} للمرة الاولى منذ توليه الرئاسة الجزائرية، قبل سنة ونصف سنة، امتنع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن القاء كلمة امام الاجتماع الطارئ لملوك ورؤساء الدول العربية الاخير في القاهرة. وأفادت دوائر سياسية وديبلوماسية في الجزائر ان صمت الرئيس بوتفليقة يعود اساساً الى بروز خلافات عميقة بينه وبين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في شأن المواقف الرسمية الاخيرة من انتفاضة الاقصى. وتلقت شبكة التلفزيون الجزائرية تعليمات شفوية بعدم بثّ الحدث العربي في تغطية مباشرة، الامر الذي أثار انتباه بعض الصحف المحلية مثل "الوطن" و"الخبر". دأب الرئيس الجزائري على إلقاء الخطب وإجادة فنها خلال مشاركته في القمم والتظاهرات الدولية او الاقليمية فضلاً عن اجراء العشرات من الحوارات مع وسائل الاعلام الدولية. لكنه للمرة الاولى تخلّف عن القاء كلمة امام القمة العربية الاخيرة التي عقدت في القاهرة. ورفض كل المقرّبين الى الرئيس بوتفليقة مثل وزير خارجيته السيد عبدالعزيز بلخادم "تبرير" موقف رئيس الجمهورية وتحفظوا عن الادلاء بأي تصريح. وللمرة الاولى منذ الاستقلال قررت الحكومة منع مسيرات مؤيدة للشعب الفلسطيني كما تحفظت عن ابداء مواقف ازاء تطورات الوضع في الاراضي المحتلة ولم تكلّف مؤسسات الدولة نفسها عناء ابداء احتجاجها على اعتداءات القوات الاسرائيلية. وكانت الجزائر تدافع عن القضية الفلسطينية ونُقل عن كل الرؤساء السابقين قولهم "اننا مع فلسطين ظالمة او مظلومة". ومنعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية مسيرة تضامنية مع انتفاضة الاقصى دعت اليها حركة الوفاء والعدل، وحركة الاصلاح الوطني وحزب العمال، وبرّرت ذلك المنع بأنه لأسباب "امنية"، واستخدمت اجهزة مكافحة الشغب للحيلولة دون انطلاقها ووضعت شروطاً عدة لعقد التجمعات الشعبية في القاعات المغلقة من بينها اخطار السلطات الادارية قبل اسبوع من تاريخ الاجتماع. وتخلّفت وزارة الخارجية عن ابداء اي موقف وهي التي كانت سبّاقة الى التعبير عن مواقفها حتى في ما يتعلق بالصراع في مملكة ليسوتو. وذكر ديبلوماسي جزائري في اوروبا ان المصالح القنصلية تلقت تعليمات كتابية تضمنت الطلب من المسؤولين "الحرص على تجنيب الجالية الجزائرية من المشاركة في اي تجمعات او تظاهرات احتجاجية" الى جانب الشعب الفلسطيني. وكانت وزارة الشؤون الخارجية تتجنب في السابق اصدار مثل هذه التعليمات ما دامت لا تعنيها مباشرة. ولاحظت اوساط سياسية حرص الرئيس الجزائري، في ختام قمة القاهرة، على تهدئة الوضع واللقاء في شكل عابر مع الرئيس ياسر عرفات وبث التلفزيون الجزائري مشاهد من اللقاء. وفسّر سفير سابق خطوة الرئيس الجزائري بمحاولة تبييض صورته امام الرأي العام الوطني بسبب نشر بعض الصحف تعليقات عن رفضه لقاء عرفات. لكن الرئيس بوتفليقة لم يفوّت الفرصة من أمام عدسة التلفزيون الوطني ليسجل بعض النقاط مثل كونه صاحب الفضل في ادخال الرئيس عرفات الى جلسة الجمعية العامة للامم المتحدة لدى ترؤس الجزائر اعمال دورة سنة 1974. ويؤكد رئيس سابق للديبلوماسية الجزائرية قوة تلاحم الجزائريين مع القضية الفلسطينية ويقول: "لم يبخل الجزائريون بتضامنهم مع القضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني العادل". غير ان السيد سيد احمد غزالي يلاحظ في تصريح ل"الحياة" تقلباً في الموقف الجزائري ويقول مشيراً الى المواقف الاخيرة للرئاسة الجزائرية "ان مما يصدم النفس ان نرى السلطة مبحرة من طرف الى آخر في خضم من التهافت والغموض تارة بيد تمتد لمصافحة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك مصافحة قوية، لكن ما ان ينقضي اسبوع حتى نتراجع عن ذلك وحينها نشاهد او نسمع بوفرة مظاهر الرعاية متعددة الاشكال من تقليد بالأوسمة ومدّ للبساط الاحمر يقصد منح الفنان اليهودي روجي حنين وسام العشير الوطني. ويخلص وزير الخارجية الاسبق الى ان "في الوقت الذي يحتاج الفلسطينيون الى دعم لا حدود له نؤثر اجهادهم او نهاجم ساستهم وكأن القضية الفلسطينية لم تكن واجباً تاريخياً ثابتاً لا يجوز لأحد ان يتملص منه وكأن مثل هذا الواجب رهن بمشيئة شخصية او بنوازع اهواء او تقلبات مزاج. ان العقيدة الجزائرية في مجال التضامن مع الفلسطينيين والمتمثلة في الكلمة المأثورة ظالمة او مظلومة، هوجمت من كل جهة للمرة الاولى في تاريخنا. ان احد أنبل مكونات ثقافتنا السياسية هي التي أُهينت وأُسيئت معاملتها". والواقع، كما يذكر ديبلوماسي متقاعد، ان الخلافات بين عرفات وبوتفليقة بدأت مع محاولات الرئيس الجزائري قبل فترة فرض رؤيته على الرئيس الفلسطيني من خلال اشتراط بعض الاعتبارات البروتوكولية مثل ان يزور السيد عرفاتالجزائر قبل بقية دول اتحاد المغرب العربي على اساس ان الجزائر كانت دوماً صاحبة الفضل في ايواء الفلسطينيين ودعمهم. لكن حرص الرئيس عرفات على الاستمرار في الاستراتيجية نفسها السابقة في التعامل مع مسؤولي دول الجوار دفع الرئيس الجزائري الى توجيه سلسلة من الانتقادات الى الرئيس الفلسطيني عبر قنواة فضائية. لكن ثمة توجهاً آخر في الحكم الجزائري يعتقد بأن تغيير الرئيس الجزائري مواقفه من القضية الفلسطينية يعود اساساً الى رغبته في ان يكون له موقف متزن من القضية سواء في ما يتعلق بالطرف العربي او الاسرائيلي، ويبررون ذلك بعدد من التطورات التي ميّزت الموقف الجزائري ومن ذلك المصافحة التاريخية بين بوتفليقة وباراك والتي تُعدّ الاولى من نوعها لمسؤول في الحكم. وتُعدّ زيارة الوفد الاعلامي الجزائري الى اسرائيل نتيجة اساسية لهذا المسعى الذي كان يستهدف بالدرجة الاولى اختراق الرأي العام الوطني في خطوة "تاريخية". وان كان الرئيس الجزائري تجنّب ان يكون تعليق الرئاسة الذي وصف فيه زوار الدولة العبرية ب"الخونة" صادراً باسمه مباشرة وفضّل ان يكون التعليق منسوباً لرئاسة الجمهورية، فان تصريحه الاخير لقناة "المستقبل" اللبنانية الذي جاء فيه تأكيده "حرية كل جزائري التنقل الى حيث ما شاء" يؤكد ان نيّات الرئاسة الجزائرية لم تكن نزيهة بدليل ان الرئيس بوتفليقة نفسه يشير في الحوار ذاته الى رفض بلاده "اي مزايدة من الاشقاء او الاصدقاء بخصوص العلاقات مع اسرائيل".