تتجه الأنظار إلى الموقف الذي سيعلنه رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط في خطابه الذي سيلقيه في حضور شعبي حاشد في المختارة الأحد في 19 الجاري، لمناسبة الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط مؤسس الحزب «التقدمي الاشتراكي» والحركة الوطنية اللبنانية. وسط توقعات مصادر حزبية بأنه في خطابه هذا لن يركض وراء افتعال مشكلة يمكن أن تؤثر سلباً في المصالحة الدرزية - المسيحية التي رعاها شخصياً بالتعاون مع البطريرك الماروني آنذاك الكاردينال نصرالله صفير. ولفتت مصادر حزبية وأخرى مواكبة عن كثب للأجواء السائدة في منطقة جبل لبنان، خصوصاً في قضاءي الشوف وعاليه، إلى أن جنبلاط الذي حرص ويحرص على عدم الدخول في سجال سياسي، وتحديداً مع قوى سياسية مسيحية، على خلفية أي قانون انتخاب جديد ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية التي سيرحّل موعد إنجازها في الربيع المقبل إلى موعد آخر بذريعة أن هناك ضرورة للتأجيل التقني للاستحقاق النيابي بسبب وضع قانون جديد، لن يوظف حلول هذه الذكرى الأليمة لتعبئة محازبيه وجمهوره العريض في جبل لبنان، وإنما سيحولها إلى مناسبة لتأكيد أهمية المصالحة التي أنجزت وأدت إلى طي صفحة الحرب المدمرة التي أصابت الجبل كما أصابت غيره من المناطق. وأكدت المصادر نفسها أن جنبلاط الذي لا يزال يلعب دور صمام الأمان في الجبل للحفاظ على المصالحة التي أنجزت فيه، كان المبادر إلى الطلب من محازبيه وجمهوره عدم الانجرار إلى السجال الذي يستهدف بطريقة غير مباشرة الحزب «التقدمي» والرد عليه بردود فعل لا تخدم الجهود التي كانت وراء طي صفحة الحرب والاقتتال الداخلي. لا مشكلة في لقاء عون وكشفت المصادر نفسها أن لا مشكلة لدى جنبلاط للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وهو كان أول من تطرق إلى ضرورة هذا اللقاء في المؤتمر الأخير للحزب «التقدمي»، لكن لم يعرف ما إذا كان اللقاء سيتم قبل حلول الذكرى الأربعين لاستشهاد والده أو بعدها. وقالت إن هناك ضرورة لهذا اللقاء الذي يفترض أن يسهم في تبديد أجواء الاحتقان، لأن لا مصلحة للطرفين في إقحام الجبل في مشكلة هو في غنى عنها. ورأت أن جنبلاط يتصرف من خلال إصراره على جمهوره ومحازبيه بعدم الانزلاق إلى ردود الفعل التي تستهدف الحزب «التقدمي»، بأنه يهرب من الوقوع في مشكلة يرى أن لا مبرر لها وأن على الفريق الآخر أن يبادره بالمثل، وأن مقعداً نيابياً في الزائد أو في الناقص يجب ألا يترك تداعيات سلبية على العلاقة الدرزية - المسيحية. من يرعى حملات التحريض ولماذا؟ ومع أن مصادر حزبية في «التقدمي» ترفض الدخول في سجال مباشر أو غير مباشر مع حملات التحريض التي يرعاها فريق في «التيار الوطني» في إشارة إلى ما يصدر عن رئيسه الوزير جبران باسيل، فإن مصادر سياسية تسأل في المقابل عن الأسباب الكامنة وراء تنظيم مثل هذه الحملات، في وقت يحرص باسيل على مهادنة الآخرين في الطوائف الرئيسة في البلد. كما تسأل عن الدوافع التي أملت وتملي على باسيل التركيز في هجومه غير المباشر على «اللقاء الديموقراطي»، الذي حرص رئيسه على الانفتاح في تشكيل اللوائح الانتخابية، خصوصاً في الشوف وعاليه، بضم مرشحين من الأحزاب المسيحية وشخصيات مسيحية مستقلة، رافضاً كل أشكال الإلغاء أو التحجيم، ومؤكداً عزمه على توسيع المشاركة لحماية المصالحة في الجبل. وفي هذا السياق، تسأل المصادر السياسية عن المقصود من قول الوزير باسيل في أكثر من مناسبة، أنه يريد تحرير المقاعد النيابية المسيحية من سطوة الآخرين، والذي تسبب له في الماضي في مشكلة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدى تركيزه في خطابه في دورة الانتخابات السابقة على أنه آن الأوان لتحرير المقاعد النيابية في قضاء جزين في جنوبلبنان. وتضيف المصادر، أن باسيل تحدث عن قصد في الهجوم على «اللقاء الديموقراطي» في قوله، إن كتلاً نيابية في البرلمان تتمثل بأكثر من حجمها الانتخابي، وإن رئيس مجلس الشيوخ يجب أن يكون من الطائفة الأرثوذكسية في حال تقرر استحداثها استناداً إلى ما نص عليه اتفاق الطائف، بذريعة أنه يجب أن تعطى للمسيحيين رئاسة ثانية، إضافة إلى رئاسة الجمهورية لمساواتهم مع المسلمين في رئاستي البرلمان والحكومة. وتتابع المصادر هذه، أن باسيل يحرص من حين إلى آخر على التذكير بأن هناك من يتطلع إلى وضع قانون انتخاب جديد يكون على قياسه، فهل يقصد جنبلاط ويستثني منه الآخرين. عدم تكرار تجربة لحود وترى المصادر المواكبة أن لا مبرر لافتعال مشكلة مع جنبلاط، الذي لا بد من التعامل معه على قدم المساواة كتعامل «التيار الوطني» مع الآخرين، أي لا بد من إشعاره بعدم وجود نية لاستهدافه، وأن تكون له حيثية باعتراف الجميع في الشوف وعاليه، لا سيما أنه ليس من الذين يريدون مصادرة حقوق الآخرين في التمثيل النيابي. وتعتقد بأن ما يسمى بالحرص على صحة التمثيل المسيحي لا يترجم بحملة سياسية شعواء يراد منها التحريض على «اللقاء الديموقراطي» بذريعة أنه آن الأوان لاسترداد «حقوق» المسيحيين، وإلا لماذا يرفض حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع الانخراط في هذه الحرب السياسية، مبدياً حرصه الشديد على مراعاة جنبلاط وضرورة تفهم هواجسه ومخاوفه؟ وتؤكد أن باسيل يحاول أن يقدم نفسه وكأنه الحامي الوحيد للمسيحيين، وأنه بمواقفه استطاع أن يعيد إليهم حقوقهم، وبالتالي، يطمح لقانون انتخاب يأتي على قياسه، مع أن أكثر من عضو في اللجنة الرباعية التي أخذت على عاتقها التوصل إلى مقاربة تدفع في اتجاه التوافق على قانون انتخاب جديد يسجل عليه تقلبه في تقديم المشاريع الانتخابية من دون أن يستقر على مشروع واحد. وتقول المصادر إنه لا بد من التهدئة بحثاً عن قانون انتخاب جديد يستدعي أولاً من باسل وقف محركاته في اتجاه التعبئة ضد جنبلاط، خصوصاً أن لرئيس الجمهورية دوراً في محاصرة كل أشكال التأزم السياسي وإعادة طرح الأفكار الانتخابية، بعيداً من التشنج وتصفية الحسابات السياسية. وتعزو السبب إلى أنه من غير الجائز تصنيف جنبلاط في خانة الخصومة مع رئيس الجمهورية وهو انتخبه رئيساً للجمهورية، وبالتالي فإن الظروف التي رافقت وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى تختلف عن تلك التي رافقت انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية. وبكلام آخر، ترى المصادر أن المقاربة بين موقف جنبلاط برفضه انتخاب لحود لا يمكن أن تنسحب على مقارنتها بعلاقته بالعماد عون، مع أن لحود لم يحسن إدارة ملف العلاقات السياسية في عهده، الذي بدأ باستقرار لكنه سرعان ما فرّط فيه لأنه أراد منذ توليه الرئاسة «الثأر» من رئيس «التقدمي» على خلفية عدم التصويت له، وهذا لا ينطبق أبداً على علاقة عون بجنبلاط. وتؤكد المصادر نفسها، أن لا مبرر لذهاب البعض في «التيار الوطني» إلى تسخين علاقته ومن دون أي مبرر مع جنبلاط، لأن استمراره في هذا السلوك يرتد سلباً على دور رئيس الجمهورية في نقل البلد إلى مرحلة سياسية غير مرحلة التأزم التي سبقت انتخابه وأدت إلى إحداث شلل في البلد على كل المستويات. لذلك لا بد، من وجهة نظر المصادر هذه، أن يكون لرئيس الجمهورية دور في إعادة ترميم العلاقة مع جنبلاط، على رغم أنه لم يبدر منه ما يشير إلى رغبته بفتح مشكلة سياسية غير قائمة في الأساس، إضافة إلى أنه غير ملزم بأي سجال. وبالنسبة إلى الحراك الانتخابي، علمت «الحياة» من مصادر نيابية ووزارية أن اللقاء الذي عقد أخيراً بين رئيس الحكومة سعد الحريري وجنبلاط انتهى إلى تبني الأول للأفكار التي كان أودعها رئيس «التقدمي» لدى الرئيس بري الذي أبدى تفهماً لها وكلّف معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل بتسويقها على أن يبلغه لاحقاً بنتائج المساعي التي قام بها. وأكدت المصادر هذه، أن جنبلاط اقترب من قانون الانتخاب المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، وهذا ما حملته الأفكار التي أودعها لدى بري. وقالت إن رئيس «التقدمي» مع دمج قضاءي الشوف وعاليه في دائرة انتخابية واحدة، على أن يصار إلى استحداث محافظة جديدة في جبل لبنان يفترض أن تكرس هذا الدمج من الناحية الإدارية. وكشفت أن جنبلاط اقترح بأن ينتخب 6 نواب في الشوف وعاليه على أساس النظام الأكثري في مقابل انتخاب 7 نواب وفقاً للنظام النسبي، وقالت إن توزيعهم جاء على الشكل الآتي: - الشوف (8 مقاعد) 3 موارنة (2 نسبي وواحد أكثري). - مقعدان درزيان: يتوزعان بالتساوي على الأكثري والنسبي. - مقعدان سنيان: يتوزعان بالتساوي بين الأكثري والنسبي، - مقعد كاثوليكي: ينتخب على أساس الأكثري. - عاليه: 5 مقاعد. - مقعدان درزيان يتوزعان بالتساوي على الأكثري والنسبي. - مقعدان مارونيان: واحد أكثري والآخر نسبي. - مقعد أرثوذكسي: ينتخب على أساس النسبي. واعتبرت المصادر أن بمجرد توافر النيات الحسنة يمكن التوصل إلى قانون مختلط يكون بمثابة خلطة تجمع بين مشروع بري الذي ينص على توزيع المقاعد النيابية وعددهم 128 بالتساوي بين الأكثري والنسبي، شرط الالتزام بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في توزيع المقاعد، في مقابل مشروع «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» و «القوات» الذي ينص على انتخاب 68 نائباً على أساس أكثري و60 آخرين وفق النظام النسبي. ولاحظت المصادر أن المشاورات التي يجريها الحريري في حضور مدير مكتبة نادر الحريري والخبير التقني في الشأن الانتخابي نقيب المهندسين في لبنان خالد شهاب مع الوزيرين باسيل وخليل أفضت إلى أن الأخير يبدي تفهماً لكنه يؤجل جوابه النهائي ريثما يتشاور في الأفكار المطروحة مع حليفه «حزب الله» بينما يطرح زميله في الحكومة أي باسيل، في كل مرة رزمة من الأفكار الانتخابية أقل ما يقال فيها أنها تتعارض مع ما يطرحه في المرة السابقة. وعلى رغم أن المصادر ترفض أن تغوص في الأسباب التي تدفع بوزير الخارجية إلى تبديل رأيه، فإن هناك من يعزو السبب إلى أنه يتجنب تحديد موقفه من النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة أو دوائر موسعة تضامناً مع حليفه «حزب الله»، وبالتالي يفضل لتفادي الإحراج، إقحام نفسه في مشكلة مع الآخرين ولا يرى أمامه سوى «اللقاء الديموقراطي».