يوم المرحلة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية المصرية كان يوماً دامياً إذ تحول في قرية العمار الكبرى في محافظة القليوبية إلى معركة طاحنة بين أنصار مرشحين منشقين عن الحزب الوطني الحاكم والشرطة أسفرت عن مقتل اربعة اشخاص. وعلى بعد كيلومترات حيث مدينة شبرا الخيمة حرق متظاهرون باصاً عاماً ورشقوا الشرطة بالحجارة ووقع صدام بين الطرفين اسفر عن مقتل مواطن خامس. راجع ص5 وارتبطت هذه الأجواء المتوترة بممارسات نسبت إلى الأجهزة الرسمية من أجل تعزيز مواقع الحزب الوطني. وقدر سُئل الرئيس حسني مبارك بعدما أدلى بصوته عما سيحدث للحزب بعد الانتخابات، فأجاب: "إن شاء الله سنعيد ترتيب البيت". ولخصت العبارة الشعور بالأزمة التي عاناها الحزب الحاكم في الانتخابات وما كشفته من انهيار في شعبيته واهتزاز في قواعده. وعلى رغم محاولات "الحرس القديم" للحزب تحسين صورته باللجوء إلى حيلة ضم المرشحين الذين فازوا في الانتخابات بعدما خاضوها كمستقلين باعتبار أنهم "ابناء الحزب وعادوا إلى احضانه"، لم تنطل الحيلة على كثيرين فارتفعت أصوات محسوبة على الحكومة ومن داخل الحزب نفسه تطالب بالتغيير واعادة ترتيب البيت. وبدا أن الحرس القديم في الحزب استنفر كل قواه في انتخابات "الفرصة الأخيرة" أمس لتعويض الخسائر ومقاومة تيار التغيير والقضاء على كابوس زحف رموز جماعة "الإخوان المسلمين" إلى البرلمان. وجرت الجولة وسط استنفار أمني غير مسبوق. وشهدت وقائع عكست حرصاً من "الوطني" على عدم التفريط بأي مقعد حتى في باقي دوائر المعارضة. ودفع خمسة مواطنين حياتهم ثمناً لهذا المناخ، حتى أن عمليات الاقتراع لم تجر في مناطق عدة، بعدما وقعت مصادمات بين الشرطة والأهالي الذين احتجوا على منعهم من الاقتراب من اللجان اسفرت ايضاً عن وقوع عشرات الجرحى. وبالطبع كانت الدوائر التي خاض فيها سبعة من رموز "الإخوان" الانتخابات هي الأكثر سخونة حيث نصبت حواجز أمنية بالقرب من مواقع لجان الاقتراع. وقالت مصادر الشرطة ان الهدف من هذه الاجراءات هو توفير الأمن، في حين قال "الإخوان" انها أعدت لمنع ناخبيهم من الوصول إلى الصناديق واعتقال كل من يصر على الوصول إليها. وأدت هذه الأجواء المشحونة إلى غضب شعبي في دوائر أخرى ووقعت معركة في قرية العمار الكبرى في محافظة القليوبية بين أنصار مرشحين منشقين عن الوطني والشرطة أسفرت عن مقتل اربعة. وفي مدينة شبرا الخيمة حرق متظاهرون باصاً عاماً ورشقوا الشرطة بالحجارة ووقع صدام بين الطرفين اسفر عن مقتل مواطن. ووجد مرشحو المعارضة والمستقلون أنفسهم، ربما للمرة الأولى في الانتخابات الأخيرة، في الموقف الذي عاشه مرشحو "الإخوان" في الجولتين السابقتين. واعتبر أقطاب حزب الوفد أن ما حدث "ضرب الديموقراطية بشدة". وكان لافتاً أن سلوك الوطني تجاوز الحرص على تفادي وقوع ما يهدد الوحدة الوطنية، إذ استنفر كل قواه لمناصرة الوزير القبطي يوسف بطرس غالي الذي رشح في دائرة شبرا حيث تحدث منافسه المستقل الدكتور مدحت عبدالهادي عن منع السلطات المسلمين من التصويت مخافة أن يقترعوا ضد الوزير. وبدا الوضع مخالفاً تماماً في دائرة الوايلي القريبة حيث خاض القطب البارز في حزب الوفد منير فخري عبدالنور، وهو قبطي لاقى مساندة كبيرة من قوى سياسية أخرى منها "الإخوان"، إذ أكد عبدالنور أن الاجهزة الادارية والأمنية مارست تجاوزات ضده ومنعت ناخبيه من الوصول إلى الصناديق. وعلى رغم الانطباع السائد في الأوساط المصرية بقرب الصحافي مصطفى بكري من الدوائر الحكومية في منافسته المستقل وزير الأوقاف السابق الدكتور محمد علي محجوب ، إلا أن بكري اتهم الشرطة بالقبض على ناخبيه واطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم وابعادهم عن مراكز الاقتراع. ولم تكن شكواه الوحيدة فغالبية المرشحين من غير المنتمين إلى الحزب الحاكم اشتكوا مثله، وذكروا أن الحواجز الأمنية كانت حائلا بين ناخبيهم ولجان الاقتراع، وأن القنابل المسيلة للدموع كانت من نصيب من أصروا على أداء واجبهم الانتخابي. وحين نُقلت صناديق إلى مقار اللجان العامة كان مواطنون اغلقوا بعض الطرق وتواجهوا مع قوات الشرطة.