خيّم السكون على أعضاء الفريق الطبي المصري الذي استُقدم الى العراق عام 1978، عندما أصيب رئيسه بحمى غير معروفة المصدر. كأنها لقطة الذروة في فيلم خيال علمي، فالمهمة المنوطة بالرئيس المصاب هي اكتشاف الفيروس الذي تسبب بموجة من اصابات بالحمى يرافقها نزيف دموي من كل فتحات الجسم، في صفوف رعاة المواشي في شمال العراق. عمل الطبيب انصب على زراعة عينات الدم في دماغ الصرصار، وهي الوسيلة المتبعة في عزل فيروس "لاسا" Lassa Virus الذي ظُنّ انه مسبب لتلك الموجة. أدى عمل الفريق الى تأكيد وجود فيروس "لاسا"، وفي الوقت نفسه، وقع رئيسه في براثن حمى، وذهبت ظنون الجمع الى ان الطبيب إلتقط الفيروس المميت، ولكنه نجا. تلك كانت أول مرة يدخل أحد فيروسات "الحمى النزفية" Hemorraghic الى العراق. ولوحظ انتقاله من مواشٍ وفدت من افريقيا، وخصوصاً من الصومالونيجيريا. كأنما قدم الفيروس من السياسة، ومن اصرار نائب الرئيس العراقي صدام حسين، حينها، على التعامل القوي مع نظام محمد سياد بري الحاكم في الصومال في ذلك الوقت، وكذلك ايجاد موطأ قدم في غرب افريقيا نيجيريا. وككل فيروسات الحمى النزفية، التي تضم "إيبولا" و"ماربرغ" و"الوادي المتصدع"، فإن "لاسا" يقيم أساساً في المواشي، وينتقل الى البشر عبر نواقل مثل الفئران والبعوض وما اليها. ولأن تكاثر النواقل مرتبط بمدى السيطرة والتواؤم بين العمران والبيئة، تعتبر موجات تلك الأمراض من المؤشرات الحساسة على علاقة الوباء بالاجتماع الإنساني. وتحضر الصورة نفسها في موجة فيروس "إيبولا" التي تصيب أوغندا في سياق تمازج الحرب والفقر مع المركّب السابق. وخلال التسعينات، ضرب "أيبولا" في كل الدول الافريقية التي شهدت تصدعات داخلية، كمثل الكونغو والغابون وجنوب السودان. ولا ينتقل أيبولا مباشرة بين البشر، إلا بواسطة التخالط مع السوائل الدموية للأجساد المصابة. لذا يعتبر افراد الطاقم الطبي، وأولئك الذين يتولون دفن موتى "ايبولا"، الاشد تعرضاً للاصابة. ولا تختلف أعراض ايبولا عن غيرها من الحمى الفيروسية، حيث فترة كمون تتفاوت بين بضعة أيام وأسبوعين، تليها حمى وأوجاع جسدية مترافقة مع نزف من كل مخارج الجسم، بما في ذلك الإسهال الدموي. ولا علاج شافياً لإيبولا، كما هي حال معظم فيروسات الحمى النزفية. وفي شريط بثته قناة C.N.N.تقف فتاة سمراء تشرح صورة المناخ المسيطر بين منابع النيل الافريقية وشبه الجزيرة العربية. ومنذ بضعة أسابيع، يتركز خيط غيوم متصل بين الوادي العميق عند منطقة البحيرات الكبرى، ويمر فوق اليمن ليصل الى جنوب المملكة العربية السعودية. وتظهر الشاشة مطراً مترافقاً مع ارتفاع في درجة الحرارة وتلك شروط ملائمة تماماً لنمو أسراب البعوض، وهو ناقل فيروس الوادي المتصدع من المواشي الى البشر، ما يزيد في صعوبة وقف موجة المرض الحالية في المملكة، على رغم الجهود المضنية التي يبذلها الجهاز الطبي مدعوماً بخبراء منظمة الصحة العالمية. وتتشابه أعراض حمى الوادي المتصدع مع ايبولا، وتصل نسبة الوفيات الى خمسة في المئة من مجموع الاصابات. احمد مغربي [email protected]