مع استمرار المواجهة السلمية والجديرة بالاعجاب لذلك حول الانتخابات الرئاسية في أميركا، ليس من الضروري ترك ما يجري في فلسطين الى خلفية الصورة. لا شك أن تتابع التطورات في المعركة الرئاسية يؤخر تشكيل الفريق الذي سيساعد الرئيس الجديد على وضع وادارة السياسة الداخلية والدولية للقوة العظمى الوحيدة في العالم. وهذا ينطبق اكثر على جورج بوش الابن في حال فوزه، لأن بأمكان منافسه الديموقراطي آل غور الاعتماد على الفريق الحالي. الا ان التطور الجدير بالاهتمام، الذي لا بد ان يلقى ارتياحاً من القادة العرب، خصوصاً الفلسطينيين، هو اعلان المنسق الأميركي لعملية السلام دنيس روس نيته المغادرة بنهاية العام الجاري، بعد 12 سنة قضاها في موقعه النافذ في الخارجية الأميركية. وكان العرب شككوا منذ زمن بعيد في تجرد هذا الممثل الرئيسي للولايات المتحدة، "الوسيط النزيه" المفترض في عملية السلام، ولا شك ان العرب وجدوا ما يكفي من البرهان على صحة موقفهم في اعتراف روس أخيراً، كما قال واحد من مساعديه في مقابلة صحافية، بأن له "روابط عاطفية قوية بدولة اسرائيل". لكن روس قال في الوقت نفسه أن مشاعره الشخصية تجاه اسرائيل تتوافق في شكل تام مع سياسة الولاياتالمتحدة، التي أكدت دوماً على "العلاقة الخاصة" بين واشنطن والدولة اليهودية - وهو الخط الذي يكرره في الآونة الأخيرة الكثيرين من اليهود الأميركيين الميالين الى اسرائيل، داخل وخارج الادارة. لا عجب اذن في وجه هذه الوقاحة ان يدعو القادة العرب والمسلمون الى مشاركة دولية على الأصعدة الديبلوماسية والسياسية والأمنية في جهود السلام. وبدا ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يرفض في شكل قاطع إمكان ضم وحدات المراقبة الأمنية والعسكرية المقترحة الى لجنة تقصي الحقائق التي يقودها السناتور السابق جورج ميتشل، الوسيط السابق في قضية ارلندا الشمالية. ومعلوم ان تخويل أنان يأتي من مجلس الأمن، وهو منفصل تماما عن العملية التي يقودها ميتشل. وهناك اشارات مشجعة الى ان حكومة ايهود باراك قد توافق على قيام الأممالمتحدة بدور المراقب للوضع العاصف في غزةوالضفة الغربية. خلال ذلك على الحكومات العربية، بعدما أظهرت وحدتها في القمتين العربية والاسلامية، أن تبذل أقصى ما يمكن لتنوير الرأي العام العالمي عن القضية. من الأمثلة على الحاجة الماسة لذلك أن شبكات التلفزيون الأميركية الرئيسية الثلاث لا تذكر في نشرات الأخبار المسائية ان الضفة الغربيةوغزة أراض تحتلها اسرائيل. ولاحظت منظمة "النزاهة والدقة في التقرير" الأميركية من مقرها في نيويورك ان أربعة تقارير اعلامية فقط من بين 99 تقريراً عن الأحداث ما بين اندلاعها في 28 أيلول سبتمبر و2 تشرين الثاني نوفمبر ذكرت للمشاهدين ان اسرائيل تحتل تلك المناطق. وكانت رابطة الصحافيين العرب التي تشكلت اخيراً دعت الى ندوة في المركز الصحافي في واشنطن في 21 تشرين الثاني للبحث في التغطية الاعلامية لانتفاضة الأقصى . لكن رغم انحياز الاعلام الفاضح في التقارير والتحليلات عن المواجهة اللا متكافئة بين آلة الحرب الاسرائيلية والفلسطينيين المسلحين بالحجارة هناك استثناءات جديرة بالتقدير. من بين ذلك مقالات تشارلي ريس في صحيفة "أورلاندو سنتينيل"، المدافعة دوماً عن الفلسطينيين في كفاحهم من أجل تقرير المصير. هذا المعلق يستحق بالتأكيد احترام الهيئات الأميركية العربية والأميركية المسلمة. وكتب أواسط تشرين الثاني نوفمبر: "الأميركيون بالطبع لم يعرفوا معنى العيش تحت الاحتلال العسكري. ان على الفلسطينيين أن يحملوا دوماً أوراق هوية من نوع متميز. وعلى سياراتهم ان تحمل علامات خاصة. انهم فعلياً من دون حقوق. وقد صودرت اراضيهم وبنيت عليها المستوطنات اليهودية، فيما تتعرض مساكنهم للهدم او النسف. وقضت الجرافات على أشجار الزيتون التي تعود الى مئات السنين. اثناء ذلك يعاني الفلسطينيون في احيان كثيرة من "الاغلاق"، الذي يمنعهم من الوصول الى اماكن عملهم. كما يفرض عليهم مراراً حظر التجول، ما يعني انهم لا يستطيعون مغادرة مساكنهم لأي سبب. ولا يمكنك وقتها سوى الجلوس داخل المسكن الى ان يسمح لك المحتل الأجنبي بالخروج. وعندما يحتجون على هذه المهانات يتعرض بعضهم للقتل فيما تفرض عقوبات جديدة أشد قسوة من السابق على الباقين. وقد قامت منظمة "بتسليم" الاسرائيلية لحقوق الانسان بتوثيق هذه الممارسات، كما وثقتها هيئات المراقبة المسيحية". ويضيف: "قالت صحيفة بريطانية اخيراً ان الفلسطينيين لو كانوا سوداً لأجمع العالم على التنديد باسرائيل كدولة منفلتة. لكنهم لسوء الحظ ليسوا سوداً. اضافة الى فإن دعاة اسرائيل على قدر من المهارة، ولوبياتها على قدر من القوة، مكنها من اقناع غالبية الأميركيين أن اسرائيل هي ضحية العدوان. "الواقع ان عدد البحارة الأميركيين الذين قتلوا في تفجير المدمرة كول يفوق عدد القتلى بين جنود اسرائيل في الصراع الأخير. الظاهر ان "المعتدين" بالنسبة لاسرائيل هم اطفال في سن ال14 يرشقون جيشها بالحجارة. وأرى ان أي رجل يستطيع أن يركز ناظور بندقيته على وجه طفل ثم يقتله حيوان قذر لا يستحق ان يبقى على وجه الأرض". ويختم: "الأميركيون الذين لا يقفون ضد هذه الجرائم الممولة من قبلنا ضد الفلسطينيين، أو ضد حكومتنا وهي تمنع الأممالمتحدة من تقديم المساعدة، هم شركاء في الجرم. تذكروا! الله موجود، ولا بدء للعدل ان يسود عاجلاً أم آجلاً"... شكراً يا تشارلي ريس لوقوفك مع الفلسطينيين. * كاتب وصحافي عربي، واشنطن