات "ان العمل مع الصحف المحلية أضمن حيث لا تمنح الصحف الخارجية الاستقلالية"، وتعلق اخرى: "ان على الصحافي ان يعمل مع صحفه الوطنية لأن مهمته وطنية في الأصل، فالصحف الصادرة في الخارج لا تمنحك الاحساس الذي تمنحك إياه صحيفة محلية، واعتقد انني سأكون سعيدة أكثر لو ان موضوعي المحلي نشر في صحفنا المحلية. بينما تقول راما من جهة اخرى بأنها ستعمل مع أي جهة لأنها في النهاية "مسؤولة" عن الذي تكتبه بغض النظر عن الجهة التي تنشره.