صدر عن دار «الشروق» في القاهرة كتاب «فاتن حمامة»، للكاتبة زينب عبدالرازق، وهو يُوثّق سيرة سيدة الشاشة العربية، في أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومن ثم فإنه يؤرخ عبر شخصيتها للسينما في مصر وللمجتمع المصري وتحولاته. بدأت فاتن حمامة مشوارها مع السينما مصادفة، عندما أعلن المخرج محمد كريم عن مسابقة لاختيار طفلة لأداء دور أنيسة في فيلم «يوم سعيد»، وكانت مجلة «الاثنين» نشرت صورة لفاتن وهي ترتدي ملابس ممرضة، فطلب محمد كريم البحث عنها. جاءت فاتن إلى القاهرة في سن 8 سنوات لتفوز بدور أنيسة وتبدأ مشواراً نحو قمة تربعت عليها لما يقرب من ستة عقود. وكان محمد كريم مغرماً بتقديم وجوه مصرية جديدة، فأضاف دور «أنيسة»، البنت التي لا تزيد سنها على ست سنوات وهي العنصر الساذج البريء في الفيلم الذي ينشر في ثناياه جو المرح والابتسام، وهي تقوم بدور حمامة السلام بين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وحبيبته عندما تحاول المرأة الثرية أن تعزله وتستولي عليه. من أين جاءت فكرة دور لطفلة في السادسة من عمرها في فيلم سينمائي؟ وما الذي كان يضمن للمخرج محمد كريم أن هذه الطفلة يمكن أن تؤدي الدور هذا الأداء العبقري الذي أصبح طابعها فيما توالى من سنوات عمرها، بحيث تربعت على عرش السينما وحملت لقب سيدة الشاشة العربية؟ قطعة شوكولا كان المخرج الذي تعلم أصول الإخراج السينمائي في ألمانيا، يمنح الطفلة فاتن قطعة شوكولاته، تشجيعاً لها كلما انتهت من تصوير أي مشهد. وفي الفيلم مشاهد كثيرة تجمع «أنيسة» ومدرس الموسيقى (عبدالوهاب)، فكانت تحمل له طعاماً أعدته له أمها (فردوس محمد) وتحاوره بعبارات أكبر من عمرها عن حياته بمفرده ووحدته وتحكي له الأقاصيص البريئة. وكان تطويع فتاة صغيرة لتعيش هذا الدور في تجربة أولى في حياتها، عملاً صعباً للغاية. من هنا، كان تقديم محمد كريم لفاتن حمامة الطفلة حدثاً فنياً، وكان أداؤها لدور «أنيسة» أشبه بمعجزة لا يكاد أحد يصدقها، أما أجرها عن المشاركة في هذا الفيلم الذي عرض عام 1940، فلم يتجاوز العشرة جنيهات. ومع ذلك أصرَّ والدها على أن تعود إلى مدرستها ورفض عروضاً كثيرة لتواصل ابنته العمل في السينما. وبعد نحو ثماني سنوات انتقلت الأسرة من المنصورة في شمال مصر إلى القاهرة، وواصلت فاتن دراستها بحسبانها فتاة عادية، إلا أن المخرج محمد كريم لم ينس اكتشافه العبقري وعاد ليقدمها أمام محمد عبدالوهاب مرة ثانية في فيلم «رصاصة في القلب»، في دور قصير وضعها مجدداً في قلب المشهد. يقدم الكتاب في بابه الأول مذكرات فاتن حمامة كما روتها بنفسها للإعلامي وجدي الحكيم عام 1995 من خلال خمس عشرة حلقة تلفزيونية تم تسجيلها في لندن آنذاك، وقامت زينب عبدالرازق بإعدادها للنشر. أما الباب الثاني، فيضم خمسة حوارات أجرتها عبدالرازق مع فاتن حمامة، كان أولها عام 1996 وآخرها عام 2014. ويتضمن الباب الثالث مجموعة من الشهادات لنخبة من النقاد والمخرجين والفنانين والأدباء الذين اقتربوا من فاتن حمامة خلال مشوارها، وقامت المؤلفة باختيارها وجمعها وضمها وعرضها تحت عنوان «في عيون هؤلاء». وفي الباب الرابع والأخير الذي جاء تحت عنوان «أسرة فاتن حمامة تتحدث»، تنفرد الكاتبة بحوار مؤثر مع زوج فاتن حمامة الدكتور محمد عبدالوهاب. كما يضم الكتاب مجموعة صور شخصية لم يسبق نشرها، إلى جانب باقة من الصور التي تسرد مشوارها الفني والإنساني.