كان شارع "تحت الربع" في القاهرة، وما زال أحد أكبر شوارعها التجارية ازدحاماً ورواجاً وحركة منذ ما يزيد على 700 عام، فهو سوق حافلة بكل أنواع المعروضات والمشغولات النحاسية والخشبية والزجاجية، بالاضافة الى فنون الخيامية والرخام. وهو حالياً مزار سياحي مفتوح يحوي أندر الآثار الإسلامية وأروعها عمارة من المساجد والبيوت العتيقة. تاريخ الربع سوق "تحت الربع" القائم أسفل باب زويلة او "بوابة المتولي" انشأها السلطان الظاهر بيبرس عام 1263م كمجمع تجاري ضخم، على أن يستخدم دخلها للإنفاق على بناء مدرسته المشهورة في شارع "بين القصرين". وبنى هذا المجمع الاسكاني التجاري وكان يسمى "الرُبع" بضم الواو، ولكن حرّفته العامة بعد ذلك الى "الرَبع" بفتح الراء. بُنيت السوق خارج السور الجنوبي للقاهرة الفاطمية، وقد سميت "الربع الظاهري" نسبة لصاحبها السلطان الظاهر بيبرس وكانت تحوي 120 وحدة سكنية تضم الواحدة منها ثلاث غرف تكفي لسكن أسرة كاملة، وبني اسفل هذه الشقق 120 محلاً تجارياً وأجّرت هذه المنازل والمحلات جميعاً فنشأت نتيجة ذلك سوق ضخمة عرفت وقتها ب"أسفل الربع الظاهري". وكان اختيار المكان خارج سور زويلة لإقامة السوق يرجع الى أنه تكثر فيه حركة تدفق الغرباء والوافدين الى العاصمة. وبعد 160 عاماً من انشائه اندثر الربع الظاهري في حريق مروع في عصر السلطان محمد بن قلاوون ورغم ذلك استمرت شهرة تحت الربع كسوق تجارية حتى بعد ما تغير اسم الشارع الى "شارع أحمد ماهر" رئيس وزراء مصر في الاربعينات الذي أطلق اسمه على الشارع تكريماً له عقب اغتياله، ومع ذلك لا يزال الشارع يحتفظ باسمه القديم الذي عرف به قبل سبعة قرون. دار التفاح ووسط ارجاء السوق هناك حارة "دار التفاح"، وترجع تسميتها الى سوق دار التفاح الذي بناه الامير قطز دمر احد امراء السلطان المملوكي الناصر قلاوون كمشروع تجاري كبير على غرار الربع الظاهري ومتاخم له، وكان يتكون من فندق ضخم يقيم فيه تجار الفاكهة الواردة الى القاهرة من البساتين المحيطة بها فضلاً عن تلك المستوردة من بلاد الشام. وشبّه المقريزي السوق بالجنة لحسن الفاكهة المعروضة فيه، وانتهى مصير دار التفاح الى ما آل إليه سوق الربع حين أزال السلطان فرج بن برقوق معظمه لينشىء محله مسجده وسبيله المواجهين لبوابة المتولي، وبعد ذلك ب 15 عاماً هدم السلطان مؤيد شيخ ما تبقى من دار التفاح ليشيد مكانه جامعه الكبير. على كل لون وسوق تحت الربع ظلت أكبر الأسواق التجارية في القاهرة المعزية، إذ استغل التجار وأصحاب الحرف اليدوية شهرة السوق فبنوا محلاتهم في المكان نفسه. وهي تمتاز بألوان مختلفة من المعروضات، وتباع فيها حالياً مستلزمات الديكور والمصايف، بالاضافة الى الحبال وسروج الخيل والمشغولات الخشبية. وتحتل المشغولات النحاسية مكانة بارزة في السوق على رغم قلة عدد ورشها، ويذكر أن النقش على النحاس مهنة قديمة للغاية تعود الى عهد الحضارة المصرية القديمة. ويقول صاحب أحد محلات بيع منتجات النحاس السيد حسام العسكري: "توارثنا مهنة النقش على النحاس أباً عن جد والمشغولات النحاسية منها اللونان الاحمر والاصفر، والنحاس الاحمر أغلى ثمناً لنقائه، أما الاصفر فتختلط فيه معادن اخرى، ونستخدمه في صناعة الشمعدانات والفوانيس، وبدأنا استخدام الزنكوغراف لإدخال الألوان المتنوعة على اللوحات في السنوات الاخيرة". ويستطرد شارحاً: "النقوش مختلفة، فهي إما فرعونية ويقبل عليها السياح وابرزها أشكال توت عنخ آمون ونفرتيتي. أما النقوش الاسلامية فتكون على هيئة آيات قرآنية، وزخارف هندسية تشتهر بها العمارة الاسلامية". ويقول العسكري إن إقبال العرب والمصريين على مشغولات النحاس ضعيف نسبياً فيما يفضلها السائح الغربي الذي تبهره دقة الصنع والمهارة اليدوية. وتتنوع المعروضات الأخرى في السوق التي تستخدم لأغراض الديكور ومنها المشغولات الخشبية لا سيما أعمال الارابيسك والارابيسك المعشق بالزجاج. ويقول السيد راجي عبدالحميد صاحب محل لتعشيق الزجاج: "يقبل على منتجاتنا عشاق فن الارابيسك والزجاج المعشق من المصريين والسياح العرب والأجانب، كما أن الفنادق الكبرى تطلب منا صناعة تابلوهات فنية من الزجاج لتزيين جدرانها، وأغلبها صور لأعماق البحار أو الغابات". ويقول إن صناعته تعتمد على استخدام قطع زجاج صغيرة، ما يزيد من قيمتها وجمالها، فاللوحة الصغيرة تحتوي وحدها على 20 جزءاً، ويصل العدد الى 200 جزء في اللوحة الكبيرة، وهذه الصناعة تعتمد أساساً على المهارة، واللوحة الواحدة تحتاج الى أربعة أفراد لتنفيذها. وتزدهر في سوق تحت الربع تجارة الرخام بكل انواعه وألوانه، ويستخدم لتزيين قطع الأثاث وفي واجهات المنازل، كما تقبل على شرائه القرى السياحية. وألوان الرخام متعددة منها الاسود والبيج والوردي والبني، ومنها المصري مثل الرخام الاسواني ورخام سماحة، وهناك أنواع مستوردة مثل الاسباني والالباستر والبلتورو وهي الأغلى في العالم ويتميز باللون الاسود تتخلله خيوط ذهبية. أما فنون الخيامية في السوق فيقبل عليها السياح العرب بصفة خاصة، كما يؤكد صاحب محل خيامية الحاج خليفة عبدالرحمن، اذ تجذبهم اللوحات القماش ذات النقوش الاسلامية لتزيين جدران المنازل، أما السياح الاجانب فهم يفضلون اللوحات ذات النقوش الفرعونية.اما المصريون فلا يقبلون على أعمال الخيامية إلا لأغراض إقامة الافراح أو المآتم أو موائد الرحمن في شهر رمضان العظيم. كما يبيع عدد من محلات الخيامية الجلاليب الشرقية والمطرزة بالخيوط الملونة والشيلان والحقائب. مزار سياحي وسوق تحت الربع تحوي عدداً هائلاً من الآثار في مقدمها باب المتولي أو "باب زويلة" وهو أعظم واضخم بوابات القاهرة واشهرها ويرجع تاريخه الى العام 1090ه، وسمي بهذا الاسم نسبة الى قبيلة "زويلة" العربية التي سكنت على مقربة من البوابة الجنوبية للقاهرة، كا يعرف ب"باب المتولي" نسبة الى متولي الحسبة الذي كان يجلس عند مدخل البوابة باعتبارها الباب التجاري للقاهرة، وذلك لجمع المكوس الضرائب من التجار. وفي القرن التاسع الهجري استغل السلطان المملوكي المؤيد شيخ جزءاً من برجي زويلة كقاعدة لمئذنتين متماثلتين على الطراز المملوكي، كتب عليهما اسم السلطان. واستخدم هذا الباب كمشنقة فيما بعد على مدى العصر المملوكي وما تلاه، وأشهر من شنق على هذا الباب هم رسل "هولاكو" على يد سيف الدين قطز وقت كان أتابك وصي على عرش السلطان. كما شهد الباب شنق طومان باي آخر سلطان مملوكي علي يد السطان العثماني سيلم الاول. واشتهر باب زويلة بمرور المحمل "كسوة الكعبة" منه الى القلعة ثم الحجاز. كما تعرف سوق تحت الربع بوجود أهم تحفة إسلامية معمارية على الإطلاق بين ربوعه وهي مسجد ومدرسة السلطان حسن، اللذان أمر بإنشائهما حسن ابن قلاوون أحد سلاطين المماليك لتدريس المذاهب الفقهية الاربعة. وتتكون المدرسة من صحن مكشوف تتوسطه أربعة أبواب تحصر بينها المدارس الاربعة، هذا بالاضافة الى مسجد ومدرسة برقوق في النحاسين، وانشأهما السلطان برقوق لتدريس الفقه وعلوم التفسير والحديث والقرآن والمسجد مشهور بمنارة نادرة من نوعها لما تحويه من نقوش رخامية دقيقة. كذلك مسجد المؤيد وهو ملاصق لباب زويلة، وكان المؤيد شيخ أحد المماليك الجراكسة سجيناً في هذا المكان، فنذر لله أن يبني مسجداً اذا استرد حريته، وحين أصبح سلطاناً على مصر شيد هذا المسجد الذي ترتفع منارته فوق باب زويلة.