تبدأ في الثاني والعشرين من شباط فبراير الجاري أعمال مهرجان "البستان" للموسيقى العالمية مع اطلالة للفرقة الوطنية اللبنانية بقيادة الفنلندية توماس روسي. والفرقة التي ولدت العام الماضي من أفراد الكونسرفاتوار الوطني تضم موسيقيين ضيوفاً وعلى رأسها المايسترو وليد غلمية. يحتوي برنامج السنة طائفة متنوعة، بالغة الخصوبة والثراء، تشمل الى الموسيقى الكلاسيكية وبعض وجوهها المألوفة، عزفاً منفرداً للوتريات وأعمالاً أوركسترالية وأوبرالية وايقاعية يحييها جمهرة من الموسيقيين اللامعين تتخطى حفلاتهم قاعة "البستان" في بيت مري الى كنيسة مغدوشة جنوباً ودير البلمند شمالاً ناهيك عن الجامعة الأميركية ومسرح غولبنكيان وقصر بسترس في بيروت. واضح أن برنامج العام الحالي استغرق جهداً مميزاً ليغطي خمسة أسابيع لم يشهد لبنان مثيلاً لها على صعيدي الكمّ والنوع: خمسة وثلاثون عرضاً وما لا يقل عن مئتي فنان من مختلف أقطار العالم. عازف البيانو الأوكراني فيتالي ساموشكو يفتتح التظاهرة في الثالث والعشرين من الشهر المقبل بعد الأمسية التمهيدية للفرقة اللبنانية وكان ساموشكو ربح العام الماضي الجائزة الملكية البلجيكية في المسابقة الأوروبية للعزف. يحتوي برنامجه على سوناتات بروكوفييف وشوبرت وبيتهوفن. ولعلّ اختياره للبداية اشارة الى اهتمام خاص بالموسيقيين الطالعين، ونجوم الغد. ويؤكد ذلك ما يليه في الليلة الثانية إذ يعزف ماثيو ترسلر 24 سنة على الكمان بمساندة زووي مايثر. وكانت مجلة هاي - فاي نيوز وصفت ماثيو بأنه واحد من أفضل موسيقيي القرن المقبل. وفي برنامجه باخ، بيتهوفن وبرامز. من كوريا الجنوبية مواليد سيول 1977 يحيي عازف البيانو يونغ ووك يو أمسية الخامس والعشرين من شباط فبراير وفي برنامجه: ليست، برامز، وشوبرت. وكان يو في الحادية والعشرين من عمره عندما حاز الميدالية الذهبية للمهرجان الدولي الإسباني عام 1998 ومذ ذاك تسارعت دورة مساهماته بقدر ما ارتفع نجمه في عالم الأداء المنفرد. لهواة التطوير والمغامرة من ضمن الموسيقى الكلاسيكية، ليلة السادس والعشرين تعد بمفاجآت مع ثلاثي جاك لوسييه الفرنسي. والثلاثي المكوّن من جاك لوسييه نفسه وبينوا دونواييه وأندريه أربينو، يقوم بأداء جازيّ لمقطوعات من باخ وفيفالدي ورافيل وغيرهم. وللثلاثي جمهور أوروبي وأميركي واسع، ومن المتوقع أن يحصد نجاحاً لدى جمهور الشباب الأكثر ميلاً الى هذا النوع من الموسيقى. في السابع والعشرين لقاء مع آلة ال"هارب" الوترية والإنشاد الأوبرالي تؤديه الإيطالية الفاتنة كلوديا كارليتي ترافقها عازفة ال"هارب" جيوفانا بيتشيوني ويحتوي برنامجهما أعمالاً مشهورة من الموسيقى الباروكية خصوصاً موتسارت وهندل وسكارلاتي وغيرهم. أستاذ الموسيقى الروسي الألماني المولد زكار برون المعروف بدوره الطليعي في التعليم والتربية، ناهيك عن فرادة العزف على الكمان، يصحب في الثامن والعشرين، اثنين من طلابه المجلّين: إريك شومن 16 سنة وساياكا شوجي 18 سنة وفي اليوم التالي يعود الى البستان رابح جائزة تشايكوفسكي 1990 بوريس بيريزوفسكي بناء على طلب الروّاد بعدما حقق في الدورات السابقة نجاحاً كبيراً في عزفه البارع على البيانو. وهو هذه المرّة يحمل الى المهرجان مفاجأة، حسب أوساط "البستان". في دير البلمند، مطلع آذار مارس يجتمع عشرون منشداً من أفضل الفرق البيزنطية اليونانية بقيادة ليكورغوس أنجيلوبولوس. وعلى رغم طول المسافة، النسبي، بين بيروت والشمال فعشاق الموسيقى البيزنطية سيجدون فرصة نادرة للنهل من منابعها الأصلية في الإطار التاريخي - الثقافي المناسب. الرباعي الوتري الإنكليزري الشاب Belcea يخطف عصا الماراثون في اليوم التالي بعدما حقق نجاحاً دولياً في مهرجان أوساكا الياباني الدولي لموسيقى الغرفة العام الفائت، ووقع عليه الاختيار لتمثيل بريطانيا في مسابقة "النجم الصاعد". وسيعزف الرباعي مقطوعات لهايدن وبيتهوفن وبريتن. في الثالث من الشهر نفسه تنتقل الفرقة البيزنطية الى كنيسة سيدة البشارة في الأشرفية، ثم يحتفل "البستان" في اليوم التالي بشربل ومادلين مطر، اللبنانيين المولودين في بريطانيا. وهما نصف العائلة الموسيقية المؤلفة من باتريك وجورج أيضاً. وكان المنشط الثقافي جورج زعني قدّم الأخوة الأربعة الى الجمهور اللبناني والعربي في بريطانيا ودعاهما الى حفلتين في لبنان عام 1997. وسترافق مادلين شقيقها على البيانو منشداً فصولاً أوبرالية لموتسارت وفيردي وشوبرت، اضافة الى جورج غيرشوين وكول بورتر. طلاّب الأكاديمية اللبنانية للفنون ألبا يشاركون مساء الخامس من آذار مارس بعرض لمسرح الظلال، فيما يقدم سلافا غريغوريان في الكريستال غاردن عزفاً منفرداً على الغيتار الكلاسيكي. وكان غريغوريان البالغ من العمر 24 سنة فاز بلقب أفضل موسيقي استرالي شاب عام 1998 بعدما كان وصل الى استراليا من كازاخستان مهاجراً في العام 1976 وسيؤدي في أمسيته مقطوعات أرجنتينية تدور ألحانها حول التانغو الرومانسي ومؤلفات أستور بيازولا، وفي اليوم التالي يعزف غريغوريان في متحف سرسق. في السابع والثامن من آذار تعود فرقة وارسو الأوبرالية الى "البستان" لتقدم "الناي المسحور"، ثم تقدم في العاشر والحادي عشر أوبرا "تركي في ايطاليا" التي كتبها روسيني وهو في الثانية والعشرين من عمره. ثم تخلو الساحة، المساء التالي، لعازف الكمان المنفرد بيتر شيبرد سكارفيد الذي يقدّم أمسيتين متواليتين، الأولى في كريستال غاردن والثانية في مسرح غولبانكيان. في الرابع عشر يلتقي عشاق الشيللو العازفة ناتالي كلاين ورفيقها على البيانو شارلز أوين. وكانت كلاين المولودة عام 1977 ربحت جائزة ال"بي.بي.سي" لأفضل موسيقي شاب عام 1994 اضافة الى جائزة يوروفيزيون في وارسو العام نفسه. ويتضمن برنامجها مقطوعات لبيتهوفن وبرامز ورحمانينوف. في الخامس عشر والسادس عشر من آذار يلتقي جمهور "البستان" تريلوك غورتو وفرقته الومضة وكان تريلوك شارك العام الفائت جون ماكلافلن في مهرجان بيت الدين، إلا أنه هذه السنة يصحب فرقته الخاصة ليقدم معها واحدة من تلك الأمسيات التي ألهبت الأكف حول العالم. ومن ضمن العائدين أيضاً فرقة هيليكون الأوبرالية مساء السابع عشر من آذار. والمعروف عن هيليكون اختصاصها بالأوبرات الخفيفة ذات المنحى الكوميدي، وهي أقرب الى المغناة الموسيقية كما عرفناها لدى الأخوين رحباني. وتؤدي هيليكون مغناة القهوة لباخ التي تروي قصة فتاة عشقت شرب القهوة، علماً بأن ذلك كان أمراً ممقوتاً من الناحية الاجتماعية. وأراد والدها منعها من ذلك بأن عرض عليها العثور على زوج بأسرع وقت، فقبلت بشرط واحد: ألا يمنعها زوجها يوماً من شرب القهوة! كذلك تؤدي هيليكون مغناة "الست الخادمة" للإيطالي بيرغوليزي كتبها وهو في الثالثة والعشرين وقدّمت للمرة الأولى عام 1733 وتروي حكاية خادمة اختلقت عريساً وهمياً وأخبرت سيدها بأنها ستتزوج وتتركه يهتم بنفسه، لكن المشكلة أن العريس المفترض يطلب مهراً مرتفعاً وهي لا تريد أن تفقده، فما كل يوم يأتيها طالب يد من مقامه. أخيراً يقرّر السيّد الأعزب عقد قرانه على خادمته فتصبح هي ست البيت. السوبرانو اليونانية اليكسيا فولغاريدو تحيي مساء الثامن عشر. وهي التي يقارنها كثيرون بماريّا كالاس، وستنشد "الصوت الإنساني" لفرنسيس بولينك وضعها عام 1959 بناء على مسرحية من فصل واحد لجان كوكتو. وهي تروي قصة امرأة تحاور حبيبها على التلفون لحظة الفراق. من الدانمارك والسويد، في اسيمبلي هول، الجامعة الأميركية، مساء التاسع عشر يستمع روّاد "البستان" الى كورس "فوكس نوفا" يقدم النسخة الأصلية ل"مسيح هاندل" معع 19 منشداً و19 موسيقياً مستعملين آلات العزف العائدة الى تلك الفترة. يليهم مساء العشرين عازف الأرغن الكسندر ميسون في الإسيمبلي هول محتفلاً بعيد ميلاد باخ. وميسون هو عازف الأرغن الرسمي في كنيسة الملكة اليزابيت، وفي المساء التالي تعود فوكس نوفا الى كنيسة مغدوشة لتقديم العمل الإنشادي الجديد الذي طلبته ادارة "البستان" من عازف الأرغن اللبناني ناجي حكيم وهو مأخوذ عن فصل "الأطفال" في كتاب "النبي" لجبران خليل جبران. ثنائي الإيقاع الهازج كولن كوري وسام والتون يؤديان أعمالاً مختلطة، معاصرة وكلاسيكية في مقاربة نادرة تجمع باخ ورافيل في آلات بسيطة كالماريمبا والبونغو والطبول والصنوج، ولذان فإن أمسيتهما في الثاني والعشرين من الشهر نفسه ستجتذب جمهور الشباب خصوصاً أن موضة الإيقاعيات آخذة بالانتشار وتعميق تجربتها التي بدأت غجرية وتحولت نحو الموسيقى الجادة بسرعة فائقة. مساء الثالث والعشرين تقدم فرقة "بريمو الليغرو" حفلة مخصصة للكلاسيكيات الرائجة ستكون نجمتها عازفة "الهارب" المعجزة فاريا ايفانوفا، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، ربحت الجائزة الأولى في مهرجان ليلي لاسكين العام الفائت، وهي طفلة ساحرة "ولدت للموسيقى" كما يقول جديسلاو لابينسكي قائد الأوركسترا. على الآلة نفسها، المساء التالي، في الكريستال غاردن نلتقي ذات الأصابع المسحورة كاترين فينش، وهي أيضاً عازفة هارب ضيفة الأمير تشارلز في عيد ميلاده الخمسين ولكاترين قيافة أسطورية أمام الآلة الأكثر رومنسية في التاريخ الموسيقي، كونها الأقرب الى قلوب وأنامل النساء. فرقة الإذاعة البولندية تحيي الليلتين الختاميتين 25 و26 آذار مع عازف الكمان المنفرد كيريللي تروسّوف وعازفة البيانو الكسندرا تروسوفا، بقيادة انتوني ويت. وهنا تجدر الإشارة الى أن مسار المهرجان ككلّ تمحور حول اظهار المواهب الواعدة ومدى ارتباطها بالتراث الكلاسيكي، اضافة الى مشارب التجديد النابعة من الأصالة والجودة والإبداع.