سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المواجهة مع المتطرفين المسلحين اقتصرت على الإدارة الأمنية فغيبت الإدارة السياسية . مرجع حكومي: حصل خلل أمني في تقدير حجم المجموعات المسلحة وقوتهم ومرحلة مفاوضات السلام تتطلب الإفادة من الإجماع تحسباً لأي مسلسل
بعد نحو عشرة ايام على الهزة الامنية - العسكرية التي شهدها لبنان بفعل المواجهات العسكرية بين الجيش والمجموعات الاصولية المتطرفة في جرود الضنية والعملية التي نفذها الشاب الانتحاري ضد السفارة الروسية في قلب بيروت، ما زال الغموض يلف جانباً من هذه الاحداث، بخلفياتها وأبعادها، على رغم اتضاح وقائع عدة في شأنها، في انتظار اكتمال التحقيقات التي تجريها السلطات الامنية مع الموقوفين من هذه المجموعات واجراء تقاطع في المعلومات مع ما رافق هذه المواجهات، من احداث اخرى، مثل قتل الراهبة الانطونية وموجات الاشاعات التي ملأت البلاد، مستفيدة من سهولة اطلاق الغرائز اللبنانية من عقالها. ومع ان الايام السابقة لم تجب عن كل الاسئلة وأبقت بعضها معلقاً، فقد سمحت بظهور بعض الوقائع والنتائج السياسية التي يمكن تسجيلها كالآتي: 1 - تجمع القراءات السياسية لنتائج ما حصل على انه يؤدي الى اضعاف موقع لبنان في مفاوضات السلام، كذلك سورية، وعلى ان المجموعات المسلحة التي واجهت الجيش، هي بالتعريف مناهضة للمفاوضات ولعملية السلام مع اسرائيل. وسواء كانت القوى التي تقف وراءها، من هذا النوع ام انها تهدف الى اظهار لبنان وسورية في موقع الضعف في هذه المفاوضات، فإن التعبئة التي تتمتع بها هذه المجموعات المسلحة لها موقف عقائدي - ديني ضد السلام مع اسرائيل، قد تكون امتداداً عقائدياً لموقف مجموعات اسلامية اصولية في دول عربية اخرى، منها سورية، حتى لو لم تكن امتداداً تنظيمياً لها، خصوصاً اذا ثبت ان لهذه المجموعات صلة ما، عبر قيادتها مع رموز مثل أسامة بن لادن وغيره. وهذا يفترض من السلطات السياسية والامنية في لبنان الحذر مما يمكن مجموعات من هذا النوع ان تقوم به خصوصاً اذا استخدمت السلاح لمناهضة المفاوضات ونتائجها، ما يفترض ان المواجهة الاخيرة قد لا تكون الاخيرة بل لها مضاعفات لاحقة، ضمن مسلسل متعدد الاوجه، ما شهدناه هو البداية. 2 - يقر مرجع حكومي رفيع ل"الحياة" ان خللاً امنياً سبق ان رافق المواجهة العسكرية مع هذه المجموعات، اولاً لجهة تقدير عدد افرادها، وثانياً لجهة نوعية هؤلاء والتعبئة التي يتمتعون بها، وثالثاً لجهة قدراتهم القتالية وخلفياتهم وأصولهم. وهذا الخلل كان مدار اسئلة طرحها رئيس الحكومة سليم الحص على غير مرجع امني اثناء المواجهة العسكرية وبعدها. وكانت جلسة مجلس الوزراء الثلثاء الماضي مسرحاً لأسئلة من وزراء كثر، ما اثبت ان رموز السلطة السياسية لم يكونوا بدورهم على اطلاع دقيق من الاجهزة الامنية على خلفيات الامور ومجرياتها. والوقائع التي يتناقلها كبار المسؤولين، والتي يتردد انها سببت استياء حتى لدى رئيس الجمهورية إميل لحود، كثيرة. ومنها ان اجهزة الامن السورية كانت نبهت الاجهزة اللبنانية منذ ما يقارب ثلاثة اشهر، الى ان التجمعات المسلحة في جرود الضنية، مسألة يجب عدم الاستهانة بها، ويجب عدم الركون الى الضجة الاعلامية التي قامت على وجود اتباع الطريقة الصوفية النقشبندية المسالمة في هذه المنطقة. اذ تحت ستار وجود هؤلاء تقوم مجموعات اخرى أصولية بالتمركز والتدريب وتجميع السلاح. ثم ان احد مسؤولي المخابرات في الاجهزة اللبنانية رفع تقريراً قبل شهرين الى قيادته، تضمن تفاصيل عن هذه المجموعات وما تقوم به في المعسكرات والمخيمات التي اقامتها في المنطقة وبعض التجهيزات التي في حوزتها. وهو تقرير اعده الضابط المذكور بمشاهدات مباشرة حين قام برحلة صيد في جرود المنطقة برفقة بعض ابنائها الذين كشفوا عن ذلك في مقابلات صحافية. وبات معروفاً للرأي العام ان قادة الاجهزة الامنية قرروا في اجتماع تنسيقي، من الاجتماعات الدورية التي يعقدونها، عقد قبل يومين من عيد الميلاد، تأجيل عملية انهاء وجود هذه المجموعات المسلحة، بعدما تأكد لهم خطورة استمرارها وتوسعها، الى ما بعد عيد الفطر، تجنباً لحساسية القيام بعملية كهذه اثناء شهر الصيام. وفي رأي قيادات سياسية وأخرى أمنية خبيرة ان الخلل كان في التوقيت، اذ ان الاعتبارات الامنية لا تحتمل تأجيلاً كهذا في التعاطي مع مجموعات كهذه، الا اذا كان هناك قصور آخر، هو غياب اي تقويم، لارتباطات هذه المجموعات، او على الاقل قيادتها، بجهات لديها مشروع مناهض لتوجهات لبنان وسورية في ما يتعلق بالإقبال على مفاوضات السلام، يقضي بالتهيؤ لمقاومة نتائجها. كذلك اظهر هذا التوقيت قصوراً لجهة المعرفة الحقيقية بنوعية المقاتلين الذين تواجههم القوى الامنية، ان لجهة خبرة قادتهم القتالية والامنية التي سمحت لهم بأن يدركوا ان ارسال قوة استطلاع للجيش اللبناني الى المنطقة، هو تمهيد للانقضاض عليهم، فاستبقوها بالانقضاض عليها، وان لجهة استعداد كل منهم للقتال حتى الموت، في المواجهة مع الجيش. وهذا ما كشفته افادات الموقوفين منهم في التحقيقات الاولية الجارية معهم، كما اوضح مرجع رسمي ل"الحياة". واذ تكثر الاسئلة عن أوجه الخلل الامني، قبل المواجهة التي سبب بعض مراحلها خسائر باهظة في نظر بعض كبار المسؤولين، او حتى اثناءها، فإن هذه الاسئلة تطرح تحت سقف الدعم الكامل للجيش والقوى الامنية، ولكن من دون ان يلغي ذلك طرحها. ولا يتوقف تناول الخلل الامني عند طرح الاسئلة. فبعض المصادر الواسعة الاطلاع يشير، اضافة الى التنبيهات السورية السابقة، الى ان هناك وقائع اخرى في حوزة الاجهزة الامنية كان يمكنها ان تجعلها اكثر تنبهاً للمفاجآت المحتملة. ومن المؤكد ان هذه الاجهزة تلقت تحذيراً من قوى دولية نافذة بأن هجوماً ما سيحصل على مقر السفارة الروسية في بيروت انتقاماً للحرب التي يشنها الجيش الروسي على الشيشان. وهو تنبه كان يمكن ان يؤدي الى مواجهة منظمة اكثر للهجوم الذي حصل اذا كانت الظروف الموضوعية تحول دون استباقه او منعه. ففوضى المواجهة الاثنين الماضي في محيط السفارة باتت على كل شفة ولسان. 3 - ان الوقائع التي تتناقلها المعلومات المعروفة عن مصدر حصول منفذ الهجوم على السفارة الروسية، على السلاح، خصوصاً انه يقطن مخيم عين الحلوة الفلسطيني، و"الشبهة" القائمة، بحسب قول مرجع كبير ل"الحياة"، بأن يكون مصدرُ سلاح مسلحي جرود الضنية، مخيمي البداوي ونهر البارد الفلسطينيين في محيط طرابلس، يطرح مرة اخرى قضية الامن في المخيمات، الامر الذي يفترض، اذا اثبتت التحقيقات الجارية ذلك، مقاربة سياسية - أمنية لموضوع الامن في مخيمات اللاجئين، في صورة واقعية ومنطقية، يحدد خطة للمعالجة السياسية، ومن ثم الأمنية لهذا الموضوع، في شكل يجنب لبنان خضات عسكرية كبرى. وإذ يرتبط هذا الموضوع بمجريات المفاوضات، فإن انتظار الحلول النهائية، التي يفترض أن تتزامن مع نجاح المفاوضات، لا يعفي من وضع خطة مرحلية، تحت مظلة دولية - اقليمية تعفي لبنان والفلسطينيين من مشكلات هم في غنى عنها. 4 - غياب الإدارة السياسية للأحداث التي حصلت. وهي ادارة كان يمكنها سد الثغرات الأمنية وحتى السياسية الناجمة عن القصور في قراءة ما حصل من جانب الأجهزة. وهو غياب، بحسب اتفاق مصادر سياسية وأخرى رسمية، ناجم عن أن الأجهزة الأمنية لم تضع السلطة السياسية في الصورة الكاملة لما سبق المواجهات العسكرية، كي تشترك، في وضوح، في قراءة الاحداث واتخاذ القرارات في شأنها، وبالتالي تغطية القرارات العسكرية، حتى وأي تعثر في تنفيذها. واذ يعترف حتى بعض المراجع الامنية بجانب من الخلل الامني، فإن غياب الادارة السياسية جعل القيادة السياسية للدولة فاقدة الصورة الكاملة عن مجريات الامور، بل حتى عن مدى خطورتها وأهميتها، حتى في اعلى قمة السلطة، ما اصاب بعض رموزها بالخيبة. بل ان هذا ما جعل قيادات معارضة عدة، منها الوزير السابق وليد جنبلاط، تثير مجدداً الانتقادات عن انغماس بعض الاجهزة في ملاحقة المعارضين والقوى السياسية وانشغالها بممارسة مهمات ادارية - سياسية، تؤدي عملياً الى الغاء ادوار القوى السياسية وحتى ادوار من هم في السلطة من هذه القوى في المساهمة في معالجة الجانب السياسي - الاجتماعي من المواجهة، مع امثال المجموعات المسلحة التي تم الصدام العسكري معها. حتى ان بعض الاوساط يهمس ببعض التساؤلات التي طرحها رئيس الجمهورية تعبيراً عن عدم رضاه. وإذ استدرك القادة الامنيون والعسكريون الخلل، بحسم عسكري سريع للمواجهة، فإن الاوساط السياسية التي تتحدث عن غياب الادارة السياسية لما حصل، تدعو الى تدارك السلطة السياسية الامر، بالاستفادة من الالتفاف السياسي العام حول الدولة والجيش والسلطة السياسية، والذي ساعد في التغطية الكاملة للمؤسسات الرسمية جميعاً، في المواجهة مع المجموعات المسلحة. وفي هذا السياق يجب عدم الانتقاص من اهمية مبادرة قيادات معارضة بتقديم الدعم السياسي، بدءاً برئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، مروراً بقيادات اسلامية اخرى، خصوصاً شمالية، على رغم اعتقاد معظمها ان الخلل الامني ادى الى اخذ الكثير من الصالح بجريرة الطالح، من الاسلاميين الاصوليين، الذين ليسوا جميعاً حملة سلاح ضد الدولة وممن ينوون الاصطدام معها. فهذه القيادات عضت على الجرح وتجاوزت النقمة التي سببتها اخطاء ارتكبت حيال بعض المجموعات، متجاوزة الحساسية، ولا سيما الطرابلسية، التي نشأت من تجاهل الاسباب الاجتماعية السياسية، لتحول كثراً من الشبان الذين يعيشون حال بؤس وإهمال، نحو مجموعات من النوع التي خاضت المواجهة مع الدولة، فانحازت الى الاخيرة على رغم الاجواء المذهبية التي تعيشها البلاد. وفي رأي الاوساط نفسها، انه اذا هناك شبه اجماع على ان دخول لبنان مع سورية، مرحلة جديدة بسبب مفاوضات السلام، تتطلب خطة سياسية تحصن الجبهة الداخلية، في المفاوضات نفسها، وتحدد سقف الموقف الوطني في هذه المفاوضات، يدعم موقف السلطة منها، فما حصل اخيراً من مواجهات، يفترض ان تتولى الادارة السياسية تثبيت مناخ اجماع وطني يمكن لبنان من مواجهة من يسعون الى اضعاف موقفه التفاوضي، واستيعاب من يعارضون هذه المفاوضات، ليبقوا ضمن الحدود السياسية لمعارضتها، ولمنع استخدام قوى وأجهزة خارجية لهم، تسعى الى الافادة من نقمتهم المتعددة الاوجه، لتوجيهها ضد السلطة اللبنانية ومن يتصورونهم خصومهم المحليين. وتختم "ان تفعيل الادارة السياسية للمرحلة المقبلة، التي تحولت امنية بعد انتهاء المرحلة العسكرية، يحول دون اقتصار المعالجات على التدابير الامنية بل يتعداها الى خطوات سياسية تؤدي فيها القوى التي ساندت الدولة بكل مؤسساتها دورها في المعالجة".