يوم فاز دوغلاس وايلدر بحاكمية ولاية فيرجينيا، قبل عشرة أعوام، محققاً بذلك سابقة سياسية، كونه أول أفريقي أميركي ينجح بالوصول الى مركز قيادي تنفيذي عالي المستوى عبر الانتخابات، كثر الحديث عن ان باب المشاركة الأفريقية الأميركية بالمواقع العليا في هرميات السلطة في الولاياتالمتحدة قد انفتح، وان حركة الحقوق المدنية التي نشطت في الستينات بدأت تؤتي ثمارها السياسية. وكانت التوقعات أن يشهد عقد التسعينات، والألفية الجديدة، بروزاً سياسياً للأفارقة الأميركيين يرتقي بهم الى مصاف سائر الفئات العرقية التي يتكون منها المجتمع الأميركي، بما ينسجم ونسبتهم العددية فيه. وقد ضاعف من زخم هذه التوقعات ان الانتخابات الرئاسية عام 1988 كانت قد أبرزت الطاقة التعبوية، والقدرة الخطابية للقائد الأفريقي الأميركي جيسي جاكسون والذي سعى الى الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي فعلى رغم أن جاكسون لم ينجح في مسعاه، فإنه قد تمكن من تحفيز قطاعات اجتماعية وجيلية وعرقية كانت قد بدأت بالخروج من الفلك الديموقراطي. لكن هذه التوقعات لم تتحقق. فاليوم، وبعد عشر سنوات من فوز وايلدر، لا تزال سابقة فوزه بحاكمية احدى الولايات سابقة فريدة. وعلى رغم أن الأفارقة الأميركيين يشكلون قرابة 12 في المئة من مجموع السكان في الولاياتالمتحدة، فإنه ليس منهم اليوم من حكام الولايات الخمسين، ولا أي من الأعضاء المئة في مجلس الشيوخ في الكونغرس. والمشاركة "السوداء" في النظام السياسي الأميركي ما زالت احدى المسائل الرئيسية المطروحة للنقاش والتحليل على الساحة الفكرية في الولاياتالمتحدة. وفي حين أن البعض ينحدر في تفسيره لقصور هذه المشاركة، تصريحاً أو تلميحاً، الى الحجج العنصرية، فإنه يمكن الإشارة الى علاقة تلازمية بين المستوى الاقتصادي الاجتماعي لمختلف الفئات التي يتألف منها المجتمع الأميركي، وبين نسبة تمثلها في الدرجات العليا من دوائر الحكم، والدليل على ذلك نجاح أفريقي أميركي نسبي في بلوغ المناصب النيابية التي تتطلب ميزانية انتخابية أكثر تواضعاً. والأفارقة الأميركيون، على رغم التقدم النسبي الذي تحقق في بعض أوساطهم في العقد الماضي، ما زالوا في المرتبة الأخيرة، بالمقارنة مع سائر الفئات العرقية التي يتألف منها المجتمع الأميركي، في مؤشرات الدخل والتعليم والعمالة. ويمكن ملاحقة أسباب هذا التخلف الى رواسب مرحلة الاسترقاق التي شكل خلالها المجتمع الأفريقي الأميركي مادة للاستغلال، والتي أطاحت بالبنى الأسرية للأفارقة المسترقين وقطعت تواصلهم الثقافي مع مجتمعاتهم الأصلية وحاربت انصهارهم في تشكيلات اجتماعية جديدة. وقد رفع الاسترقاق في أواسط القرن التاسع عشر ليحل محله وضع تمييز عنصري علني حتى الستينات من القرن العشرين، أبقى على تهميش الأفارقة الأميركيين، وعلى اعتبارهم، في أحسن الحالات، مادة للوصاية. وفي حين نجحت حملة الحقوق المدنية التي نشط فيها الأفارقة الأميركيين في الستينات في طي صفحة التمييز الصريح، فإن أشكال التفرقة المبطنة ما زالت مستمرة الى اليوم. والمواطن الأميركي "الأسود" يحمل عبء لونه أينما حل. فهو إذا فشل في عمله، كان فشله بنظر الكثير من مواطنيه دليلاً على "انحطاط" عرقه، وإذا نجح فيه، أعيد نجاحه الى أحد برامج "العمل الإيجابي"، والتي تعتمدها الحكومات الأميركية منذ الستينات لتصحيح الخلل في التوزيع العرقي على مختلف المستويات. والواقع أنه، سواء كان بالإمكان استشفاف الأسباب في التجربة التاريخية المرة، أو في سوء التصميم أو التنفيذ للبرامج الحكومية الهادفة الى تصحيح الوضع الناجم من هذه التجربة، أو في غيرها، فإن المجتمع الأفريقي الأميركي يعاني من أزمة بنيوية ظواهرها انحلال الأسرة، والاعتماد المفرط على الاعانات التي تقدمها البرامج الحكومية، وتردي الأوضاع التعليمية والاجتماعية، وانتشار عصابات الشوارع، وتفشي الإدمان على المخدرات والاتجار بها، واستقرار حال من اليأس والقدرية في أوساط الشباب فيه. فالمسألة السياسية لدى الأفارقة الأميركيين هي صياغة الخطة الأنسب لمعالجة الأزمة الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها مجتمعهم. وحتى أمد قريب، كان بالإمكان الإشارة الى نهجين في معالجة هذه الأزمة: نهج اندماجي، وآخر انفصالي. فالنهج الاندماجي، وهو وريث حركة الزعيم الراحل مارتن لوثر كينغ، ينطلق من القناعة المبدئية بسلامة النظام السياسي الأميركي، ويعتبر ان هذا النظام يعاني من تقصير تاريخي وحسب إزاء الأفارقة الأميركيين، وان تقويم الوضع المتردي للمجتمع الأفريقي الأميركي يتطلب الخطوات التصحيحية التعويضية التي أقرتها الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ الستينات، والتي تعرف باسم "العمل الايجابي Affirmative Action". ويرتكز هذا النهج فعلياً على ثلاثة مقومات قيادية: الكتلة النيابية السوداء في مجلس النواب بالكونغرس، والمنظمات المؤسساتية ولا سيما منها "الجمعية الوطنية لترقي الشعب الملون"، والزعامة الوطنية الأفريقية الأميركية المتمثلة بجيسي جاكسون بشكل خاص. فالأفارقة الأميركيون قد حققوا تقدماً ملموساً في العقد الماضي في مستوى تمثيلهم في المجلس النيابي في الكونغرس، إذ قد تضاعف عدد النواب السود في هذا المجلس ليبلغ 39، أي ما يقارب 9 في المئة من مجموع الأعضاء. والواقع ان هذا النجاح في بلوغ الهيئات التشريعية لا يقتصر على المستوى الاتحادي، بل ان عدد الأفارقة الأميركيين الذين فازوا بالمنصاب في المجالس النيابية في الولايات أصبح يتجاوز المئات. وفي حين يمكن اعتبار هذا النجاح دليلاً على نمو الوعي السياسي في المجتمع الأفريقي الأميركي، فإنه غالباً ما ينحصر في الدوائر الانتخابية ذات الأكثرية السوداء، أي ان الحذر العرقي ما زال مستتباً في عموم الولاياتالمتحدة. ومع ارتفاع الأعداد، يرتفع النفوذ. فقد حققت الكتلة النيابية السوداء بعض النجاح في التصدي لمحاولات قضم ما تعتبره مكاسب لمجتمعها من البرامج الحكومية، وفي احتواء التحول في خطاب الحزب الديموقراطي نحو "الوسطية" التي تطالب بتشذيب هذه البرامج. ولكن على رغم النفوذ النسبي الذي تمكن النواب الأفارقة الأميركيون من تحقيقه، فإن الكتلة النيابية السوداء تبقى أسيرة العملية السياسية التي تفرض عليها الواقعية والتسويات. فالرقابة على التزام المواقف المبدئية تعود فعلياً الى المنظمات المؤسساتية للأفارقة الأميركيين، ولا سيما منها "الجمعية الوطنية لترقي الشعب الملون NAACP". وتتضح القناعة بأهمية هذه الجمعية في أن المسؤول الحالي عنها، كويسي مفومي، كان نائباً في الكونغرس عن ولاية ميريلاند، ورئيساً للكتلة النيابية السوداء. ولكنه تخلى عن منصبيه حين أتيحت له فرصة لتولي قيادة هذه الجمعية. يعود انشاء هذه الجمعية الوطنية لترقي الشعب الملون الى العام 1909. وفي حين أن نشاطها في المرحلة الأولى كان موجهاً نحو الدفاع عن الحقوق المدنية للمواطن الأسود، في زمن شاع فيه الاضطهاد الجسدي والقانوني للأفارقة الأميركيين، فإنها قد اكتسبت في العقود الأخيرة صفة تمثيلية غير رسمية، في تعبيرها عن المصالح الأفريقية الأميركية، ولا سيما في دفاعها الدؤوب عن برامج "العمل الإيجابي" وفي سعيها الى تحقيق "الاستقواء السياسي" عبر تسجيل الناخبين السود. يذكر هنا ان المراكز القيادية في هذه الجمعية أضحت اليوم بيد الأفارقة الأميركيين بعد أن كانت مختلطة عرقياً. ويكاد التنظيم الداخلي لهذه الجمعية أن يجعل منها حكومة ظل للأفارقة الأميركيين، إذ تتولى الدوائر المختلفة فيها الاهتمام بالجوانب الصحية والاقتصادية والعمالية والدينية والتربوية والشبابية، على ان قدرتها على التنفيذ تبقى محدودة. وقد حققت الجمعية الوطنية لترقي الشعب الملون بروزاً اعلامياً وسياسياً جعل منها المحفل الأول لمخاطبة الأفارقة الأميركيين. لذلك، وخلال مؤتمرها الذي انعقد الشهر الماضي، كان لا بد للمرشحين الرئيسيين للانتخابات الرئاسية، آل غور وجورج بوش الابن ورالف نادر، من القاء كلمة تعبئة وتحفيز. وفي حين ان الجمعية تلتزم نظرياً الحياد إزاء الانتماء الحزبي، فلا يخفى أن معظم الولاء في المجتمع الأفريقي الأميركي، أو في القطاعات المسيسة منه على الأقل، هو للحزب الديموقراطي، وذلك منذ الستينات. فالحزب الديموقراطي، حزب الدفاع عن المصلحة العامة وفق خطابه المعتمد، هو الإطار الذي تمكن الأفارقة الأميركيون على الغالب من خلاله من تحقيق برامج "العمل الإيجابي"، ومن الفوز بقدر من التمثيل النيابي. وعلى رغم الحذر الذي أبدته الزعامات الأفريقية الأميركية إزاء التحول الخطابي للحزب الديموقراطي نحو الوسطية، فإن السياسة الفعلية التي اعتمدتها حكومة الرئيس كلينتون قد لاقت استحساناً واسع النطاق في الأوساط الأفريقية الأميركية، كما يتبين من الاندفاع الى الاقتراع لصالح كلينتون ومن استطلاعات الرأي العام. ولا يمكن في هذا الصدد اهمال الدور التوفيقي الذي اضطلع به الزعيم الأفريقي جيسي جاكسون عبر علاقته الشخصية بالرئيس كلينتون ونائبه آل غور. فالمؤتمرون لدى الجمعية الوطنية لترقي الشعب الملون استقبلوا جورج بوش الابن واستمعوا الى محاولته استقطابهم عبر التركيز على موضوع التربية والتعليم، ولكنهم كذلك استمعوا الى بعض أبرز قادتهم يحذرون من سطحية الاصلاحات التي وعدهم بوش بتحقيقها بل ويشككون بصدق نواياه. أما رالف نادر، والذي شاء أن يكون هذا المحفل فرصة جديدة لتفصيل برنامجه الانتخابي من دون تطويعه لاستماله جماعة أو أخرى، فقد تعرض للانتقاد وللاتهام بالعمى العرقي، لإهماله الإشارة الى المواضيع ذات الطابع الخاص بالأفارقة الأميركيين. ذلك في حين ان خطاب آل غور يتلاءم من حيث الشكل والمضمون بل ومن حيث الأداء، إذ يجنح غور بين الفينة والأخرى الى استعارة النبرة الخطابية للمبشرين الأفارقة الأميركيين مع رغبات القيادات السوداء. يذكر هنا ان غور قد عمد خلال حملته الانتخابية الى ادراج بعض المقومات الشعبوية في خطابه، ما قد يشكل تلطيفاً للتوجه الوسطي الذي أثار الريبة لدى القواعد التقليدية للحزب الديموقراطي، بما في ذلك الأفارقة الأميركيون. غير أن ثمة مسألة جانبية قد تؤدي الى الإضرار بمدى التأييد الذي يحصل عليه غور في الأوساط الأفريقية الأميركية، وهي اختياره لجوزف ليبرمان كمرشح لمنصب نائب الرئيس. ففي حين نال هذا الاختيار الإطراء من القيادات العليا للأفارقة الأميركيين، ومنهم جيسي جاكسون الذي هنأ ليبرمان معتبراً ان أي باب يفتح أمام فئة هامشية هو باب يفتح للجميع. فإن قيادات الصف الثاني أبدت قدراً من التحفظ، انطلاقاً من تقويمها لسجل ليبرمان المحافظ نسبياً والداعي الى مراجعة برامج "العمل الإيجابي". وقد تم الى حد ما استيعاب هذا التحفظ، فليبرمان نفسه قد اجتهد في طمأنة المعنيين بهذه البرامج ان دعوته الإصلاحية لها ليست محاولة مقنعة للإطاحة بها، كما هو حال الدعوات الجمهورية على حد تعبيره، بل الهدف منها تجاوز الآثار السلبية لتطبيق هذه البرامج، والتي أدت في بعض الأحيان الى نتائج عكسية. والواقع ان تنفيس التحفظ على ليبرمان جاء كذلك عبر الإشارة الضمنية الى محدودية دور نائب الرئيس. الا ان دواعي هذا التحفظ لا تقتصر على الجوانب الموضوعية، بل تتعداه الى الأزمة الصامتة حيناً والناطقة أحياناً في العلاقة بين الأفارقة الأميركيين والأميركيين اليهود. وتتجلى هذه الأزمة بريبة متبادلة في مناطق السكن المشتركة بين الجماعتين، وصلت في بعض الأحيان الى صدامات أو تعديات، كما تتجلى في انتشار الخطاب المعادي لليهود والذي يستعيد الكثير من الموروث الغربي "اللاسامي" في بعض الأوساط الأفريقية الأميركية، مقابل بروز، ولو أقل، لأشكال خطابية عنصرية تسفه بالأفارقة الأميركيين على هامش المجتمع اليهودي. أما أسباب هذا التنافر، على رغم أن القرن الماضي كان قد شهد تحالفاً عميقاً بين قيادات الجماعتين ومثقفيهما في السعي الى الترقي وتحقيق الحقوق المدنية، فتعود باختصار الى الاختلاف في ما جنته كل من الجماعتين من هذا السعي، إذ حقق الأميركيون اليهود نجاحاً قاطعاً، فيما تحسنت أوضاع الأفارقة الأميركيين بمقادير متفاوتة. فمع الاختلاف الموضوعي اليوم بالمواقع الاقتصادية - الاجتماعية، أفسح المجال أمام الطروحات المؤامراتية والتفسيرات العنصرية التي تعارض النجاح اليهودي مع "الفشل" الأفريقي الأميركي النسبي. ويكاد الحذر من اليهود، بالصيغة الجماعية الأحادية، أن يكون عنوان النهج الآخر في التعاطي مع المسألة السياسية في المجتمع الأفريقي الأميركي، أي النهج الانفصالي، ويطالب هذا النهج بالتخلي عن كافة أوجه التواصل مع المجتمع الأميركي الأبيض، الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية. ولا شك أن أبرز الناطقين بحال هذا النهج هو زعيم "أمة الإسلام"، لويس فاراكان، والذي يتنقل في صياغاته الخطابية وفي ذكره لليهود من الموضوعية العقلانية الى الغيبيات والتعميمات المجحفة. وعلى رغم محاولات مؤسسات الرصد اليهودية تحميل فاراكان مسؤولية انتشار "العداء للسامية" في المجتمع الأسود، فإن خطاب الحذر من اليهود ليس من ابتكاره، واستعماله لا يقتصر على مؤيديه فعلى سبيل المثال، اضطر كويسي مفومي الى فصل أحد المسؤولين عن جمعيته في مدينة دالاس، نتيجة تصريحات نابية أدلى بها بشأن جوزف ليبرمان، والأجدى اعتبار هذا الخطاب نتيجة للأزمة القائمة، لا مسبباً لها. على أي حال، فإن النهج الانفصالي يجد التأييد الأوسع في الأوساط الأفريقية الأميركية في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ويتراجع التأييد له لصالح النهج الاندماجي في فترات الرخاء والاستقرار الاقتصادي. وعلى رغم الهواجس التي بدأت تتكاثر حول اتساع أزمة المحروقات لتصبح أزمة اقتصادية، فإن الانطباع السائد في عموم الولاياتالمتحدة اليوم هو أن الازدهار مستقر. لذلك، فإن الفرصة متاحة أمام أنصار النهج الاندماجي، أي القيادة الفعلية للمجتمع الأفريقي الأميركي، لتعبئة مجتمعهم في سبيل تعزيز نفوذهم ضمن الحزب الديموقراطي وتأثيرهم على الحكم. إضافة الى هذين النهجين السياسيين التقليديين ضمن المجتمع الأفريقي الأميركي، الاندماجي والانفصالي، فإن المرحلة الأخيرة قد شهدت بزوغ شبه نهج جديد ذي طابع فردي يستعير من النهجين السابقين بعض مقوماتهما. إذ يطالب دعاة هذا النهج الجديد باندماج، لا جزئي على مستوى الجماعة، بل كلي على مستوى الفرد، أي انهم يعترضون على مبدأ افتراض التقسيم العرقي في الولاياتالمتحدة. ونجاح المواطن الأسود، بنظرهم، هو نجاحه كفرد لا كجماعة. ويوافق دعاة هذا النهج على دعوة الانفصاليين الى عدم التخلي عن البرامج الحكومية، على اعتبار انها اعانة آنية وتبعية دائمة. ويتمثل هذا النهج الجديد بعدد من الوجوه الثقافية والسياسية المقربة من الحزب الجمهوري. وفي مقابل اتهامه للقيادة الأفريقية الأميركية التقليدية بادعاء موقع قيادي لم يمنحه أحد لها، فإن هذا النهج يتعرض بدوره للإدانة بتهمة أنه جمع من المضللين بفتح اللام الذين استفادوا من البرامج التي يدعون اليوم الى حرمان الغير منها، في أحسن الأحوال، أو واجهة تضليل ونفاق يعتمدها الجمهوريون لشطر الجبهة الأفريقية. والواقع ان هذا النهج الجديد هو دليل على تبلور شريحة أفريقية أميركية عليا تجد في حرية الاقتصاد فائدة تتعدى ايجابيات الدعم الحكومي لما يصاحب هذا الدعم من أعباء في الصورة والعلاقات العامة. ويعقد الجمهوريون الكثير من الآمال على هذه الفئة. ويقرن جورج بوش بين نجاحه في ولاية تكساس في استقطاب نسبة مرتفعة من أصوات الناخبين السود، وبين بروز أصوات جمهورية أفريقية أميركية، إلا ان هذا الربط قد لا يكون في محله، فلتكساس أوضاعها الخاصة التي لا يمكن تعميمها على سائر الولايات، ولا سيما في الطبيعة المبهمة حزبياً لنظامها الانتخابي الداخلي، فيما القيادة الفعلية للأفارقة الأميركيين ما زالت في أوج نفوذها. فالراجح إذاً، وعلى رغم سلبيات اختياره لليبرمان، أن يشكل الأفارقة الأميركيون كتلة انتخابية مهمة في مسعى آل غور للفوز بالرئاسة. في الحلقتين المقبلتين: الاقتصاد الجديد والسياسة الجديدة، الشرق الأوسط في الانتخابات الأميركية. * كاتب لبناني مقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية.