اذا استثنينا "الوعي الفني الجديد او المتجدد" الذي رأى كثيرون ان ظروف الانتفاضة فرضته خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة من العام 2000 يشكل الحدث الفني الابرز لهذا العام، من المؤكد ان الانتاج التلفزيوني العربي، عموماً، والمصري خصوصاً، يُعدُّ حدثاً فنياً لا يقل اهمية عن ذاك. ولئن كان تطور علاقة الجمهوري العريض بما يقدم على الشاشات العربية الصغيرة، جعل من قبل تحصيل الحاصل كل هذا النجاح الذي يحققه ما ينتج من مسلسلات وأعمال، فإن ما يمكن التوقف عنده، هذه المرة، هو استثنائية نجاح عملين تلفزيونيين، على الأقل، جاءا معاً من مصر، وهما "أوان الورد" لوحيد حامد وسمير سيف. و"وجه القمر" لماجدة خيرالله وعادل الأعصر. وعلى رغم ان هناك اعمالاً عدة اخرى حققت نجاحات تقترب من نجاحات هذين العملين، فإن اللافت هو ضخامة نجاحهما، ما يجعل من الممكن مضاهاة الاقبال عليهما، معاً، بما كان لمسلسل "أم كلثوم" في الموسم الفائت، ولمسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" في موسم سابق. ومن الممكن، بالطبع، ايجاد ألف سبب وسبب لهذا النجاح المزدوج - والذي كان متوقعاً على اي حال - ومنها ما يتعلق بالحنين الى أزمان ماضية، والى رموز تلك الأزمان، ومنها ما يتعلق بالجرأة في تناول المواضيع، وما الى ذلك. الا ان ما يجب التوقف عنده هنا هو امر آخر تماماً، لا يمكنه بالطبع ان يكون وحده مفسراً كافياً للنجاح، لكنه بالتأكيد احد اسبابه، بل لعله السبب الأكثر خفاء وحقيقية ايضاً. وهذا الامر هو انتماء "أوان الورد" و"وجه القمر" الى السينما في شكل لا ريب فيه. فيسرا بطلة الأول، هي نجمة سينمائية متميزة، وقدر لها ان حضرت في مسلسلات تلفزيونية، وفاتن حمامة هي سيدة الشاشة الكبيرة العربية من دون منازع. ومخرجا العملين، سمير سيف وعادل الأعصر، مخرجان سينمائيان قلما اهتما بالاخراج التلفزيوني. وكذلك اتى وحيد حامد من السينما التي كرس لها جزءاً كبيراً من حياته وجهوده. من المؤكد ان انصراف جهود هؤلاء الفنانين من السينما الى التلفزة، فيه ما يحزن كل اولئك المدافعين عن نقاء الفن السابع واستقلاله. ولكن في الوقت نفسه، أفلا يشكل هذا التداخل - الجديد والمتجدد - بين الشاشة الصغيرة والشاشة الكبيرة غنى للتلفزة؟ ما لا شك فيه ان العملين تلفزيونيان، من تقسيمهما الزمن وتعاملهما مع الاحداث، وكذلك في درجة تلقي الناس لهما، ولكن ما لا شك فيه ايضاً هو ان الجودة المتميزة التي بها عالج كل من محققي العملين عمليهما، تنتمي الى فن السينما. وأكثر من هذا يمكن القول ان اداء يسرا، في "أوان الورد" وفاتن حمامة في "وجه القمر" لم يذكر بالاداء التلفزيوني المستهلك والمستعاد دائماً على الرقابة نفسها، بل ذكر بأجمل اعمال هاتين الفنانتين، السينمائية. فاتن حمامة هنا كانت على روعة بطلة "أفواه وأرانب" و"امبراطورية ميم" و"المعجزة"، ويسرا كانت هي اياها يسرا التي عرفناها في "المهاجر" و"المنسي" و"دانتيللا" وأوضح ان هذا الأمر يعود الى ان مخرجي العملين اصلاً، تعاملا مع نجمتيهما تعاملهما معهما سينمائياً لا تلفزيونياً. وحسبنا للتيقن من هذا ان نقارن بين فاتن حمامة "ضمير ابله حكمت"، وفاتن حمامة "وجه القمر"، او بين يسرا "حياة الجوهري" ويسرا "أوان الورد"... هذا لئلا نتوقف، في عجالة لا تتسع لذلك، عند بقية العناصر الفنية في العملين الجديدين. الى ماذا نريد ان نخلص هنا؟ بكل بساطة الى تلك الحقيقة التي تحدثنا عن امر بات في حكم البدهي: انتصار السينما، حتى في زمن التلفزة. انتصار السينما وأهل السينما على بلادة التلفزة والعمل التلفزيوني. فهنا، وتحديداً عبر أعمال تلفزيونية اثبت السينمائىون، كتاباً ومخرجين وممثلين وتقنيين آخرين، ان التلفزة، بعدما وصلت الى ذروة انسداد آفاقها التعبيرية، لن يمكنها الانطلاق من جديد، الا عبر الاستعانة بالسينما وأهل السينما.