الهاشمي سحنوني من رموز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وأحد القريبين من الشيخ علي بن حاج. بل إن الجبهة ولدت في بيته في حي المكفوفين في أعالي العاصمة الجزائرية. لكن الشيخ خرج من الجبهة إثر الخلاف بين تيارتها على قضية الإضراب الذي إنتهى في حزيران يونيو وأدى الى إعتقال قادة "الإنقاذ" وعلى رأسهم عباسي مدني وعلي بن حاج. أجرت "الحياة" مقابلة مع الشيخ الضرير في منزله، روى فيها موقفه من التطورات التي تشهدها الجزائر لا سيما الأحداث التي سبقت الصدام بين السلطة والجبهة الإسلامية في 1992. وفي ما يأتي نصر المقابلة: كيف يعلل الشيخ سحنوني التزام "مجموعة المنشقين" عن "الإنقاذ" الصمت إزاء المجازر التي لحقت بالبلاد منذ 1992؟ - اتهامك لنا بأننا سكتنا عن المجازر منذ 1992 غير صحيح. أولاً: المجازر لم تقع عام 1992 وإنما منذ 1995. ثانياً: موقفنا كان واضحا منذ 25 حزيران يونيو 1991، عندما أطلقوا علينا صفة المنشقين أو عملاء السلطة، وصفات أخرى ما انزل الله بها من سلطان. فمنذ ذلك التاريخ قلنا إن دماء المسلمين ثقيلة في الحساب يوم القيامة، فأول ما يتقاضى الناس فيه يومئذ أمام الله هو الدماء. وقلنا عبر التلفزيون إننا أبرياء من دماء المسلمين، من أي قطرة تسيل من دمائهم. قلنا هذا الكلام لنتحمل مسؤولياتنا، لأننا كنا نعلم، بفطرتنا وتربيتنا الشعبية، ان الأمور إذا انطلقت ستنفلت من أيدينا، لأننا قد نتحكم في بداياتها لكننا لن نعلم شيئا عن نهايتها، وان الأمور قد تأخذ منعرجات أخرى، وقد يقع ما لا نعلمه أو نتوقعه. لذلك تبرأنا. ثم بعد ذلك، كنا في كل مناسبة أو فرصة نتبرأ وننهي المسلمين عن الإنزلاق في هذا القتل العشوائي، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يعتبر ان زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم مثلما جاء في الحديث. ونحن إذا انطلقنا في مواقفنا السياسية ننطلق من كتاب الله ثم من سنة رسوله، ففيهما النهي عن قتل المسلمين. وهذه المجازر لا نرضاها أبداً ولا نوافق عليها ونستنكرها امتثالاً لقول الله ورسوله، لأن هناك من يستنكر المجازر لكن بمناورات سياسية معينة لتحقيق مصالح معينة. نحن لا نرجو إلا رضا الله وسنظل أوفياء لعهدنا بالاستنكار لها إلى أن نلقى الله. صناع القرار في "الإنقاذ" شاركتم في الندوتين اللتين أقامهما رئيس الحكومة السابق السيد سيد احمد غزالي مع الأحزاب سنة 1991 على رغم معارضة قيادات "الإنقاذ" لذلك؟ وتبين في ما بعد وجود اتجاهات أو مجموعات عدة داخل "الإنقاذ" مثل مجموعة سحنوني ومجموعة عبدالقادر حشاني وجماعة بن عزوز زبدة؟ - أنا أتحدث عن الجبهة من منظور أنني كنت أول مؤسسيها، وأعلم عن جبهة الإنقاذ كل صغيرة وكبيرة حتى غادرتها في حزيران عام 1991، بعد الإضراب. وما حدث بعد ذلك أعرف عنه الكثير. ولكن لا أعلم كل شيء. أما قبل ذلك فقد كنت مطلعاً على صغيرها وكبيرها. وكنت صراحة من صناع قرارها في ذلك الوقت. أقول: الجبهة مرت بمرحلتين. الأولى هي جبهة القيادة السلفية، التي كنت والحمد لله، من قيادتها. ولا أندم على ذلك، وقد تحقق في عهدها الخير الكثير للمسلمين. بدءاً ب856 مجلساً بلدياً، و32 مجلساً شعبياً ولائياً، بالإضافة إلى الأعمال العظيمة التي قدمناها للشعب الجزائري من "أسواق الرحمة"، ومساعدات خلال زلزال تيبازا عام 1989، والمساعدات للمتضررين من الفيضانات التي وقعت في ورقلة والأغواط. المهم أننا قدمنا عملاً كثيراً للمسلمين أيام قيادتنا للجبهة، ولا نرجو من ذلك جزاء ولا شكوراً من أحد. لا أقول حققنا كل شيء وإنما حققنا الخير الكثير. المرحلة الأولى انتهت بالإضراب في أواخر ايار مايو 1991. بعد ذلك أبعد السلفيون من قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والمؤامرة كانت كبيرة والكلام عنها قد يطول، لأنها بدأت من إعادة الهيكلة في البلديات ومغادرة السلفيين للجبهة، ومجيء تيار الجزأرة. بعدها جاءت الجبهة الثانية التي أسميها جبهة الجزأرة، وقادها هؤلاء وبدأوا يتراجعون عن مكاسب الجبهة ويخسرون كل شيء حتى خسروا الجبهة نفسها. ونحن لا نتحمل مسؤولية ما حدث للجبهة بعد حزيران 1991. وكل ما حدث لها يتحمله أصحاب الجزأرة. أمّا التقسيم الذي ذكرته وهو وجود ثلاثة تيارات ، فأنا أعتقد بوجود تيارين فقط هما: التيار السلفي وتيار الجزأرة. حكومة لم نشارك في تشكيلها اقترح عليكم الرئيس السابق الشاذلي بن جديد تعيين حكومة. فهل هذا الاقتراح أخذ بعين الاعتبار في مجلس الشورى؟ - ينبغي التذكير بالمرحلة والتاريخ الذي اقترح الرئيس الشاذلي بن جديد ذلك. فالتاريخ كان متأخراً. إذ قبيل الإضراب كانت هناك اتصالات مع الشيخ عباسي مدني واقترح عليه الشاذلي بن جديد تشكيل حكومة مع الاحتفاظ بحقائب يعينها رئيس الجمهورية. جاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه الجزأرة قد تمكنت من معظم مكاتب البلديات والولايات، وكان قادتها وزعماؤها يحيطون بعباسي من كل جانب. وبدأ الخلاف يدب بيننا وبينهم. ومال إليهم الشيخ عباسي مدني، ووضع ثقته فيهم وصار يستشيرهم أكثر مما يستشيرنا. وبالتالي كانت هذه الأسباب التي دفعتنا إلى اتخاذ مواقف معينة من قيادة عباسي. والحقيقة أننا سمعنا فعلاً بالاتصال ولكن لم نعلم عنه شيئاً. لما ذهبنا عن قيادة الحزب عقدوا مؤتمراً سموه "الوفاء" في باتنة - وأنا أسميه "الوفاة" لأن فيه تقرر قتل الجبهة الإسلامية للإنقاذ - وجاءت القيادة الجديدة برئاسة المرحوم عبدالقادر حشاني، عبر المكتب التنفيذي الموقت. وقد أعيد الإقتراح عليهم من جديد. لكن ليست لي المعلومات الكافية للخوض في الموضوع على رغم معرفتي بالكثير من الذين رُشّحوا لحقائب وزارية. ومادام الله يقول: "لا تعفوا ما ليس لك به علم"، فإنني أفضل الصمت إذ ليس لي علم كثير بهذا الموضوع. وماذا عن قصة مرسول الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا متران إلى قيادة "الإنقاذ"؟ - لم أحضر اللقاءات، فعباسي كان محاطاً إحاطة السوار بالعظم من طرف رجال الجزأرة، بل كانوا يقولون له أن في المجلس الشورى أعضاء من المخابرات، وأعضاء يتعاملون مع السلطة وينبغي الحذر منهم. فكان يخفي علينا الكثير من هذه اللقاءات والمعلومات. عباسي اطلق "الانقاذ" متى ظهرت فكرة إنشاء الحزب؟ - أول جلسة انعقدت بيني وبين علي بن حاج كانت في بيتي حي المكفوفين في بوزريعة حيث أنت جالس الآن. اقترح علي إنشاء حزب، بعد دستور 1989 الذي يبيح التعددية الحزبية، وذلك بإنشاء جمعية ذات طابع سياسي. فقلت: ما الفائدة من ذلك؟ قال: الحزب يفتح علينا أفاقا كثيرة للدعوة الإسلامية ولتبليغ كلمة الله بطرق أسهل وأوسع. وقال: نحن الآن لا ننشط إلا في المساجد، والمسجد إذا كان كبيراً قد يأخذ ألفاً أو ألفين من المصلّين، بينما في الحزب يمكن إنشاء جرائد في الولايات، وتنظيم تجمعات في الساحات، ويمكننا الوصول إلى أكبر عدد من الناس وتبليغهم كلمة الله وكلمة الإسلام ... والحزب وسيلة طيبة أتيحت لنا لنستغلها ونستفيد منها وهذا هو المقصد الأساسي لنشأة الحزب. وكان الاجتماع في بيتي في 8 شباط فبراير 1989. وتوسعت الدائرة في ما بعد. هل وافقت على الفكرة؟ - بصراحة كنت دائماً متحفظاً في البداية. وقلت لعلي بن حاج: أتعتقد أن الدعاة الموجودين حالياً في الساحة سيوافقوننا؟ قال لي: سنتصل بهم، ونعرض عليهم إن وافقونا فذاك، وإن لم يوافقوا أقمنا عليهم الحجة. وكان أول اتصال بالسيد عباسي مدني يوم الخميس 9 شباط 1989 عند الساعة الثالثة بعد الظهر، فجلسنا معه واقترحنا عليه ذلك. ففرح به. وقال: المبادرة التي تأتي من الأخوين علي والهاشمي لا اعترض عليها. ووافقنا، وتناقشنا بعد ذلك، واقترح هو إطلاق اسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الحزب. اتفقنا على ذلك، ثم اتصلنا بالشيخ عبدالله جاب الله، والشيخ نحناح محفوظ وعبدالباقي صحراوي وغيرهم. وانضم إليها من انضم وعارضنا آنذاك من عارض، وكان تيار الجزأرة أول من عارض إنشاء حزب وفي مقدمتهم المرحوم محمد السعيد. بعد ذلك عقدت الجلسة التأسيسية في 9 آذار مارس 1989، وذلك بعد الإعلان الأول الذي كان في 16 شباط في مسجد السنة، والإعلان الرسمي كان يوم 10 آذار 1989 في مسجد ابن باديس بالقبة بعد صلاة العصر. هل اطلعت على كتاب "الفتنة" لأحمد مراني وروايته لنشأة الجبهة؟ - نعم، ورأيت فيه الكثير من المعلومات غير المدققة. احمد مراني لم يحضر بداية العملية لغاية جلسة 9 آذار 1989. أين كتبتم برنامج الجبهة؟ - كتبنا الجزء الأكبر منه في بيتي. وما تفسيرك لنشر "منبر أكتوبر" لبرنامج جبهة الإنقاذ وهي مجلة أسبوعية تابعة للرئيس احمد بن بلة؟ - الحقيقة ليست لي تفاسير للعملية طالما ليست لي معلومات كاملة بكل حيثيات الموضوع. لكن الرئيس احمد بن بلة كان على اتصال دائم بالشيخ عباسي مدني والشيخ بن عزوز زبدة، والتقى بهما بعد تأسيس الجبهة، وهما اللذان حرضاه على الدخول. الدعوة حققت الفوز في الانتخابات هل فوزكم في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 12 حزيران 1990 هو انتصار سياسي أم ديني؟ - إذا قلت إننا كنا من المحنكين في السياسة اكذب عليك، فنحن كنا من المبتدئين، وإن كان بعضنا أصابه الغرور، لأنه ظن انه على قدر كبير من الحكمة والتجربة. انتصارنا جاء نتيجة الجهد الدعوي الذي بذل منذ نهاية الستينات، وعشناه منذ عام 1977 بدعوة الناس ونشر الإسلام والدعوة إلى مبادئه وتحكيم شريعته. واعتقد إن ال12 سنة من الدعوة هي التي أنتجت ذلك النصر والفوز بالمجالس عام 1990. فكرة الدولة الإسلامية هل نفهم مما سبق إن انتصاركم ليس لبناء دولة إسلامية وإنما للفوز بمجالس شعبية؟ - أصارحكم إن بناء الدولة الإسلامية يحتاج إلى عمل طويل، ومجهودات بشرية وذهنية ودعوية. والفترة التي نشطنا فيها في إطار الحزب كانت قصيرة جداً. لذلك إذا قلت لك أننا هيأنا كل شيء لقيام دولة إسلامية أكون مبالغاً أو ربما حتى كاذباً، لكن أقول أننا كنا نعد الناس لقبول فكرة الدولة الإسلامية وقيامها ولو تدريجاً شيئاً فشيئاً، وهذا الذي كنا أعددناه ونعمل من اجل تحقيقه. أما قيام مؤسسات وتحضير أطر كفء بتسيير هذه الدولة فلم نباشر ذلك. لوحظ في بداية التسعينيات احتلالكم شوارع العاصمة أيام الجمعة لإقامة الصلاة فيها. ألا ترى أن زحفكم نحو الشارع أحد أسباب قلق المؤسسة العسكرية، وقيامهم ضدكم؟ - اعتقد أن قلق المؤسسة العسكرية واتخاذها القرارات التي أقدمت على تنفيذها، سببه الكلام الذي كان يقال في كثير من التجمعات والمهرجانات وهو: "سنحاسبكم، وسنقيم لكم محاكم شعبية، وسنعلقكم على أعواد المشانق ...". أظن أن هذا أخافهم كثيراً ودفعهم إلى توقيف المسار الانتخابي. ماذا كانت تريد المؤسسة العسكرية من إجراء اتصالات متواصلة معكم؟ - الاتصالات مع الجبهة الإسلامية، في عهد السلفية التي كنا ننتمي إليها، كانت ضئيلة جداً. وكان يقتصر الاتصال على رئيس الجبهة فقط. ثم في آخر أيام الإضراب حزيران 1991 جرى الاتصال مع الشيخ علي بن حاج. أما غيرهما فلم يكن أحد في اتصال مع المؤسسة العسكرية. المؤسسة العسكرية كانت تريد أن تعرف فقط ما الذي نريده بالبلاد، وما مصيرهم إذا وصلنا إلى الحكم. بمعنى أنهم كانوا يريدون معرفة ماذا نريد أن نفعل بعد تسلمنا السلطة. أحداث أكتوبر 1988 هل نستطيع أن نقول أن قوة الحركة الإسلامية مستمدة من أحداث 5 تشرين الأول أكتوبر 1988، عندما حاول الشيخ علي بن حاج استغلالها لمصلحة الإسلاميين؟ - أحداث أكتوبر 1988 عايشتها منذ بدايتها إلى نهايتها، وعلي بن حاج كان ملازماً لي في تلك الأيام ليل نهار. كل المواقف التي اتخذها كنت معه فيها، وعلي بن حاج لم يستغل الوضع كما تقول، وإنما الوضع انفجر رغماً عنا، ولم تكن لنا يد في انفجاره. ولما انفجر الوضع ورأينا الناس تخرب وتحرق كان لا بد علينا من اتخاذ موقف، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيّره". وكان لا بد من اتخاذ هذا الموقف لتغيير ذلك، واتصلنا بالشباب، ثم اتصلنا بقيادة حال الحصار آنذاك، وعقدنا اجتماعاً في مديرية الأمن حضرته شخصياً إلى جانب الشيخ علي بن حاج، بينما كان يمثل المؤسسة الأمنية كل من الحاج صدوق ومحمد قنيفد وكان معهما جنرال لا نعرفه قدم لنا نفسه باسم الجنرال "حبيب" بصفته من قيادة حال الحصار. اتفقنا معهم على أن نقوم نحن بتهدئة المتظاهرين ومنع التخريب والحرق، وفي مقابل ذلك يقوموا بسحب وحدات الجيش من الشوارع حتى لا يقع استفزاز. هل كان الاتفاق مكتوباً بينكم وبينهم؟ - كان شفوياً، وكنا يومها قد طلبنا لقاء الرئيس الشاذلي بن جديد فقالوا لنا: تصعب مقابلته في الظروف الأمنية الصعبة، لكن إذا كانت لديكم طلبات مكتوبة فقدموها لنا. وأبدوا استعدادهم لنقلها إليه. وماذا فعلتم؟ - الاجتماع في مديرية الأمن كان يوم الجمعة بعد العصر 7 أكتوبر1988، وأبلغناهم رغبتنا في القيام بالمهمة في اليوم نفسه، وأن يقوموا بتخفيف الحصار كذلك. واتفقنا على تقديم رسالة اليهم لنقلها إلى الرئيس بعد 24 ساعة، أي اليوم التالي، بعد عصر السبت. لكن ما حدث يوم السبت لم يكن ما اتفقنا عليه، حيث لاحظنا عمليات إطلاق النار وقتل بعض المتظاهرين، ولم يسحبوا قوات الأمن مثلما وعدونا. لهذا رأينا أن لا جدوى من تقديم الرسالة. وماذا عن الاتصالات التي جرت بين الإسلاميين وبين الجنرالين محمد بتشين والعربي بلخير؟ - الاتصالات التي جرت بين جنرالات الجيش أو المخابرات لم تتم في عهد السلفية، إنما كانت في عهد الجزأرة، أي في الجبهة الثانية. وسمعت بعض الأمور لا أؤكدها أو أنفيها. كيف كانت مشاركتكم في ندوة الحوار التي أجراها سيد أحمد غزالي عندما كان رئيس حكومة مع الأحزاب في صيف 1991؟ - لم أشارك شخصياً في الندوة أو أدعى إليها، ولم أوافق حتى على قرار أخي كرار وأخي بشير الفقيه الذهاب إليها. أعتقد أنهما شاركا بصفتهما الشخصية، وكنت رافضا لذلك. هما بررا مشاركتهما بأنهما يحضّران للدفاع عن الجبهة في الندوة، ثم أن الشيخ عبدالقادر حشاني كان قد بعث برسالة مع عاشور ربيحي إلى السيدة لويزة حنون رئيسة حزب العمال وأعطاها التفويض للتحدث باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهذا أمر كنا رافضين له. ذهبتم إلى التلفزيون مع السيد احمد مراني لتشنوا حملة على عباسي مدني. لماذا لجأتم إلى مؤسسة عمومية عوض النزول إلى الشارع للكلام مع مناضلي الجبهة، أو إصدار بيانات وتوزيعها عليهم؟ - من عايش الأوضاع يومها يعرف لماذا قمنا بذلك. لقد أصدرنا بياناً أمضاه الكثير من أعضاء المجلس الشوري الوطني ننادي فيه بتوقيف الإضراب والانسحاب. لكن لم نجد أي استجابة، فالشارع كان يغلي. ثم أن بعض العناصر من قيادة الجبهة كانت نيتهم غير طيبة. إذ قالوا للناس: كل من يدعوكم الى الرجوع إلى بيوتكم، وإخلاء الساحات، فهو من المخابرات وليس منا، وأن الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج هما الوصيان المخولان بالتكلم. فكان من المستحيل مخاطبة الناس أو استماعهم إلينا. فقررت تبرئة نفسي مما يجري ولا يهمني إن قبل الناس مني ذلك أم لم يقبلوا. وقد لا يقبلون الحق وسيرة الأنبياء تثبت ذلك ... ولهذا قلت لا بد من تبرئة نفسي أمام الله. أما ما يحدث بعد ذلك فلست مسؤولا عنه. كيف ظهرت أول مرة فكرة الإضراب في 1991؟ - أول من طرح فكرة الإضراب هو الشيخ علي جدي، ثم بعد ذلك تبناها الشيخ عباسي مدني بقوة في اجتماع مجلس الشورى في بداية نيسان أبريل 1991. وتعصب عباسي للفكرة وقال: إذا لم توافقوا عليها انسحب وأؤسس حزباً آخر وأعلن الإضراب. وقال كلاماً آخر مفاده: إذا لم يقم هذا الإضراب لن تبقى الجبهة أو الإسلام ولا الدعوة. وكنا نطالبه بالحجة، لكنه كان يستعمل معنا عبارة "أنا أعلم وعندي معلومات". والغريب أنه قبل أسابيع من ذلك الاجتماع كان يحذرنا من أي إضراب، باعتباره فكرة شيوعية، وأن الشاذلي بن جديد رجل طيب يواجه الجيش ويحمينا. وفجأة انقلب فنادى برحيل الشاذلي. ألا ترى أن للأحزاب السبعة التي ساندت الإضراب علاقة بالتغيير الذي طرأ على الشيخ عباسي مدني؟ - الحقيقة أنه لا الأحزاب قادرة على تغيير عقلية الشيخ عباسي، بهذا الشكل، ولا غيرها. الذين غيّروا فكرته أناس في الخفاء، ومتمكنون ويعرفون نفسيته جيداً، ويقدمون له ما يقنعه لأنه كان لا يقيم وزناً للأحزاب. إذا أردنا أن نقيّم الحركة الإسلامية في الجزائر منذ نشأتها لغاية إضراب 1991، ماذا نقول عنها؟ - لا شك أن لكل حركة إيجابياتها وسلبياتها. والحركة الإسلامية لم تبدأ مع الجبهة، إنما في أواخر الستينات وبداية السبعينات، ومنذ ذلك الحين والعمل الدعوي ينمو في الساحة وهو الذي هيأ الأجواء وحضر كل شيء لإنجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ. عندما جئنا إلى الجبهة استفدنا من الواقع الذي كان في الدعوة، وأضفنا إليه أشياء جديدة وهي قضية مجالس البلديات والولايات. عندما كنتم كسلفيين في "الإنقاذ" لماذا لم تفكروا في توحيد الحركة الإسلامية عوض الانفراد بالقيادة؟ - هناك أمور يؤسفني أن أتحدث عنها. بصراحة، إن إخواننا من زعماء الحركات الإسلامية التي كانت موجودة آنذاك، ولا أقصد الشيخين جاب الله ومحفوظ نحناح بل الجميع، فهم كانوا يوافقون على أي طلب نتقدم به إليهم باستثناء التخلي عن زعاماتهم. وعندما أسسنا الجبهة عرضنا عليهم كلهم الانضمام فرفضوا وبادروا إلى إنشاء رابطة الدعوة الإسلامية. ثم فشلت، وكانوا يقولون وخاصة جاب الله ونحناح انهما مستعدان للنشاط في أي مجال إلاّ الإطار السياسي، وان وجمعياتنا يمكن أن تكون خيرية، دعوية، تربوية، ثقافية، وحتى رياضية، إلاّ سياسية فلا، لأننا نرى أن الشعب لم ينضج بعد وغير مستعد لذلك. وهي تبريرات كثيرة والأشرطة موجودة كشاهد على ذلك. وبين عشية وضحاها أسسوا أحزاباً سياسية، بل أباحوا التعددية السياسية. والحقيقة كانت لهم أغراض وكان يستحيل جمع الزعماء في قيادة واحدة، لأنه كان يصعب تعيين زعيم بعد ذلك على الزعماء.