يواجه المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل معركة على جبهتين، فإضافة إلى صدامه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يرفض تجميد الاستيطان، بات ميتشل هدفاً لحملة إعلامية شرسة يشنها اليمين اليهودي الأميركي الذي استنفر قواه أخيراً للنيل من سمعته والضغط على إدارة الرئيس باراك أوباما لتغيير المعادلة. وفي خضم مفاوضاته مع نتانياهو ووزير دفاعه إيهود باراك لضمان تجميد كامل للاستيطان تماشياً مع «خريطة الطريق» وتمهيداً لإطلاق المفاوضات، يتعرض ميتشل لحملة يمينية تنتقد أداءه ومواقفه من إسرائيل. فمن مقال للمحلل الاسرائيلي ألوف بن نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أول من أمس ينتقد الضغوط الأميركية لتجميد الاستيطان، إلى دراسة ل «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أجراها المسؤول السابق في إدارة جورج بوش مايكل سانغ عن «الوسيط النزيه»، واعترض فيها على جهود ميتشل وسلوك الادارة «التي حجمت ثقة إسرائيل في الولاياتالمتحدة»، تسير القاعدة اليمينية للوبي اليهودي بحملة وتيرتها منتظمة في انتقادتها لأوباما والمبعوث الايرلندي الأصل صاحب الجذور اللبنانية. وتأتي هذه التقارير بعد تسريبات أخيرة لمستشار الرئيس السابق جورج بوش القريب من حزب «ليكود» الإسرائيلي إليوت ابرامز عن «احتمال تقاعد ميتشل» نهاية العام، وأخرى في نفس السياق للمسؤول السابق في لجنة العلاقات الأميركية - الاسرائيلية «ايباك» ستيف روزن. وتتطابق هذه الأجواء مع «التصرف الإسرائيلي وسلوك تل أبيب في أي نوع من المفاوضات»، برأي الخبير في معهد «نيو أميركا فاوندايشن» أمجد عطا الله الذي يقول ل «الحياة» إن هذا السلوك «ليس مفاجئاً». ويضيف أن «الإسرائيليين واللوبي اليميني في واشنطن اتبعوا النهج نفسه في المفاوضات مع الفلسطينيين، إما من خلال الهجوم الشخصي على مفاوضي السلطة أو من خلال تسريبات تحوِّل الانتباه عن المحور الأساس للمفاوضات، وتستبقها بمواقف متشددة تلهي الطرف الآخر، وأحياناً تتطيح بالعملية بأكملها». ومن هنا يفسر عطا الله الانتقادات الإسرائيلية لميتشل، وجهود تل أبيب لتسريب معلومات مغالطة عن مواقف واشنطن من الاستيطان أو تشدد نتانياهو في مسألة القدس بدل المواضيع الأساسية على طاولة المفاوضات. وأجبرت هذه التحركات وزارة الخارجية الأميركية على تكريس الكثير من الوقت لنفي أو تصحيح التسريبات الإسرائيلية، كما دفعت ميتشل إلى الرد على إشاعات تقاعده نهاية العام. وفي ما عدا سيناريو المفاوضات، يرى عطا الله الذي كان مستشاراً سابقاً لفريق المفاوضين الفلسطيني أن الإدارة الأميركية «أكثر حنكة» وتعلمت كيفية التعاطي مع الجانب الاسرائيلي من تجارب سابقة مع نتانياهو (أيام بيل كلينتون) ومن أخطاء إدارة الرئيس السابق بوش. ومن هنا كان تأكيد أوباما لمجموعات يهودية - أميركية أن المعارضة الضمنية للمستوطنات التي أبداها بوش غير كافية، وأن هناك ضرورة للضغوط العلنية في هذه المسألة. ويلفت إلى أن رهان نتانياهو والمتشددين في الداخل الأميركي على تغذية انقسامات في ادارة أوباما أو اللعب عليها، «لن يكون بهذه السهولة». ووظف هذا الرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في تعاطيه مع إدارة بوش، من خلال محاولة تحجيم وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس بالتواصل مع ابرامز وشخصيات أخرى متشددة في مجلس الأمن القومي. وتسجل الحكومة الإسرائيلية واليمين الأميركي مآخذ على فريق ميتشل المؤلف من نائبيه فريديريك هوف وديفيد هايل (سفير سابق لدى الأردن) ومساعدته مارا رودمان، وكون نائبيه من الأصوات المعتدلة في الساحة الأميركية في ما يخص النزاع العربي - الإسرائيلي، كما يبدي الجانب الإسرائيلي تحفظات عن مستشار الأمن القومي جيم جونز الذي وصل تل أبيب أمس برفقة المسؤول في مجلس الأمن القومي عن المنطقة دنيس روس القريب بدوره من الجانب الإسرائيلي، خصوصاً حزب «العمل». وفيما يعوِّل الجانب الإسرائيلي كما يشير عطا الله على شق الصف بين فريق جونز وروس من جهة، وميتشل من جهة أخرى، تقطع صرامة الإدارة والانضباط الذي يفرضه أوباما الطريق أمام سيناريو كهذا.