هزت حركة "شاس" اتحاد اليهود الشرقيين العالمي - حراس التوراة الائتلاف الحكومي الاسرائيلي الموسع، والذي يبلغ عدد مقاعده في الكنيست 74 مقعداً. ووضعت ايهود باراك رئيس الحكومة لأيام قليلة أمام معادلة صعبة. وبالنظر الى الكنيست، لم يكن فوز باراك بالانتخابات انتصاراً واضح المعالم لحزب العمل، فانتخابه لم يؤد الى تحول من اليمين الى اليسار، كما لم يكن انتصاراً لحمائم اسرائيل المعتدلين، وعلى النقيض تماماً خسر حزب العمل حتى بعد ان أدخل في صفوفه في "اسرائيل واحدة" غيشر وميماد المعتدلين ما يزيد على خمسة مقاعد في الكنيست، الأمر الذي أظهر انتصار باراك، انتصاراً شخصياً وليس ايديولوجياً، ففي المساومة مع حركة شاس، والمناورة التي دأبت على تكرارها، لم يتجنب باراك أخطاء من سبقوه من رؤساء الحكومات الاسرائيلية، فليس له من مناص في توزيع الموازنات لكسب الحلفاء، ودعم المتدينين بدلاً من دعم النقابات والعمال، الأمر المعاكس لما جاء في برنامجه الانتخابي بخصوص المسائل الاجتماعية والاقتصادية، وحول دعم التعليم العام وتقليص شبكات التعليم الديني التي ترعاها الاحزاب الدينية، الأمر الذي سيعيد الموضوع الى واجهة السجال السياسي الداخلي في اسرائيل. فحركة شاس غير الصهيونية، قبضت ثمن "السلام" بعد ان أعادت الى الأذهان التظاهرة العملاقة في منتصف شباط فبراير العام الماضي في القدس، في هجومها على مجلس القضاء. وهكذا تتبدى كحركة مفارقات، فهي معتدلة سياسياً وتؤكد الهوية الشرقية المثارة وتسعى الى فرض السلوك الديني ولا تعارض الاتفاقات، والاهم من هذا انها تيار يتضاعف باستمرار بسبب الخدمات الاجتماعية التي تقدمها، وليس بسبب العودة الى التوراة. باتت حركة شاس الحزب الثالث في اسرائيل 13.1 في المئة، بل ان الفارق بات ضئيلاً مع ليكود، 14 في المئة، وبحسب دراسة اسرائيلية أجريت عام 1995 فإن معدل مداخيل اليهود السفارديم أدنى بنسبة 30 في المئة من مداخيل الاشكيناز، اضافة الى السكن الرخيص والنوعية الرديئة في الضواحي أو في مدن التنمية البعيدة عن المركز. وبذلك تجسد نفسها بوصفها حركة تعيد الكرامة الى الشرقيين السفارديم، وانها ولدت من رفض حاخاماته الاكتفاء بدور ثانوي في مؤسسات الاشكناز، وامتدت نفوذاً خارج الأوساط الأرثوذكسية اليهودية الحريدية، بما يعيد الأمجاد لحركة الشرقيين الذين يمثلون نصف الاسرائيليين تقريباً في التركيبة "القومية - الجهوية"، ومنهم 400 ألف من أصل مغربي لم يعانوا من الاضطهاد مثل الاشكناز في أوروبا، الذين عانوا قروناً من الاضطهاد بلغ أوجه مع الحملة النازية. وأمام هذه الازدواجية السائدة للفرز الجهوي وعدم التجانس والموقع الاجتماعي المتدني، يعلو الحنين لذلك التعايش في المغرب، على رغم موضوع الغوييم الأغيار والعدواة المتأصلة، كل هذا الخليط شكل اندفاعتها وانطلاقتها المتسارعة والمتواصلة خلال 14 عاماً، فهي من 4 مقاعد في الكنيست العاشر عام 1984، الى 10 مقاعد في الكنيست الرابع عشر عام 1996، الى 17 مقعداً في الكنيست الخامس عشر عام 1999 من أصل 120 مقعداً. أمام كل هذا يجري فهم أسباب اندفاع حركة شاس، وليس عبر "صوت الحقيقة" أو القدرات العجائبية للحاخامات أو الاعلام المتنوع من التلفزيون الفضائي أو الاذاعة غير المرخص لها. أخيراً، وعلى رغم وجهة نظر أنصار النظرية الصهيونية الليبرالية العلمانية الشاملة اليسار، فإن الانصياع لحركة شاس بمثابة تنازل وتساهل وكسر للمعايير في القيم الاساسية، يتضح كذلك ان العلمانية مستعدة لايجاد تراضي أشبه بأكسير الحياة للديموقراطية الاسرائيلية، طالما انها لا تستطيع تنفيذ برنامجها الخاص بها برمته. * كاتب فلسطيني.