كان فرانكلين روزفلت أول الرؤساء الأمريكيين الذين سافروا عام 1943، على متن طائرة استثنائية قادرة على اصطحاب الرئيس إلى أنحاء العالم براحة وأمان. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الطائرة رمزا لقوة السلطة الأمريكية ورئيسها، وأطلق عليها بعضهم لقب «جبروت البيت الأبيض الطائر». وعندما يسافر الرئيس، يكون الجيش كله متأهبا، فالطائرة تبقى هدفا رمزيا وتكون لها الأولوية المطلقة في المطارات والجو الأمريكي. ولكن هناك موقع واحد في الطائرة يخشاه الرؤساء يعرف ب «الغرفة القاتلة».. وهي المكان الذي يقبع فيه ال 20 صحفيا المرافقون، ويخشى الجميع زيارته.. وذلك لأن التفوه بأي جملة على ارتفاع 12 ألف قدم قد يكون ثمنه باهظا. في بداية تسلمهم للسلطة، يغامر معظم الرؤساء بزيارة تلك الغرفة. ولكنهم سرعان ما يعدلون عن زيارتها بعد بضعة أسابيع، لأن التفوه بأي جملة على ارتفاع 12 ألف قدم قد يكون ثمنه باهظا، خاصة أن جميع الأجهزة التي يحملها الصحفيون معهم لا تتوقف على متن الطائرة، وتكون جاهزة لالتقاط كل شاردة وواردة. وفي جو الطائرة الحميم يميل الرؤساء كلهم إلى البوح بأسرار سياسية. وكادت الطائرة أن تكون «جنة صغيرة» لولا وجود هؤلاء الصحفيين الدائم، الذين تنحصر مهمتهم في إيصال أي لمحة رئاسية خلال الرحلة إلى وسائل الإعلام التي يعملون بها. وقد حاول ليندون جونسون طردهم من طائرته مرارا لكن من دون جدوى. واليوم خصصت لهم غرفة مريحة في مؤخرة الطائرة، لكن لا يحق لهم مغادرتها من دون مرافقة أحد أفراد الطاقم بما فيهم رجال الحراسة والأمن. وسافر كبير مراسلي البيت الأبيض لدى مجلة «يو إس نيوز» كينيث والش أكثر من 200 مرة على متن الطائرة الرئاسية. وهو مؤلف أفضل كتاب وضع حولها. وغالبا ما كان يتلقى الرئيس نصيحة بالانتباه إلى ما قد يتحدث به في غرفة الإعلام، ومن لم يُصغ إلى النصيحة دفع الثمن غاليا. وكان ريتشارد نيكسون أول من بنى «حائطا سميكا» يفصله عن الصحفيين. كان يكره النوم في الطائرة، ولم يمض فيها أي ليلة قط على غرار كلينتون. وكان نيكسون عند مروره بالأزمات يستقل الطائرة ليجول حول العالم ويترك همومه وراءه. وما إن يدخل الرئيس الطائرة، حتى يسقط القناع. ويصبح الرجل مختلفا ويتخلى عن الجدار الذي يفصله عن الآخرين، ويظهر شخصيته الحقيقية، ويتسنى للجميع رؤية الرئيس الإنسان. وكان جورج بوش يحافظ على عادته اليومية باجتياز ثلاثة كيلومترات يوميا ركضا، بتزويد الطائرة بسجادة ركض آلية. وعندما يكون في الجو، يحب لعب ال «ريسك»، ومتابعة البرامج الرياضية على شاشات التليفزيون العملاقة. وكان الرئيس كلينتون يحب ارتداء ال «جينز والتي شيرت». وصمم للروساء أخيرا قميص نُقش عليه اسم الرئيس. وأثناء رئاسة كلينتون كانت الطائرة تتحول إلى ناد للشباب، إذ كان الرئيس يجمع حوله المستشارين الشباب للعب الورق أو مشاهدة فيلم. وكان يحب الجميع لأن عالمه قائم على صحبة الشباب. وتعكس الطائرة شخصية كل رئيس، وتتحول أحيانا إلى ملكية خاصة. فليندون جونسون مثلا، كان يرهب الطاقم بمزاجه المتقلب ولكنته الجارحة، خصوصا حين يثور غضبا. ولكن الكل كان يحب رونالد ريجان. وفي ال 70 من عمره كان يكره الرحلات الرسمية ويحب رؤية أمريكا من «كوة الطائرة» معددا أسماء المدن التي تمر فوقها. وكان دائم الابتسامة لا يتحدث مطلقا عن السياسة، وشديد اللطافة مع الطاقم ومنهمكا في قراءة السير والملفات التاريخية. وهكذا كانت الطائرة ملجأ يقي الرؤساء الهموم، وقد شهدت أغرب التصرفات والأمزجة والانفعالات والتوترات. إلا أن أسوأ يوم في تاريخها، باستثناء 22 نوفمبر 1963، في دالاس عند اغتيال الرئيس جون كيندي، هو 11 سبتمبر 2001، حين قيل: إنها قد تكون الهدف التالي خلال الهجوم بالطائرات على نيويورك وواشنطن .