تجربة الممثل الفنان تيسير إدريس رحلة طويلة من المعاناة الطويلة، عبر خلالها محطات مختلفة ومتعددة سواء في المسرح أو في السينما والتلفزيون، وكان له في كل محطة منها عمل محدد تميّز فيه، وقدم من خلاله بعضاً من موهبته التمثيلية الكبيرة. فبعد أدوار عدة في المسرح كان دوره المهم والمميز في مسرحية "دون كيشوت" مع زميله الممثل المعروف زيناتي قدسية. في هذا العمل قدم تيسير إدريس أول أدواره الكبيرة، سواء على صعيد مساحة الدور، أو - وهذا هو المهم - على صعيد تنوع الحالات الإنسانية التي حفل بها الدور والتي فتحت أمامه المجال ليقدم أداء تميز بالرهافة والإحساس، وبالقدرة العالية على الانتقال السريع بين الحالات والمواقف الدرامية المختلفة، مما لفت اليه الأنظار كممثل مسرحي له حضوره الكبير على الخشبة ويملك مواهب لأداء أدوار في النوعين الكوميدي والتراجيدي على حد سواء. ومن المسرح الى السينما والتلفزيون أعطى تيسير إدريس أدواراً تمثيلية متعددة، وبإدارة أكثر من مخرج، لكن أهم أدواره السينمائية على الإطلاق كان أداءه لدور البطولة الصعب والمركب في فيلم المخرج عبداللطيف عبدالحميد المميز "صعود المطر" والذي لعب فيه إدريس دور كاتب روائي يعيش ضغط الحياة الراهنة بكل صورها الاستهلاكية ويظل أميناً لمثله وقيمه، ودوره في الحياة، وهو الدور الذي لعبه ببراعة عالية استحق معها الجائزة الذهبية لأحسن ممثل دور بطولة في "مهرجان دمشق السينمائي" لدورة عام 1995، حيث استحق فوق الجائزة اعجاب النقاد والمشاهدين. وهذا ما تكرر عند عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي إذ عبّر النقاد المصريون في مقالاتهم عن الإشادة بأدائه، خصوصاً وقد جاءت بنائية الفيلم ضمن خطين واقعي وفانتازي وتمكن تيسير إدريس خلال مراحل الفيلم كلها من الحفاظ على حرارة الأداء وشاعريته. أما في التلفزيون فقد قدم تيسير إدريس أدواراً عدة، لعل أبرزها دور الشرير القاتل في مسلسل "المحكوم" مع جمال سليمان وخالد تاجا ومن إخراج محمد فردوس أساسي. وبالرغم من الطبيعة البوليسية التي طغت على حبكة المسلسل ككل فقد نجح تيسير إدريس في تقديم أداء مقنع تفاعل مع المشاهد، وان تكن فرصة تيسير إدريس في التلفزيون لا تزال حتى هذه اللحظة دون مستوى موهبته، بل حتى دون مستوى فرصه على المسرح أو في السينما، حيث اقتصرت أدواره في التلفزيون على أداء الأدوار الثانوية، والأقل تركيبية، وهو الممثل القادر على تنويع أدائه بتعبيرية عالية. ومع ذلك، يمكن القول أن أدوار تيسير إدريس المختلفة سواء في المسرح أو السينما والتلفزيون كانت تمهيداً ضرورياً فتحت أمامه فرص المشاركة في العديد من الأعمال التلفزيونية الكبيرة التي يقوم بأدوار فيها، في هذه المرحلة والمراحل القادمة. أما اللافت في إدائه للأدوار المتنوّعة والمتفاوتة بين اللون الكوميدي والتراجيدي، فهو البعد التقني الذي يخوّله الانتقال من موقف الى آخر ويساعده على تلبس الشخصيات والتعبير عن إنفعالاتها وأحاسيسها العميقة. ولم يصل تيسير إدريس الى هذا المستوى من الإداء المرهف، العفوي والمتقن في الحين نفسه، الا بعدما اجتاز مراحل مهمة سواء في المسرح أو أمام الكاميرا. وكم بات نادراً نوع هؤلاء الممثلين الذين يواجهون الكاميرا والجمهور معاً.