لم تعف الحرب الشيشانية التي طحنت رحاها المدنيين والعسكر، الصحافيين الذين تجرأوا على الكشف عن جوانب مظلمة فيها. وكان أبرز اسم في لائحة ضحاياها اندريه بابيتسكي الذي نجا من الموت بأعجوبة في الحرب الأولى لكن مصيره الآن محاط بالغموض. ويعمل بابيتسكي، وهو مواطن روسي، لإذاعة "الحرية" الأميركية الناطقة بالروسية. وكان اشهر اعلامي في الحرب الماضية حيث أمضى ست سنوات ونصف السنة في ميادين القتال. وكانت تحقيقاته تبث يومياً على الهواء. واتفق مراسل "الحياة" على ان يمضي مع اندريه أياماً طوالاً عام 1995، بدا خلالها هذا الشاب المليء حيوية، شجاعاً الى حد التهور، يبحث عن الخبر ولا يكتفي بالإشاعة. واقام علاقات وطيدة مع شيشانيين كثيرين على رغم انه كان قاسياً عليهم احياناً، إلا أن قدرته على تقديم صورة عن الجانب الآخر من المتاريس جعلته موضع احترام لدى زملائه ومستمعيه، وفي الوقت ذاته، أثارت غيظ الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية والسياسية. وفي اطار سياسة اعلامية جديدة، بدأت موسكو فرض قيود على تحركات الصحافيين، وفرضت على المراسلين المعتمدين لدى وزارة الخارجية الحصول على اعتماد اضافي لدى قيادة القوات الروسية في منطقة العمليات، من دون ان يوفر هذا الاعتماد فرصة لجمع الاخبار وكتابة التحقيقات الميدانية، إذ ان المطلوب من الصحافيين ان "يبلغوا الخبر الجاهز" على حد تعبير احد المراسلين. وشذ بابيتسكي عن هذه القواعد وتمسك بالدستور الروسي الذي ينص على ان للصحافي الحرية في استقصاء الأخبار من مصادرها. ولكون مواده لم تتآلف مع "الخط العام" أصدر المركز الاعلامي الموحد للحكومة الروسية بياناً وصفه بأنه "من الجلادين". وبعدما عرض بابيتسكي في احدى قنوات التلفزيون في موسكو أول فيلم عن غروزني المحاصرة، بدأت ضده حملة شرسة بلغت أوجها أواسط الشهر الجاري. وانقطع الاتصال به، في 15 كانون الثاني يناير الماضي. وبعد اسبوعين من "الإنكار"، اعترفت موسكو بأنه معتقل بتهمة "المشاركة في عصابات مسلحة". ولم تسمح السلطات للصحافي المحتجز بالاتصال هاتفياً معه أو استدعاء محاميه أو ممثلي الاذاعة التي يعمل لها. وبعدما تعالت داخل روسيا وخارجها أصوات غاضبة، أعلن رئيس الدولة بالوكالة فلاديمير بوتين انه "يشرف شخصياً" على متابعة قضية بابيتسكي، وأوفد رئيس النيابة العامة فلاديمير اوسيتنوف الى الشيشان للتحقيق في الموضوع. وأعلن رسميا ان الصحافي سينقل الى موسكو، ولكن سيمنع من مغادرتها لحين انتهاء التحقيق. ولكن لم يقدر لاندريه ان يلتقي زوجته وابنته التي لم تبلغ الرابعة، اذ أعلن سيرغي ياسترجيمسكي مساعد رئيس الدولة للتغطية الاعلامية للحرب ان بابيتسكي وافق على ان "يبادل" بثلاثة جنود روس اسرى، وأضاف ان عرضه في هذا الشأن ورد من قائد ميداني اسمه سعيد اوساحجييف وان الصحافي كتب بخط يده موافقة جاء فيها انه "غير مذنب لكنه يريد المساعدة" في اطلاق سراح أسرى. واتضح في ما بعد ان أحد الجنود الثلاثة كان... أفرج عنه قبل أكثر من شهر. ولم يوضح شريط الفيديو الذي قدمته وزارة الأمن الى قنوات التلفزيون ويظهر فيه بابيتسكي وهو يطلب حجب الكاميرا، أموراً كثيرة. ويشكك المراقبون في عملية "المبادلة" بل ان مدير اذاعة "الحرية" سافيك شوستر افترض ان بابيتسكي "ربما لم يعد بين الاحياء" اذ انه لو كان فعلاً لدى الشيشانيين لتمكن من الاتصال هاتفياً بعائلته وأصدقائه.