"ثمانون سنة سجناً" كان ذلك هو قرار المحكمة الذي صدر في ذلك اليوم في الولاياتالمتحدة في حق المدعو جيوزيبي زنغارا، المتهم بالمحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت، الذي كان حقق قبل أشهر قليلة رقماً قياسياً في الفوز، حين سحق منافسه الجمهوري هربرت هوفر. إذاً، فإن فرانكلين روزفلت الذي حاول زنغارا اغتياله، كان انتخب منذ فترة بوصفه الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية، ومن المعروف انه سيبقى في الحكم ثلاث ولايات ولن يبعده عن البيت الأبيض الا المرض الذي سيفتك به بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية. حكم المحكمة صدر على زنغارا، يوم العشرين من شباط فبراير 1933، بعد خمسة أيام فقط من محاولة الاغتيال، ما جعل محاكمة الرجل واحدة من أسرع المحاكمات في تاريخ محاولات الاغتيال السياسية الكبرى. جرت المحاولة ليلة الخامس عشر من الشهر نفسه، بعد أن كان روزفلت ألقى خطاباً عاصفاً في تجمع شعبي تحلق يستمع الى رئيسه الديموقراطي الجديد في حديقة "باي فرونت" في مدينة ميامي بولاية فلوريدا. وكان روزفلت لا يزال في سيارته، حين برز من بين الجموع شاب اطلق خمس رصاصات على السيارة وركابها فجرح أربعة منهم، من بينهم عمدة مدينة شيكاغو انطون تشيرناك، الذي سيكون من سوء حظه انه الوحيد الذي اصابته رصاصة قاتلة، إذ انه سيسلم الروح بعد ذلك بعشرين يوماً. أما الرئيس روزفلت فإنه لم يصب بأذى. فور اطلاق الشاب رصاصاته، تمكن رجل شرطة من الامساك به وطرحه أرضاً، فيما هو راح يردد - كما سيقول رجل الشرطة لاحقا - عبارة واحدة هي: "انني سوف اقتل كل الرؤساء". سرعان ما تبين ان اسم الشاب جيوزيبي زنغارا، وانه من مدينة هاكنزاك في نيوجرزي. ولقد عثر في جيوبه على ما يثبت هويته، وكذلك على صحيفة قديمة تتحدث عن مقتل الرئيس الأميركي ماكنلي في العام 1901 على يد واحد من الفوضويين. وكان الرئيس المنتخب روزفلت الذي شعر في ذلك اليوم بطعم الانتصار، أمضى نهاره كله في رحلة صيد بحرية على متن اليخت فنسنت آستور، قبل أن يتوجه عند المساء الى حديقة "باي فرونت" حيث كان ينتظره جمع كبير من جماهير احتشدت لتحيته والتعبير عن رضاها عما جاء به حتى ذلك الحين من وعود انتخابية. ونذكر هنا ان روزفلت كان تحدث الى الجماهير المحتشدة، وقدر عددها يومذاك بعشرة الاف شخص، وهو في السيارة ممسكاً مكبر الصوت بيديه، وبعد أن انتهى من القاء خطابه، وقف للحظات لتلتقط له ولصحبه صورة تذكارية، وهنا في هذه اللحظة بالذات دوى صوت أول رصاصة، ولحقتها أصوات أربع رصاصات أخرى. وكان أول الساقطين أرضاً عمدة شيكاغو الذي اصابته الرصاصة في صدره. أما الرصاصة الأخيرة فانها انطلقت في الهواء بعد أن دبت الجرأة بامرأة كانت واقفة أمام القاتل وأمسكت بتلابيبه ما أعاق حركته وجعله يفشل في ايصال رصاصته الأخيرة الى الرئيس الذي اخذته المباغتة فلم يتمكن من الاحتماء. وهنا قفز رجل شرطة كان واقفاً غير بعيد عن السيارة وأوقع القاتل ثم اعتقله. في النهاية نجا فرانكلين روزفلت من محاولة الاغتيال تلك، وتبين ان زنغارا يتحرك بمفرده ومن تلقائه حتى وان كان عرف بميوله الفوضوية. ولا بد أن نشير هنا الى ان تلك المحاولة قد زادت من شعبية وزفلت وزادت من تحليق الناس من حوله، ما مكنه لاحقاً، من أن يطبق سياسته الاقتصادية التي سميت بسياسة "الصفقة الجديدة". وكان لتلك السياسة أثر كبير في اخراج الولاياتالمتحدة من البؤس الاقتصادي الذي كانت تعيش فيه منذ الانهيار الكبير في العام 1929. وهكذا صدق على حادثة محاولة اغتيال روزفلت ذلك المثل الشهير الذي يقول ما معناه ان "الضربة التي لا تقتلني تقويني"، اذ ان الرئيس الأميركي الثاني والثلاثين خرج من محاولة اغتياله قوياً صلباً، وحكم بلاده بأفضل مما فعل أي رئيس أميركي من قبله أو من بعده. في الصورة: جيوزيبي زنغارا معتقلاً.