حين أعادت اسرائيل، في نيسان ابريل 1982 شبه جزيرة سيناء الى مصر إثر توقيع معاهدات السلام بين البلدين، خيل لكثير من المراقبين ان ذلك بات اشارة الى انتهاء الحروب العربية - الاسرائيلية. غير ان فأل هؤلاء خاب بعد اقل من شهرين حين شنت حكومة مناحيم بيغن اليمينية على لبنان ما اعتبر يومها اكبر هجوم شنته اسرائيل على اي بلد عربي منذ ضياع فلسطين. في البداية اعلن بيغن ان هدف قواته اقامة منطقة شريط أمني في جنوبلبنان يمنع القوات الفلسطينية والمتحالفين معها من مطاولة شمال اسرائيل بقذائفهم، ومن العمل انطلاقاً من الحدود اللبنانية ضد اسرائيل. غير ان الأمر سرعان ما تحول الى حرب حقيقية ستدوم ما يزيد عن الثلاثة اشهر. و"النزهة" التي كان الجيش الاسرائيلي يزمع القيام بها في الجنوباللبناني، سرعان ما اصبحت حرباً شرسة مكلفة، خاصة وان القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية المتحالفة معها ابدت صموداً مدهشاً، جعل التقدم الاسرائيلي يتم ببطء ويكلف اسرائيل غالياً. غير ان الصمود لم يمنع اسرائيل من الوصول الى بيروت ومحاصرتها، بعد احتلال الجنوب بمدنه وقراه، وانزال خسائر فادحة بالسكان وبالأملاك. في بيروت صمدت القوات المدافعة عن المدينة، فيما راح العالم كله ينظر برعب الى ما يحدث في اول حالة محاصرة اسرائيلية لعاصمة عربية منذ سقوط القدس. في نهاية الأمر، وبعد مفاوضات شاقة وعسيرة ومتقلبة دامت زمناً، وافق الفلسطينيون على الخروج من بيروت، فكان خروجهم منها نهاية بشكل عملي للعمل الفلسطيني المسلح خارج فلسطين، لأنهم بعد خروجهم من بيروت خرجوا من لبنان كله. اما اسرائيل فانها احتلت العاصمة، بعد ان اوقعت الوف القتلى وخسائر هائلة. هذا كله ادى الى تبدل المعطيات السياسية في لبنان، كما بدَّل المعطيات الفلسطينية. اما اسرائيل نفسها فإنها، رغم انتصارها، لم تخرج سالمة. فهي الى الخسائر التي تكبدتها ولا تزال في الجنوب الذي واصلت احتلاله طويلاً بعد ذلك ولا تزال، تورطت في مذبحة "صبرا وشاتيلا" التي اقترفها رجال "القوات اللبنانية" تحت سمع الجيش الاسرائيلي وبصره. فكان ذلك التورط فضيحة ادت، حتى الى قلب المعطيات السياسية داخل اسرائيل نفسها. كما إلى استقالة وزير الدفاع شارون وسقوط الحكومة كلها، وانتهاء حياة مناحيم بيغن السياسية.