تعود بداية قصة لعبة بوكيمون الى التسعينات عندما تخيّل ساتوشي تاجيري في اليابان عالماً جديداً تغزوه الحشرات والوحوش وجعل الانسان يطاردها. كانت هوايته جمع الحشرات فاستقطبت شركة - ننتندو - الشهيرة هذه الفكرة وطورتها وحصلت على امتيازات كبيرة في طبع البطاقات المتنوعة حيث يتعين على لاعب البوكيمان أن يجمع 150 شكلاً مختلفاً من أشكال الحيوانات الصغيرة. وأخرجت العاب الكومبوي فأنتجت منها ما يعادل مليون بيعت خلال ستة اشهر وحصل ساتوشي تاجيري مخترع تلك اللعبة التي انتشرت في اليابان أولاً على حق الامتياز ثم انتشرت في بلدان آسيا واكتسحت الآن العالم وحققت مبيعاتها مليارات الدولارات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. اصبح الأطفال يترنمون بأسماء تلك المخلوقات ويحلمون بها ليلاً وقبلها اخرجوا لعبة - البوجز - وهي عبارة عن قطع كرتونية صغيرة يدقونها بعضها ببعض. لكن البوكيمون أصبحت الآن في المقام الأول مجموعة من البطاقات الملونة التي رسمت عليها هذه المخلوقات تباع في الأسواق بين 30 وأربعين فرنكاً. وأنتجت الشركة مجموعات من الملابس والأحذية وحتى المفروشات وطور الغرب هذه الفكرة أيضاً وتبارت شركات التقليد لإنتاج أشكال وأشكال بلغ عددها 250 شكلاً وتدافع الناس إلى اليابان للحصول على امتيازات من الشركة الأصلية لإنتاج نماذج جديدة. وفي تقرير مصوّر أذاعته إحدى محطات التلفزة الأميركية عن مؤسسة ننتندو - حيث يعمل أكثر من 40 ألف موظفَ ان الفريق التلفزيوني منع من الدخول للتصوير داخل مقرها حيث يقوم الرسامون والمصممون برسم نماذج البوكيمون. وكلمة بوكيمون لا تحمل صيغة الجمع. انها مخلوقات تتطور وتستنسخ بعضها بعضاً منها يعيش في الأرض وآخر في الماء وآخر في السماء والنار وهكذا منها لشرير ومنها الطيب. يبيع التاجر مجموعة البطاقات وفيها أشكال مزدوجة يقوم الأطفال بجرها وتبادلها في ما بينهم، لذلك يعود الطفل لشراء مجموعات اخرى ليكتمل عدد التشكيلة وتوحيدها وقد يضطر إلى شراء خمس او ست مجموعات للحصول على العدد الكامل الموحد. يعيش بوكيمون طفلاً صغيراً عمره عشر سنوات مع أمه وبقربه صديقه الذي غدا منذ فترة خبيثاً عدائياً ومعه مدرباه ساشا وناندي. وسيكون في هذه اللعبة الخصم اللدود وفي سباق البوكيمون. واخرجت شركات "ننتندو" للتلفزيون افلام كارتون منوعة حول مغامرات "بوكيمون" ومن بين شخصيات الرواية البروفسور "شين" المتخصص ب"بوكيمون"، يعيش ايضاً في ضاحية "بورج بالبيت". وتدفعه ميوله لمتابعة سباق "بوكيمون" نحو النصر ويصبح مدرباً لها. فهدف اللعبة اولاً وأخيراً القبض على "بوكيمون" بواسطة كرة "بوكيمون". ومن يجمع أكبر كمية منها فهو الرابح ويتطلب ذلك زيارة الى بلاد "بوكيمون" والعيش قربها وملاحقة ابطالها ومراقبتها وتدريب قسم منها على انواع القتال والحرب. قد تظنون ذلك سهلاً، ولكن ليس الأمر بهذه السهولة أولاً: يستلزم ذلك المال لشراء المزيد منها وثانياً: القدرة على تدريب مخلوقاتها وجعلها أكثر قدرة على القتال والحرب. وتنتمي فئات أسرة بوكيمون الى عالم المياه والكهرباء والأرض والنار، وهكذا فكل صنف يمتلك خصائصه وقدراته القتالية، فمثلاً بمقدور "بوكيمون" الكهربائي ان يقذف النار ليسحق خصمه، في حين يستعمل بوكيمون المائي مسدس الماء ليصل الى غاياته. وهكذا تدور المعارك. لقد سحرت هذه المخلوقات الأطفال حتى انهم يحلمون بها ليلاً ويصيحون في فراشهم - بيكاشو - اين انت انه عالم البوكيمون الكبير. ويذهب الأطفال لزيارة اصدقائهم لتعلم المزيد عن اسماء هذه المخلوقات وحفظها وتعداد قدرة الطفل على حفظها كبيرة. إذ قال أحد المربين "اصبح الاطفال اكثر قدرة على حفظ اسماء "بوكيمون" من حفظ دروسهم، وتمثل أشكالها المجتمع بكامله". هكذا نجحت العولمة بالدخول الى بيوتنا واصبح الطفل قابلاً لتفهم مجتمع الاستهلاك. وشكا والد من شراء ابنه لتلك البطاقات التي لا تنتهي العابها، وهو يخصص له ميزانية شهرية لشراء احدثها. إنها مخلوقات العولمة الحديثة. وهكذا زحفت اشكال "بوكيمون" وبقوه حيث شارك مؤخراً في فرنسا اكثر من 6000 طفل بين السابعة والثانية عشرة في مباريات بوكيمون - ستاديوم، والتي نظمت في تموز يوليو الماضي في باريس. لا يستطيع الاطفال بالطبع الثورة على عالم العولمة في نمطية استهلاكها. فهل يعي الآباء اخطار هذه الظواهر أم أن العالم العربي غير قادر على انتاج نماذج اخرى اكثر فائدة من "بوكيمون" ليتسلى الطفل العربي بالعاب خلاقة تنمي خياله بالعاب مفيدة بعيداً عن روح العدائية والقتال والشر ومفيدة ومستوحاة من وسطه الاجتماعي والتربوي. قد يكون هذا الموضوع محور ندوات ستعقد قريباً في العالم العربي تتناول أثر العولمة ونمطية الاستهلاك الجديدة في عقلية الطفل العربي.