حرب الأعصاب التي مارستها الولاياتالمتحدة ضد حركة "طالبان" تكثفت خلال عام 2000، خصوصاً بعد تفجير المدمرة الأميركية "يو إس كول" في ميناء عدن، واشارة المصادر الأميركية إلى إحتمال تورط أسامة بن لادن فيه، علماً ان الاخير لا يزال يقيم ضيفاً على الحركة. وفي المقابل، واصلت مصادر "طالبان" نفي تورط ضيفها بمثل هذه العمليات، مؤكدة أنها منعته من أشكال التحرك والعمل كافة. ورأت "طالبان" أن تحريك اميركا ملف العقوبات علىها، جاء بدفع من روسيا التي تدعم المعارضة الأفغانية بقيادة الجنرال أحمد شاه مسعود. ومعلوم أن مصلحة موسكو في دعم المعارضة، ناجمة عن اتهامات ل"طالبان" بإيواء المعارضين الأوزبك والشيشان والأفغان العرب الذين يقاتلون إلى جانب الشيشانيين. وكان وزير الدفاع الروسي إيغور سيرغييف التقى قائد المعارضة الأفغانية مسعود وتطرقا الى ما تردد عن وجود أكثر من ألف معسكر تدريب ل"الإرهابيين" في مناطق تسيطر عليها "طالبان". ودعت موسكو الحركة إلى إغلاق هذه المعسكرات. وعلى هذا الاساس، قدمت واشنطنوموسكو إلى مجلس الأمن مشروع اللقرار لتشديد العقوبات على الحركة، على رغم أن الوسيط الدولي فرانسيس فيندريل دعا إلى الانتظار، مشيراً الى هذه الخطوة ستضر بالشعب الأفغاني الذي تتهدده مجاعة حقيقية بحسب تقارير منظمة الغذاء العالمي، نتيجة الجفاف الذي يضرب منذ أكثر من عامين. وينص القرار الأميركي والروسي على حظر تصدير السلاح إلى "طالبان" ومنع سفر مسؤولي الحركة إلى الخارج وتجميد أرصدتهم، اضافة إلى حظر بيع معدات كيماوية تساعد على تطوير المخدرات إلى أفيون. وردت باكستان على المسودة بغضب، اذ رأى وزير الخارجية عبد الستار أن القرار أحادي الجانب ويستثني المعارضة، فيما كان من الواجب فرض مبيعات السلاح على الطرفين من أجل وقف الحرب في أفغانستان. وتشعر باكستان وكذلك "طالبان" بالقلق إزاء تنامي الدور الهندي الداعم للمعارضة الأفغانية في أفغانستان، خصوصاً بعدما سعت نيودلهي إلى كسب شرعية دولية لهذا التدخل، من خلال استقبالها مرتين الوسيط الدولي إلى أفغانستان فرانسيس فيندريل. ومعلوم أن "طالبان" تتهم نيودلهي بالتورط في دعم قوى المعارضة، بينما تشعر إسلام آباد من القلق ازاء التدخل الهندي في شؤون افغانستان التي تشكل العمق الاستراتيجي لباكستان. لكن المراقبين سجلوا نجاحاً مميزاً لحركة "طالبان" على صعيد العلاقات الاقليمية، إذ تمكنت من تبديد بعض مخاوف الدول المجاورة وفي مقدمها دول آسيا الوسطى. وحسنت الحركة علاقاتها مع تركمانستان وأوزبكستان التي اكدت ان "طالبان" لا تشكل خطراً عليها، ما يتناقض مع وجهة النظر الروسية. أما علاقات "طالبان" مع إيران فلا تزال مجمدة على رغم أن التبادل التجاري بينهما في ازدياد وتطور مستمرين حتى قيل أن ذلك يأتي على حساب البضائع الباكستانية التي أحجم الأفغان عن شرائها في مقابل شراء البضائع الإيرانية الأجود صنعاً. وتحاول "طالبان" تحسين سمعتها الإعلامية من خلال إطلاق موقع لها على الانترنت وكذلك مجلتين باللغتين العربية والانكليزية، على أمل أن يساعد ذلك على فهم موقفها الذي لا تزال صورته مشوشة ومشوهة لدى الكثير من الجهات الدولية. باكستان وباستثناء الإفراج عن رئيس الوزراء الباكستاني المعزول نواز شريف، لم تشهد الساحة السياسية الباكستانية سوى مزيد من الشلل والجمود والتصلب في ظل الحكم العسكري الذي وضع البلاد في عزلة دولية واقليمية وداخلية أيضاً. وشهد الوضع الاقتصادي تراجعاً، املت الحكومة في معالجته من خلال الدخول في مجال تصدير السلاح، الامر الذي اقامت من اجله معرضاً مميزاً في كراتشي اخيراً. وأظهر استطلاع للرأي اجراه معهد "غالوب" المرموق أن أكثر من نصف الشعب الباكستاني، رأى في قرار العفو عن شريف، استخفاف بالقضاء الذي تحول ألعوبة في أيدي العسكر. لكن بعض المراقبين ينظرون إليه بإيجابية على أساس أنه خفف من حدة الاحتقان الذي تراكم على الساحة السياسية الباكستانية، خصوصاً وأن خطوات انفراجية سبقته وتمثلت في إعلان "تحالف إعادة الديموقراطية" الذي ضم أكبر حزبين سياسيين في البلاد هما حزب الشعب بزعامة بينظير بوتو والرابطة الإسلامية بزعامة شريف. ولعل ترافق ذلك مع المصالحة النسبية التي حصلت بين المؤسسة العسكرية والرابطة، والمؤشرات الى وجود مصالحة بين العسكر وحزب الشعب الباكستاني، مؤشرات إلى أن الحال السياسية في باكستان تتجه إلى التنفيس لا إلى الاحتقان الذي كان الكثير من المراقبين يخشى بأن يفضي إلى انفجار لا يمكن التنبؤ بآثاره. و كانت رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو التي تقيم حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، أعلنت لصحيفة هندية أن الوضع يتجه الآن إلى الإفراج عن زوجها آصف زرداري من السجن بعدما قضى أكثر من أربع سنين هناك، في مقابل تخليه عن السياسة في شكل موقت. وتحدثت مصادر حزب الشعب عن عودة قريبة لبينظير الى البلاد، إذ أعلن أحد قادة حزبها ان عودتها ستتم في كانون الثاني يناير المقبل. وفي العام الأول لوصول العسكر إلى السلطة تعرضت البلاد إلى سلسلة من الانفجارات التي وصلت شظاياها إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد وهو الأمر الذي خلف جواً هيستيرياً، خصوصاً وأنه ترافق مع اطلاق حكومة العسكر "حملة لتوثيق الاقتصاد"، وذلك من خلال حصر ممتلكات الباكستانيين تمهيداً لإرغامهم على دفع ضريبة الدخل إذ تبين أن ما لا يزيد عن واحد في المئة فقط يقومون بهذا الواجب، وذلك من أصل أكثر من 140 مليون باكستاني . هذا الواقع دفع بالكثير من التجار الباكستانيين إلى الإعلان عن الإضراب العام احتجاجاً على هذا القرار الذي اعتبروه محاولة جديدة لابتزازهم، علماً انهم يدفعون في شكل يومي، رشاوى واتاوات الى مصلحة الضرائب. هذا الواقع خلق حالاً من اللاثقة بين البازار الباكستاني والمؤسسة العسكرية، ودفع بكبار التجار الباكستانيين إلى تهريب رؤوس أموالهم إلى الخارج وخصوصاً الى الدول الخليجية الأقرب إلى باكستان . و قدرت أوساط مالية باكستانية نسبة التراجع في الاستثمار منذ وصول العسكر إلى السلطة في تشرين الأول اكتوبر 1999، بأكثر من 83 في المئة ، وهو التراجع الأخطر من نوعه. ولعل الأمر الإيجابي الذي حصل في فترة الحكومة العسكرية الجديدة هو عقدها للمعرض الدولي للدفاع في كراتشي والذي دعيت إليه دول عدة ، وعرضت باكستان خلاله كل صنوف أسلحتها الدفاعية والهجومية من طائرات ودبابات ومدفعية وأسلحة ثقيلة وخفيفة. وأملت الحكومة من ذلك أن تساعد عملية بيع السلاح الباكستاني لتعزيز احتياط البلاد من العملة الصعبة. وكان القيمون على مصانع التسليح أكدوا اخيراً أنهم تلقوا إشارات مشجعة من دول عدة لشراء أسلحة باكستانية. وحرصت الحكومة العسكرية الباكستانية على فتح حوار مع العدوة التقليدية الهند، كما شهدت علاقات باكستان ببنغلاديش تدهوراً.