اتجه الوضع السياسي في بلغراد إلى الاستقرار لمصلحة الرئيس الجديد فويسلاف كوشتونيتشا، الذي أدى اليمين الدستورية أمام مجلسي البرلمان، بعدما اعترفت اللجنة الانتخابية بفوزه في الدورة الأولى، وأعلن الجيش ولاءه له، فيما اعترف سلوبودان ميلوشيفيتش والأحزاب المؤيده له به رئيساً. وأعلن الرئيس الجديد أنه لن يسلم ميلوشيفيتش إلى محكمة جرائم الحرب، أما المصير الذي ينتظر الرئيس السابق فغير معروف، ففيما غادر ابنه وعائلته بلغراد إلى موسكو، أعلن ناطق باسم ميلوشيفيتش أنه سيبقى في يوغوسلافيا. وبعدما غادر وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف بلغراد اثر نجاح وساطته في تهدئة الأوضاع بين الأطراف السياسية، وصل إليها وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو قادماً من باريس، حيث اجتمع مع نظيره الفرنسي هوبير فيدرين الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، وناقشا تطور الأوضاع في البلقان. وأفاد باباندريو بعد اجتماعه مع كوشتونيتشا أن الشعب اليوغوسلافي "اختار الديموقراطية ليس لبلاده وحدها، بل لكل منطقة البلقان". وأعرب عن سعادته بما حصل وأمانيه في عودة يوغوسلافيا إلى المجتمع الأوروبي "على رغم أن كثيراً من الوقت فاتها". وأدى كوشتونيتشا أمس اليمين الدستورية أمام نواب مجلس البرلمان الذين اجتمعوا في إحدى قاعات مركز "سافا للمؤتمرات" في بلغراد بسبب الأضرار التي كان ألحقها المتظاهرون بمبنى البرلمان الاتحادي. وشارك في الاحتفال بتنصيب كوشتونيتشا، إضافة إلى نواب المعارضة السابقة، نواب ينتمون إلى الحزب الاشتراكي بزعامة ميلوشيفيتش و"اليسار اليوغوسلافي الموحد" بزعامة زوجته ميرا ماركوفيتش، ونواب الاشتراكي الشعبي للجبل الأسود المؤيد لميلوشيفيتش ويتزعمه رئيس الحكومة الاتحادية رئيس الجبل الأسود السابق مومير بولاتوفيتش. وكان ميلوشيفيتش، ألقى بياناً مقتضباً نقلته محطات التلفزيون، هنأ فيه كوشتونيتشا رئيساً ليوغوسلافيا، وأشار إلى أنه سيواصل حياته السياسية من خلال العمل على تقوية "الحزب الاشتراكي" الذي يتزعمه. وجاء بيان ميلوشيفيتش بعدما اجتمع مع كوشتونيتشا لمدة ساعة في القصر الجمهوري. وذكر تلفزيون بلغراد أن كوشتونيتشا تعهد له "بعدم الحاق أي أذى به وتوفير الحماية اللازمة له وضمان حقه في العمل السياسي". وأبلغ مصدر قيادي في الحزب الاشتراكي "الحياة" ان ميلوشيفيتش سيبتعد عن الحياة السياسية سنة على الأقل "للراحة بعد عمل متواصل لأكثر من عشر سنوات". وأشار إلى أنه "لا يستبعد أن يقضي جزءاً من هذه الاجازة في منتجعات إحدى الدول الصديقة". وأشار المصدر إلى أن الحزب الاشتراكي سيعقد مؤتمراً عاماً له، لتقويم عمله وأسباب تراجع الناخبين عنه، وسينتخب قيادة جديدة "سيكون ميلوشيفيتش على رأسها رسمياً". وأكد هذا المصدر أن أخطاء كثيرة ارتكبها قياديون في الحزب في استغلال مناصبهم الرسمية للمصالح الشخصية "سيجري تشخيصها، والأضرار التي أصابت الحزب بسببها". وبدأت تظهر معلومات عن الكسب غير المشروع لميلوشيفيتش نفسه، وقال الزعيم المعارض ملاجان دينكيتش إن ميلوشيفيتش خطط لتهريب كميات كبيرة من ذهب خزينة الدولة بالطائرة التي كان ينبغي أن تقلع من مطار بلغراد إلى الصين الجمعة الماضي "ولكنني أحبطت المحاولة". وأوضح أنه علم بهذا التهريب من مصادر خاصة، فطلب من مسؤولين في المطار تأخير سفر الطائرة واخراج الذهب منها، وحذرهم بأنهم "ان توانوا فإنه سيرفع دعوى جنائية ضدهم". ووصف تهنئة ميلوشيفيتش كوشتونيتشا بأنها "ربما كانت مرتبطة بمخطط تهريب الذهب ومن ثم اللحاق به". وقال: "المهم اننا لم نسمح بتهريب الذهب". لكن دينكيتش لم يوضح في تصريحه الذي نقلته وكالة "بيتا" من بلغراد كيف خرج هذا الذهب من الخزينة ومن ساعد في ذلك؟ ومن جهة أخرى، ذكرت أنباء من أثينا، أن رجل أعمال صربياً قتل صباح أمس بعدما أعلن عن ممتلكات وأرصدة ميلوشيفيتش في اليونان وقبرص. وذكرت وكالة "بيتا" أن ماركو ابن ميلوشيفيتش وزوجته ميليتسا وطفلهما، غادروا صباح أمس على متن طائرة الخطوط الجوية اليوغوسلافية يات المتجهة إلى موسكو. وكانت مدينة الملاهي "مادونا" التي يملكها ماركو في مدينة بوجاريفاتس 100 كلم شرق بلغراد، مسقط رأس ميلوشيفيتش وزوجته تعرضت لأضرار بعدما هاجمها حشد من حوالى 30 ألف متظاهر أول من أمس الجمعة. وسارعت واشنطن إلى التأكيد أنها لن تقبل أي دور سياسي مستقبلي لميلوشيفيتش، مشيرة إلى أنها سترفع العقوبات عن يوغوسلافيا "بعد استتباب الأمور فيها". وفسر المراقبون هذا التصريح عن رفع العقوبات، بأنه يشير إلى أنه سيتم مقابل شروط، في مقدمها مسألة تسليم ميلوشيفيتش إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي. لكن كوشتونيتشا شن هجوماً أول من أمس، من تلفزيون بلغراد، على محكمة جرائم الحرب، وقال: "لن اقيم أي علاقة مع هذه المحكمة، لقد تحدثت أكثر من مئة مرة عن الموضوع، ولا أريد أن أعيد ما ذكرته وأضاف: "دعوهم يقولون ما يشاؤون في تقديم ميلوشيفيتش، وليعلموا أني لن اسمح بتسليمه". وعرف نفسه أنه "قومي صربي ديموقراطي" نسبة إلى التنظيم الذي يتزعمه "الحزب الديموقراطي الصربي"، وذكر أن في مقدم أولوياته "إنهاء معاناة الشعب اليوغوسلافي المعيشية وضمان بقاء كوسوفو داخل يوغوسلافيا وحل المشاكل القائمة مع جمهورية الجبل الأسود، وإقامة علاقات طبيعية مع كل أطراف المجتمع الدولي واجراء انتخابات برلمانية جديدة". وذكرت وكالة أنباء "بيتا" أن ماركو ميلوشيفيتش، نجل الرئيس اليوغوسلافي السابق، غادر بلغراد أمس متوجهاً إلى موسكو برفقة عائلته. وأضافت الوكالة نقلاً عن مسؤولين في مطار بلغراد ان الطائرة التي أقلت ماركو ميلوشيفيتش وزوجته وابنه اقلعت الساعة الثامنة والنصف صباحاً. وتابعت ان نجل الرئيس السابق غادر على متن رحلة عادية تابعة لشركة الطيران اليوغوسلافية متوجهة إلى موسكو. وكان ميلوشيفيتش أعلن في تصريح مساء أنه سيخصص مزيداً من الوقت من الآن وصاعداً لعائلته وحفيده ماركو. ويقيم نجل ميلوشيفيتش في بوزاريفاتس 80 كلم شرق بلغراد، حيث يملك شبكة تجارية تدعى "مادونا" تضم مخبزاً ومعملاً للحلويات، دمرها أنصار المعارضة الذين كانوا يتظاهرون لارغام الرئيس السابق على الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية. وخرب المتظاهرون مخزن العطورات الفخم الذي يحمل اسم "سكاندال" ويملكه ماركو ميلوشيفيتش في وسط بلغراد. وارغمت حديقة للأطفال تحم اسم "بامبيلاند" تم بناؤها في بوزاريفاتش خلال فترة قصف الحلف الأطلسي في ربيع 1999 على اغلاق أبوابها بسبب احجام الزوار عن ارتيادها. وكانت مقاطعة الزبائن والزوار هذه نذيراً بانهيار امبراطورية ماركو ميلوشيفيتش الذي ذكرت الصحافة أنه مرتبط بصورة وثيقة بعمليات تهريب الدخان والبنزين. ولم تتوافر أي معلومات عن ابنة ميلوشيفيتش ماريا 36 عاماً التي تدير اذاعة ومحطة تلفزيون باسم "كوسوفا".