} عقد الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان مؤتمراً داخلياً في 12 الشهر الماضي، ناقش خلاله أوضاعه التنظيمية، وعلاقة الحزب بالشرائح اللبنانية المختلفة. وكان لرئيسه وليد جنبلاط كلمة اعتبر حزبيون كثر انها تحمل جديداً على أكثر من مستوى. وجاء مؤتمر الحزب في فترة دقيقة للغاية اذ تنتظر المنطقة استحقاقات السلام وما ينتج عنه من تداعيات. كذلك يستعد الحزب للاحتفال في آذار مارس المقبل بالذكرى ال23 لرحيل مؤسسه كمال جنبلاط. وهنا حوار مع جنبلاط تطرق الى مواضع طرحها المؤتمر ومواقف من عملية السلام وما بعدها. اضافة الى قراءة في بعض جوانب فكر مؤسسه كتبها المحامي شبلي ملاّط. الحسابات التي تتجاذب وليد جنبلاط، هذه الأيام، تبدو معقدة ومتفاوتة، الى حدٍ تحيل معها الرجل على مجموعة مواقف ومواقع لطالما اتهم بعدم انسجامها. فهو الجالس أولاً على كرسي الزعامة الدرزية الموكل اليها معركة الوجود التي تعتبر قضية الطائفة المركزية في بلد شاءت الأقدار أن تكون فيه قلة، لا يسمح لها حجمها بأكثر من وزير وعدد قليل من النواب من جهة، وأن تكون الكتلة الدرزية، من جهة ثانية، متمركزة في جبل لبنان، نواة لبنان ونقطة جاذبيته، فزاد ذلك من حساسية موقع الطائفة. لكن وليد جنبلاط أيضاً يفترض لنفسه موقعاً آخر لطالما زاوجه مع موقعه التقليدي ووظف كلا الموقعين، أحدهما في خدمة الآخر. انه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الحزب الذي ورثه جنبلاط وكان على رأس قائمة الأحزاب اليسارية اللبنانية، وبغض النظر عن صحة التعريف، فقد انخرطت في ذروة الانقسام الأهلي وذروة تمثيل الحزب للدروز اللبنانيين، من بداية الحرب الى نهايتها، معظم الأحزاب اليسارية اللبنانية تحت قيادته. وكان وليد جنبلاط علمها الذي يكاد يكون وحيداً. وزيارة وليد جنبلاط في منزله في بيروت تضيف موقعاً ثالثاً يبدو أن الرجل يتوخاه لنفسه، الموقع الذي تمليه ظروف نشأته في بيت أتيحت له فيه فرص تعلم وتذوقٍ ورفاهية، فمزج في منزل الطائفة الدرزية في بيروت حيث يستقر الكرسي، بين أنواع من الوظائف والأدوار. فمنه يخوض معركة الوجود السياسي للطائفة، وهي معركة دائمة، بعدما لحظ أثناء اعادة بنائه وترميمه، ضرورة تزيينه بما يمت بصلاتٍ أكيدة الى ماضي الدروز في جبل لبنان. لكن المنزل أيضاً مجهز لحياة خاصة جداً بعيداً من هموم الزعامة والسياسة، طبعت شخصية الرجل، وراحت تقحم نفسها في توجهاته السياسية. فتعثرت في أحيانٍ كثيرة ونجحت في أحيانٍ، ولو قليلة. فبين فورة هجوم ودفاع تفرضها معطيات التجاذب السياسي، ويمليها موقعه منها، يخرج وليد جنبلاط بمواقف لا تشكل سياقاً لإدائه السياسي، وهي متفاوتة في الحديث الواحد. فإقران السؤال عن السلام الآتي الينا من خارجنا، بسؤال يضمر رغبة في معرفة مدى السماح لنا بالاتصال بمجموعات يهودية معادية للصهيونية وبالمؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين يعيدون كتابة تاريخ دولة اسرائيل، انطلاقاً من حقوق الفلسطينيين التاريخية في دولتهم، وبسؤال يدور على رغبة في الاتصال بدروز فلسطين، يقول جنبلاط أن اسرائيل دمجت عدداً كبيراً منهم في مشروعها. والاتصال هنا بهدف اعادتهم الى "المشروع العربي"، يبدو هذا الأقران عاكساً تماماً لموقع جنبلاط الداخلي اللبناني المترجح بين الزعامة التقليدية الغالبة، والصحوة المتعثرة للاشتراكية اللبنانية. فقد عقد الحزب التقدمي الاشتراكي مؤتمراً في الشهر الأخير من السنة الماضية، وخرج بوثيقة توجت بكلمة لجنبلاط تضمنت عناوين تفاوتت بين ضرورة اعادة الاعتبار الى مؤسسات الحزب وهيئاته القاعدية، والفشل في الانفتاح على الشباب المسيحي العائد الى الجبل وبعض الخطوات التنظيمية. لكن العناوين التي تعتبرها قيادة الحزب جديدة في وثيقة المؤتمر وفي كلمة جنبلاط لم تشكل جاذباً فعلياً سواء للشباب المسيحي المخاطب، أو للأحزاب الأخرى. ومرد ذلك الى الرتابة التي أصبح يشعر بها اللبنانيون عموماً عندما يسمعون بوثائق الأحزاب ومشاريعها، والى أسئلة تطاول جنبلاط نفسه واداءه الحزبي والسياسي، لم تجد أجوبة لها في الوثائق، وهنا حاولت "الحياة" طرحها عليه ومناقشتها معه. يلاحظ من خلال كلمتك في مؤتمر الحزب والوثيقة التي وزعت، ان هناك عدم اعتراف ضمني بوجود حزب اشتراكي، بل هناك زعامة آل جنبلاط؟ - هناك حزب ومؤسسات وهيكلية، لكن الحرب جعلته يتقوقع ويتراجع في المناطق التي كان قوياً فيها، سواء في المناطق الإسلامية أو المسيحية. وهذا ما أصاب كل الأحزاب التي حلت محلها الحركات الدينية. يجب تجديد الفكر اليساري الاشتراكي واليسار اللبناني. اعترفت في المؤتمر بفشل الحزب في مخاطبة الشباب المسيحي فهل يمكنك مخاطبة جمهور مسيحي، مستعملاً خطابك الراهن؟ - نستطيع الدخول الى كل المناطق اللبنانية بخطاب يساري جديد، لا يمكن أن نفسح لليمين اللبناني واليمين الديني كي يسيطر على الشارع. يجب أن نبتكر خطاباً يسارياً اشتراكياً جديداً، ويجب اعادة النظر في بعض المفاهيم الاشتراكية القديمة. لدينا ما يسمى تراث كمال جنبلاط وفكره، وتلزمهما اعادة قراءة ونظر. ما هي العناوين التي تلزمها اعادة النظر؟ - هناك النظام الاقتصادي مثلاً. فالبورجوازية اللبنانية لم تغير ذهنياتها حتى اليوم، وهو أمر يساعدنا. فمنذ بعثة إرفد، حتى آخر دراسة قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للتنمية UNDP، ما زال 2 او 3 في المئة يسيطرون على ما بين 40 و50 في المئة من ثروات لبنان. واستفادت البورجوازية اللبنانية من مرحلة رفيق الحريري لجهة بناء اقتصاد مبني على الخدمات المصرفية والسياحية والفنادق. وننسى الزراعة والأُسر المتوسطة والصغيرة والريف والصناعة. والعنوان الثاني، هو تحديات العولمة. لكن اليسار العالمي دخل في العولمة؟ - اليسار العالمي دخل وحاول تعطيلها في الوقت نفسه، كما حصل في مؤتمر سياتل "مش عاطل". لكن الدول التي تحكمها حكومات اشتراكية ويسارية من المانيا الى بريطانيا، الى فرنسا وصولاً الى كلينتون الديموقراطي، هم من نجوم العولمة وحقائقها؟ - الاشتراكيون الغربيون هم الطريق الثالث الاشتراكي، إذ يحاول هؤلاء اضعاف اشتراكية الدول الراعية وإفلات السوق لرأس المال. الاشتراكيون الفرنسيون إبان حكم ميتران ألغوا القطاع العام كله أو معظمه، وعلى رغم كل الحسد الذي نكنه لهذه الشعوب التي يعمل المواطن فيها 35 ساعة فقط في الأسبوع، ويعيش كل هذا الترف. أما نحن فما زالت لليسار مجالات عمل لدينا، من مظهر الفقر المدقع في بعلبك - الهرمل الى باب التبانة فالجنوب فالضاحية الجنوبية الشرقية من بيروت، كل هذا يعطينا وقوداً لمعركتنا. لكن الأحزمة بؤر عنف وتوتر أيضاً؟ - وقد تكون بؤر نضال سياسي ديموقراطي أيضاً. فعندما بدأت الحرب، النظام اللبناني هو من أطلق النار على "بوسطة" عين الرمانة. وتحولنا من النضال الديموقراطي الى الحرب الطائفية. وما يحصل اليوم أن تحت شعاري التحرير والتلازم مع سورية يتم تركيب نظام أمني غبي بوليسي. ننسى الشأن الاجتماعي الداخلي تحت شعار التحرير، على شاكلة غالبية أنظمة جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية. طرحت شعاراً خلال مؤتمر الحزب لخصته بأن الحزب فشل في الانفتاح على الشباب المسيحي، كيف تمكن بلورة هذا الشعار بخطة عملية؟ - يمكن تلخيص مشاعر الشباب المسيحي بعناوين سريعة، منها الإحباط مثلاً والدولة والوجود السوري والطائف. ويظهر من ذلك أن الخلاف كبير، ولكن ماذا نفعل؟ يجب أن نبحث ونناقش، ولكن ماذا أمام هؤلاء الشباب المسيحيين العائدين والمقيمين سوى الانخراط في العمل السياسي اللبناني، أو الهجرة؟ كيف سيتم الحوار مع الشباب المسيحي؟ هل بحوارات تجريها أنت شخصياً، أم أنه دور الحزب؟ - أنا لدي شخصية مزدوجة لها بعد درزي وبعد حزبي، يجب أن يكون لي دور وللحزب دور أيضاً. لكن الحزب درزي في الدرجة الأولى، ورموزه كذلك، في حين تتحدث عن طموحات أبعد من هموم الطائفة، فضلاً عن أن ثمة تعبئة متبادلة بين الدروز والمسيحيين في لبنان؟ - هذا الكلام غير دقيق، هناك كوادر حزبية درزية، وكوادر خاضت تجارب بعيداً من الطائفة ومطلعة على تجارب اشتراكية أخرى. الحزب يلزمه تغيير هادىء متى يتم استيعاب هذه المهمات الجديدة. نلتقي نحن والشباب المسيحي على تضحيات هائلة في الحرب وعلى نتيجة تافهة هي الطائف. فليكن ذلك عنوان حوار بيننا. ألا يمكن محاورة أحزاب وقوى مسيحية فعلية؟ - من هي هذه الأحزاب، لدينا التيار العوني و"القوات اللبنانية" والأحرار وحزب الكتلة الوطنية. أعتقد أن الحزب المركزي بين هؤلاء هو تيار "القوات اللبنانية". وأعتقد أن الرئيس لحود كان يمكن أن يمثل تياراً لا بأس به، لكن أداء الأجهزة عطل ذلك. هل يمكن الكلام على ضرورة وجود لغة جديدة وأحزاب جديدة وانفتاحات، أن يكون له مظهر في الانتخابات النيابية المقبلة لجهة التحالفات؟ - إذا استطعنا أن نقوم بتغييرات في بعض المناطق، وأن نخرج من قضية الثوابت يمكن أن يترجم رأينا عملياً. أما إذا فرضت علينا لوائح مركبة مسبقاً فسنبقى في مكاننا. وهذا ما أكدته الانتخابات البلدية، إذ من الواضح أن تأثير السلطة في هذه الانتخابات كان محدوداً، ممّا ولد تفاعلاً حقيقياً. هناك من يتهمك بأنك تطرح شعارات، كمهمات داخل الحزب، لكنك تهملها لاحقاً؟ - الأمل معلق على المجلس القيادي الجديد بأن يتابع، فلست أنا من يحسم كل الأمور. هناك مجلس قيادي يجب أن يقوم بدوره الى أن يأتي يوم أنسحب في شكل تدريجي، وأن نجد طريقة تسلم فيها القيادة للحزب، وأن نجد منصباً فخرياً ربما لي. انها خطوة ضرورية لأن ظروف دخولي المعترك السياسي كانت استثنائية ولا يجوز أن تبقى. فباستشهاد كمال جنبلاط وفي تلك اللحظة الحرجة توجب استمرار الزعامة الدرزية فكنت أنا. هل هناك في الحزب من يتجرأ على التفكير على هذا النحو؟ - يجب أن يفكروا بهذه الطريقة. السلام آت وثمة أوضاع جديدة، كيف تفكر فيه؟ - السلام جاءنا من دون استشارتنا في أمره. سيقولون لنا غداً أن شروطنا الوطنية والقومية تحققت، فماذا نفعل؟ سننزل ونصوّت للسلام في المجلس النيابي. نناقش قليلاً، والجهاز التنفيذي للدولة سيوقع. لكن السلام سيضعنا في منطقة جديدة تقريباً وأمام تحديات جديدة، والملاحظ أننا لم نضع أنفسنا أمام أسئلة هذه المرحلة ومتطلباتها؟ - يعيدنا هذا الكلام الى المناخ المحيط. إذا كان مناخ حريات وديموقراطية يمكننا الدخول وابداء رأينا. ولكن إذا كان مناخاً مفروضاً فلا تغيير. السلام مفروض على لبنان والعالم العربي، فهل تطرح تغييرات على المستوى العربي؟ وهل يعطي انفراجات على مستوى الحريات الديموقراطية والحركة السياسية؟ أم سيكون فقط سلاماً من أجل الحفاظ على أشخاص وأنظمة تفرضهم علينا أميركا واسرائيل. وهل يسمح لنا في ما يسمى سلاماً أو تسوية، أن نتعاطى مع الشريحة العربية الوطنية داخل فلسطينالمحتلة في اسرائيل؟ وهل يمكن أن تفتح حواراً معها؟ انها مسألة تهمني كزعيم درزي أولاً. لأن قسماً من دروز فلسطين وضعتهم المؤسسة الصهيونية في جو من التقوقع تاريخياً، وأفهمتهم أن الدروز غير عرب وغير مسلمين واستخدمت قسماً منهم لمآربها الخاصة في الجيش، يهمنا أن نفتح أمام هؤلاء الحاضرة العربية، وأن نتعاطى مع شرائح ديموقراطية غير عربية يهودية ترفض المجتمع الصهيوني، كهؤلاء الذين يسمون أنفسهم المؤرخين الجدد في اسرائيل، فهل يكون مسموحاً لنا بذلك؟ جميعها أسئلة. من سيمنعكم؟ - لا أدري. فالأمور ستكون مقررة مسبقاً. لكن الخوف هو أن نكون نحن العائق أمام امكان الاتصال بقوى ديموقراطية في اسرائيل؟ - يا أخي كانت القضية المركزية لدى القوميين العرب إزالة الاستعمار. ذهب الاستعمار وجاءت اسرائيل. الآن اعترفنا بدولة اسرائيل! هذا الأمر لا تلزمه مراجعة، نحن اليوم لسنا في موقع القرار، هناك من يفكر عنا ويقرر عنا ويوقّع عنا. ونحن صوت من تلك الأصوات. ونكون إما في المعارضة، أو في الموالاة بحسب الظروف، يأتينا الالهام. هناك 10 في المئة من حرية التحرك، محسوبة جداً.