جاء كتاب "الفن الإسلامي في المصادر العربية" على شكل قراءة أولية لعدة مصادر إسلامية، وذلك بهدف نقد متن "الفن الإسلامي" في نصابيه المعرفي والتاريخي أوروبياً - على حد تعبير الكاتب شربل داغر - وكذلك في الصيغة العربية "المحورة" من هذه القراءة الأوروبية واستبيان تاريخ هذا الفن مثل خطابه الجمالي المصاحب له انطلاقاً من تاريخه وبالتالي سياقه الاجتماعي. فالباحث يطمح لاعادة صوغ تاريخ الفن الإسلامي وجمالياته وفق منظور جديد يرتكز أساساً الى بناها النظرية المتوافرة كنصوص تاريخية مستقلة أو مترابطة مع موضوعات أخرى. وبالتالي يسعى لتخليص هذا الحق المعرفي من سطوة آراء المستشرقين الأوائل واللاحقين. متن الكتاب يتشكل من عدة فقرات أولها المقدمة وفصل عن تصنيف الصناعات وطبقات الصناع والحرفيين - ومن ثم قراءة لعدة مصنفات فنية وهي: الهندسة والصناع للمهندس البوزجاني وهو نص يهتم بالجانب النظري للرسم الهندسي والزخرفة. والفقرة الثانية هي للوشاء، وتعالج موضوعات تخص الحياة اليومية أو ما كان يسمى بمتاع الدنيا من الصناعات. كما نصادف في كتاب الوشاء تفاصيل عن الزينة والأدوات المنزلية والأزياء ونوعيتها وطرازها أي ما يوازي موضة العصر. فكتاب الوشاء "الظُرف والظُرفاء" يحيل الظُرف الى الجمال الحسي أيضاً وبالتالي يأخذ الظُرف من زاوية حسية. يتطرق شربل داغر بالتفصيل لوجهة نظر "اخوان الصفا" ورؤيتهم للجمال والصناعات وغيرها من الموضوعات ذات الصلة ضمن مقتطفات من رسائلهم الشهيرة في مساحة مهمة من الكتاب. أخيراً وضع الباحث خاتمة للكتاب وهي بمثابة مقدمة على اعتبار انه اكتشف قبل القارئ انه ما زال في البداية، بداية معالجة موضوعه النظري. أي التأسيس لخطاب فني جمالي جديد يرسم بها خريطة تحدد ملامح الفن الإسلامي وجمالياته. أما ملاحق الكتاب الطويلة نسبياً فهي فقرات من مخطوطات وكتب للمؤلفات المذكورة في النص خصوصاً تلك التي استند اليها في دراسته. يمكننا القول أن كتاب شربل داغر هو عبارة عن أفكار سريعة وخاطفة لم تستطع ان تعالج الموضوع بعمق من جهة وأن تزعزع الصرح الكبير الذي أسسه علماء الغرب لنظريات الفن الإسلامي من جهة أخرى. ويبدو ان الباحث لم يتمكن من امتلاك ما يكفي من مادة البحث الصعبة والمشتتة لحزمها والانتقال بها نحو صياغات معاصرة، بل اكتفى بنقد أولي لترتيب "المتن الأوروبي" للفنون الإسلامية. وهذا مشجع بحد ذاته ومؤشر على الدخول في مساحة المعالجة والتأسيس، كما يعتبر ان خطأ المستشرقين يكمن في انهم لم ينقبوا في بطون كل الكتب الإسلامية خصوصاً التصانيف وكتب التراث العلمي وتلك ذات المحتوى الشامل. ان جهد الباحث شكل محاولة جادة للكشف عن الخلفية النظرية للجماليات الإسلامية في مجال الهندسة والصناعات والأزياء والعمارة والزخرفة والخط، وهو يولي لعملية الكشف عن الجذر النظري لعلم "الجمال العربي الإسلامي" أهمية توازي أهمية وجود الموضوعات الفنية والصنعية النفعية ذاتها. وما على الباحث الا الاجتهاد في البحث والتحرر من قوالب الاستشراق السابقة ان اراد اضافة الجديد في هذا المجال. ومما يعطي لهذا الكتاب قيمته النظرية هو تأكيد الكاتب على قصور عمله وعدم قدرته عن الاجابة على كل التساؤلات وبالتالي معرفته لنقص أدواته في البحث والصياغة. وبمعنى آخر لا بد من دراسات أعمق وأكثر اتساعاً تعطي كامل المساحة النظرية للمعارف العربية الإسلامية وكتب التراث الهندسي والعلمي تلك التي تولي الصناعة والإنشاء والحرف أهمية نظرية قبل المعارف العملية المتوارثة بين الحرفيين والصناع. وأخيراً يمكن تسجيل ملاحظة منهجية على الكتاب الصادر عن "المركز الثقافي العربي، دار الآثار الإسلامية". بدأ الكاتب بالعموميات وخرج بعموميات أخرى، من دون التوغل في نقد خاص لموضوع محدد المعالم والمساحة ومن دون السعي للوصول الى الخلاصات والاستنتاجات الواضحة التي تنتج عن هكذا بحث جاد.