اهتزت مدينة عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية والميناء الأول لليمن على دوي انفجار هائل عند الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 12 تشرين الأول اكتوبر الماضي، كان كافياً لأن يجعل المدينة وسكانها في حالة ذعر صامت وهدوء مصحوب بالخوف وسكينة شبه تامة في حركة الناس والسيارات لأكثر من ساعتين باستثناء سيارات الاسعاف والشرطة ورجال المطافئ بصفاراتها المدوية المفزعة تجوب شوارعها باتجاه ميناء عدن ذهاباً واياباً بسرعة استثنائية... الانفجار وقع نتيجة عمل هجومي انتحاري على المدمرة الأميركية كول اثناء تزودها بالوقود وهي راسية في العمق المائي للميناء نفذه مجهولان بواسطة قارب صيد صغير مليء بمواد متفجرة اصطدم بجسم المدمرة بغتة وبسرعة هائلة واسفر عن مقتل 17 من جنود البحرية الأميركية وجرح أكثر من 35 آخرين. الحادث الهجومي على المدمرة كول وقع بعد يوم واحد من وصول الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الى عدن التي اعتاد ان يقضي فيها أياماً من فصل الشتاء. وكان أول من صرح لوسائل الإعلام اليمنية والأميركية بأن الانفجار وقع من داخل المدمرة كول في حين أعلنت واشنطن بعد ساعات قليلة أن الهجوم "إرهابي" عبر زورق مطاطي على متنه شخصان بحسب رواية الذين كانوا على سطح المدمرة لحظة وقوع الحادث. غير أن علي عبدالله صالح تراجع عن تصريحاته السابقة بعد 24 ساعة وأكد بحسب مؤشرات ومعلومات الأجهزة الأمنية اليمنية أن الحادث "مدبر" وتخريبي بفعل فاعل... لتنطلق بعد ذلك قوافل القوات الأميركية والمحققون وفرق الاسعاف والانقاذ الى عدن وتشكل تواجداً أميركياً عسكرياً هو الأول في حجمه وكثافته ونوعيته على الأراضي اليمنية... ما اضطر الرئيس اليمني الى أن يرد على تصريحات اعلامية حكومية ومستقلة كانت رأت في الوجود العسكري الأميركي احتلالاً لعدن وفرض هيمنة على السيادة اليمنية. وأكد صالح أن الوجود الأميركي محدود وموقت ومرهون بنتائج التحقيقات، مشيراً الى ان الأجهزة اليمنية هي التي تباشر التحقيق وهي التي توصلت الى نتائج ايجابية خلال أقل من 35 ساعة. أجهزة الأمن اليمنية اعتقلت المئات من المواطنين والمشتبه في تورطهم أو علاقتهم بمنفذي الحادث، واستجوبت كثيرين ثم افرجت عن معظمهم تدريجاً وأبقت على بعضهم خصوصاً من العناصر التي تنتمي الى جماعات اسلامية متشددة مثل "الجهاد" و"الافغان العرب واليمنيين" للاشتباه في تورط اسامة بن لادن في التخطيط والتمويل للعملية الهجومية ضد المدمرة كول. وفي الثلاثين من الشهر نفسه غادرت المدمرة كول ميناء عدن مسحوبة بقوارب بحرية يمنية الى عمق بحري يبعد 10 كيلومترات من موقع الحادث الى حيث كانت تنتظرها سفينة نقل عملاقة نرويجية لقطرها الى الولاياتالمتحدة الأميركية، ومعها غادرت شواطئ عدن بضع سفن عسكرية أميركية وحاملة مروحيات وآلاف عدة من الجنود الأميركيين. وتلاشت تدريجاً الاحتياطات الأمنية اليمنية المشددة لحماية الأميركيين في عدن وانحسر عدد المحققين التابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالي اف بي آي وخبراء آخرين الى اقل من سبعين عنصراً لاستكمال مهمات التحقيق المشترك مع الأجهزة اليمنية. ولم يتمكن هؤلاء من استجواب المتهمين لأن القوانين اليمنية تمنع أي طرف أجنبي من ذلك على رغم مطالبة واشنطن وضغوطها على الحكومة اليمنية... وأخيراً توصل الجانبان اليمني والأميركي الى اتفاق في بداية شهر كانون الأول ديسمبر يسمح للمحققين الأميركيين بتقديم اسئلتهم الى المتهمين عبر المحققين اليمنيين ويعطيهم الحق في الحضور اثناء الاستجواب. الاجراءات الأخيرة للتحقيقات أبقت على ستة متهمين منهم اثنان متورطان في العملية، وهناك متهم ثالث يعتقد بأنه الرأس المدبر لها والمخطط والممول ويدعى محمد عمر الحرازي لا يزال فاراً والبحث عنه يتواصل بوتيرة عالية داخل اليمن وخارجه. وعلى رغم ان الحكومة اليمنية والسلطات الأميركية لم توجه الاتهام رسمياً الى ابن لادن، فإن المؤشرات تؤكد ضلوع جماعة متشددة تنتمي الى تياري الجهاد الاسلامي والافغان اليمنيين في الحادث، وأن منفذيه والمشاركين فيه يمنيون... ولا تزال التحقيقات مستمرة.