بقي الوضع في لبنان امس خاضعاً لتجاذب بين التطورات الدراماتيكية المتمثلة باحتمالات التصعيد العسكري وجهود التهدئة واستئناف مفاوضات السلام على المسار السوري، ورفع لبنان وسورية وتيرة انزعاجهما واستيائهما من تحميل الولاياتالمتحدة "حزب الله" مسؤولية التصعيد الأخير في لبنان. وكشف الرئيس المصري حسني مبارك انه طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك بالكف عن وضع "شروط مسبقة" لاستئناف المفاوضات مع سورية مثل بدئها على المسار اللبناني من أجل ترسيم الحدود مع سورية راجع ص 4. وإذ اقتصرت عمليات المقاومة في الشريط الحدودي المحتل في جنوبلبنان على نشاطاتها العادية ضد القوات الإسرائيلية من دون خسائر، وبعث رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص برسالة الى وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت تطالب بلجم التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها باراك ضد لبنان، دعا الرئيس المصري اسرائيل الى التخلي عن موقفها "المتعالي". وقال مبارك لوكالة "فرانس برس" ان "التصريحات المتعالية مثل تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي عن تدمير لبنان لا تؤدي الى شيء. انها تمثل غروراً زائداً". وكان ليفي هدد الأربعاء الماضي ب"إحراق أرض لبنان" إذا أصابت صواريخ قرى شمال اسرائيل. ولفت مبارك الى ان ما يحدث في لبنان "نتيجة طبيعية ومتوقعة لتوقف المفاوضات في عملية السلام"، وأضاف: "أتذكر عندما بدأت المفاوضات مع سورية هدأت النفوس الى حد ما". ودعا اسرائيل الى عدم وضع العراقيل أمام عملية السلام. وقال "تكلمت مع رئيس وزراء اسرائيل عندما جاء الينا وقلت له: لا تضع شروطاً تعطل عملية السلام. وبحسب المعلومات المتوافرة لديّ، كان هناك أثناء المفاوضات التي أجريت في شيبردزتاون كلام على لجنة لترسيم الحدود مع سورية. باراك قال انه مستعد أن يبدأ ولكن شرط أن يأتي لبنان ليحضر جلسة المفاوضات المقبلة". وذكر مبارك أنه قال لباراك خلال زيارته الأخيرة للقاهرة في 30 كانون الثاني يناير الماضي، ان "اسرائيل كانت دائماً تقول: نتفاوض بلا شروط مسبقة. لا تأتي الآن وتقول لا ترسيم للحدود إلا بشرط أن يأتِ لبنان الآن" ليشارك في المفاوضات. واضاف الرئيس المصري: "قلت لباراك لا تضع شروطاً تعطل عملية السلام. لماذا تضع هذا الشرط؟ عندما تسير في عملية التفاوض مع سورية سيأتي لبنان" الى طاولة المفاوضات. لا تفكر في أن سورية ستتنازل عن شبر واحد من أرضها ... لبنان لا يستطيع أن يتفاوض مع اسرائيل بمفرده. لا تسألني عن الأسباب، هناك أسباب عدة، ولكن لن يحصل أن تتفاوض القيادة اللبنانية من دون أن تقتنع سورية بأن اسرائيل ستعطيها الأرض". الى ذلك، لم يستبعد الحص رداً على سؤال قيام اسرائيل بعدوان، وهو واصل اتصالاته أمس مع ممثلي كل البعثات الديبلوماسية شارحاً لها الموقف اللبناني فاستقبل سفراء الدول الآسيوية، مطالباً حكوماتهم بالسعي الى لجم اسرائيل. وبعث برسالة الى أولبرايت عن طريق السفير الأميركي في بيروت ديفيد ساترفيلد، والسفارة اللبنانية في واشنطن، تضمنت "وقائع التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان" طالباً "القيام بما يتوجب لمنع حصول هذه الاعتداءات ولجم اسرائيل". وأكدت الرسالة التزام لبنان "تفاهم نيسان" ابريل. وكان الحص اتصل أمس بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع وبحثا في التهديدات الإسرائيلية في ضوء انسحاب الدولة العبرية من اجتماع لجنة المراقبة لتفاهم نيسان. وأكدت مصادر سورية ولبنانية رسمية اتفاق بيروت ودمشق على "التصدي لمحاولات اسرائيل واستغرابهما تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي صوّرت من يدافعون عن شعبهم فوق أرضهم بالمعتدين"، وأبلغ الشرع الحص بعض ما دار في اتصالي أولبرايت ووزير الخارجية البريطانية روبن كوك معه أول من أمس. ونقلت مصادر سورية عن الشرع قوله ان "ممارسة اسرائيل غطرسة القوة لن تؤدي الى نتيجة". وذكرت مصادر رسمية لبنانية أن الموقف السوري "متشدد يرفض الضغوط الأميركية عليه للضغط على حزب الله من أجل وقف عملياته ضد القوات الإسرائيلية، ويصر على أن الحزب لم يخرق تفاهم نيسان". ودخل على خط الاتصال بالجانب الأميركي، مطالباً واشنطن بالضغط على اسرائيل لوقف عدوانها الأمين العام للجامعة العربية، الدكتور عصمت عبدالمجيد، بناء على طلب الحص. واتصل أيضاً بالرئيس اللبناني اميل لحود مؤكداً التضامن مع لبنان. وأوضح مرجع رسمي لبناني أن معظم الاتصالات، خصوصاً تلك التي تجري مع سورية "تتناول جهود استئناف عملية السلام، اضافة الى سبل التهدئة على جبهة لبنان، وأصبح الموضوعان مرتبطين، إذ أن أي عدوان اسرائيلي سيخلق وضعاً قد يزيد تأخير استئناف المفاوضات". وأضاف المرجع: "نأمل بأن تتصرف الدول الكبرى بحزم مع اسرائيل وكل ساعة تمر منذ تهديد باراك بضرب لبنان أول من أمس اثر انسحاب الوفد الاسرائيلي من لجنة المراقبة بحجة مقتل جندي اسرائيلي في قلعة الشقيف في هجوم للمقاومة، من دون ضربة اسرائيلية، تبعد المخاوف من الضربة". في الوقت ذاته أعلن الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله أن "عمليات المقاومة الإسلامية ستستمر بالزخم والقوة نفسيهما".