عند مشارف انتهاء ولايته في البيت الأبيض، زار أحد الصحافيين الأميركيين الرئيس بيل كلينتون فرأى رجلاً حزيناً يعيش أيامه الأخيرة في السلطة متصفحاً ألبومات الصور العتيقة التي تخلّد أيام العز، حابساً دموع الحنين الى مكان أحبه ولا يرغب بمغادرته. يجلس بيل كلينتون على كرسيّ فخم مقابل المدفأة يتصفح موضوعاً في مجلة Golf Digest. على رغم الابتسامة العريضة التي يرسمها يبدو أنه يخفي خوفاً سرياً، ومزاجه الحزين يظهر جلياً عبر عينيه التعبتين. تسأله عن أحواله فيروح يقلب في الألبومات العتيقة المكدسة أمامه التي التقطت صورها أثناء ولايته في البيت الأبيض. يبحر الرئيس في الصور ويتوقف عند واحدة لهيلاري زوجته وهي تضع أحمر شفاه فاقع اللون، وتعتمر قبعة رعاة البقر وتحوط زوجها بذراعيها أثناء حفلة عيد ميلادها منذ 5 أعوام. هنا يقفز كلب اللابرادور "بادي" الى حضنه فيخاطبه الرئيس قائلاً: "أهلاً بادي، إجلس، إجلس، من فتح لك الباب لتدخل هه؟" يأتي أحدهم ويأخذ الكلب، ليعود الرئيس الى تصفح صور الماضي والحسرة بادية على وجهه. منذ فترة قصيرة احتفل وزوجته "راعية البقر" بعيد زواجهما ال25 الذي يعتبر الزواج الأكثر إثارة للجدل في أيامنا الحاضرة. ويجيب رداً عن سؤال أن الأغنية المفضلة له ولزوجته هي As Time Goes By "التي نسمعها في الأوقات الرومانسية". فجأة ترتاح قسمات الرئيس إذ يرى صورة لابنته شيلسي، ويسأله الصحافي إن كان والداً حنوناً فيجيب "لا أعتقد ذلك، لكن عناصر الأمن السرّي يرافقونها دوماً! الواقع أنني في الظاهر أبدو والداً متحرر العقلية لكنني أحمي ابنتي دائماً". ويتابع الرئيس الإبحار في الماضي ويرى صورة أخرى لابنته الوحيدة فيقول والتأثر باد على وجهه "تعود هذه الصورة الى أيلول 1997، كانت ستنتقل الى ستانفورد وأنا متأثر جداً تكاد الدموع تطفر من عيني". في المكتب البيضوي حيث يجلس كلينتون مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية المبعثرة أينما كان ولوحات طبيعية خلابة معلقة على الجدران. وسط هذه الصور يقول الرئيس "حين أمشي في أرجاء البيت الأبيض اليوم أشعر بالقشعريرة، وحين أدخل ليلاً الى مكتبي أفكر أنني أمضيت فيه 8 أعوام وأنني لن أعود البتة إلى هنا. في كل مرة تحط طائرتي في الحديقة الجنوبية وأتوجه صوب الداخل تعاودني القشعريرة". لكن، ما الذي يشتاق إليه الرئيس أكثر من أي شيء آخر في هذا المكان؟ "أحب العيش هنا" يجيب في حزم. ويضيف "أحب العمل هنا. أن أعيش في مكان يحوي 200 عام من تاريخنا، وأعمل في المكتب البيضوي الذي بناه فرانكلين روزفلت، أمر يفرحني وقد أحببته كثيراً. أحب العمل هنا وأحب هذا المكتب ومكتبي الآخر في الطابق العلوي الذي حوله ابراهام لينكولن الى غرفة انتظار ثم صار مكتبة من 1865 الى 1902". ويكرر الرئيس: "أحب كل هذا، أحب التاريخ العابق من هذه الأرجاء والذكريات وممر البولينغ وصالة السينما وبركة السباحة في الخارج". ويرتجف صوته قبل أن يتابع "في الطابق الثاني من البيت الأبيض الغرفة البيضوية الصفراء التي أنشأها آل كينيدي قرب غرفتهم وتحوي مطبخاً صغيراً وأدوات تسلية تغنيهم عن النزول الى تحت كلما أرادوا تناول الطعام. وهنا شرفة ترومان المشرفة على مناظر رائعة، وحين كنت أريد التأثير على أعضاء الهيئة التشريعية وحثهم على تأييد مشروع قانون معين كنت أدعوهم الى هنا!". فجأة يبدأ الرئيس بالضحك إذ يرى صورة له وهو يقود دراجة في أرجاء المكتب التنفيذي القديم أثناء جلسة تصوير. هل يفكر بالتمثيل يوماً؟ "نعم، ربما، لكن فقط على سبيل المزاح. قال الرئيس فرانكلين يوماً ينبغي على الرؤساء الأميركيين أن يكونوا أقدر الممثلين، إذاً ربما...". وماذا يخطط حين يغادر البيت الأبيض؟ "أريد العودة الى الركض مجدداً، لقد توقفت عن الركض منذ أن أطلق رجل من كولورادو النار على البيت الأبيض، توجد أماكن عدة مناسبة للركض في شاباكا وفي منزلي في نيويورك. كما أحب اتخاذ إجازة طويلة، وأن أسافر مع أشقائي وأشقاء هيلاري الى إنكلترا، اسكوتلندا، وإيرلندا. وأن أزور بعض الأماكن في افريقيا والهند وأميركا اللاتينية". ويضيف "أحلم بالقيام بالتسوق في عيد الميلاد ولم أقم بذلك منذ زمن". صارت الصور تملأ الطاولة أمام الرئيس الذي ينتظر ضيفاً في غرفة الطعام الخاصة، بعدها عليه قضاء وقت على الهاتف في مفاوضات شاقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني لمحاولة تخفيف العنف في الشرق الأوسط. لكن لم يكن الرئيس في مزاج للمغادرة، جلب له أحدهم ألبوماً لصور النجوم في هوليوود فراح يتصفحه باهتمام يقول "أحب هذه الصورة لغايبل وكوبر وستيوارت، هذه غاربو التي أحبها كثيراً وهذا نيكولسون وشريكي في لعبة الغولف ستالون...". ويأتي رجل لينبه الرئيس أنه تأخر على ضيفه فبدا حزيناً لتركه ألبومات صوره المحببة، فالرئيس الذي كاد يعزل بسبب الفضائح أصبح اليوم يعي ما سيخسر ويحاول للمرة الأخيرة أن يتمتع بما تبقى له من وقت. وأخيراً يضع ألبوم نجوم هوليوود على الطاولة ويتوجه للخروج ثم يستدير ويقول "سوف أشتاق الى كل هذا، لقد أمضيت وقتاً رائعاً، لست متأكداً أن أحداً من الرؤساء الأميركيين أحب هذا المكان قدر ما أحببته أنا". ثم يتوقف ليردف: "ربما شعر روزفلت مثلي". إعداد: ميراي خليفة