لم يكن الخلاف بين البابا شنودة الثالث والقس الراحل ابراهيم عبدالسيد خافياً على أحد. إذ لم يكن الأخير يترك تصرفاً أو قراراً للكنيسة الارثوذكسية وعلى رأسها شنودة إلا وتناوله بالنقد والتعليق، حتى صار ما يصدر عنه من ردود على قرارات شنودة والكنيسة مادة ثرية للصحف ووسائل الإعلام. وعكست الطريقة التي تعاملت بها الكنيسة مع عبدالسيد بعيد وفاته حجم الخلاف بين الطرفين. اذ اضطر أهل القس المتوفي قبل أيام الى نقل الجثمان من كنيسة الى أخرى بعدما رفض المطارنة والقساوسة الصلاة عليه. وربما كان عبدالسيد هو الوحيد بين الأقباط المصريين الذي جهر بعداوته لشنودة. فحتى هؤلاء الذين عارضوا قرار البابا منع الاقباط المصريين من الذهاب الى القدس والصلاة في كنيسة المهد سارعوا الى تقديم الاعتذار الى شنودة بعد عودتهم من هناك. وامتلأت الصحف المصرية بعشرات من الإعلانات مدفوعة الأجر التي وقعها هؤلاء وابدوا فيها ندمهم على فعلتهم، والتمسوا العفو من شنودة ليسمح لهم بالصلاة مجدداً داخل الكنائس والحصول على الأسرار المقدسة التي حرموا منها. أما عبدالسيد فالخلاف بينه وبين البابا الذي تفجر قبل سنوات، لم يكن بسبب قضية زيارة القدس وإنما كان يتعلق بقضية اعتبرها شنودة تمس كيان الكنيسة وهي تتعلق بتقسيم الكنيسة للعقيدة القبطية. فهو كان يرى أن الأقباط المصريين لهم عقيدة واحدة ولا يصح تقسيمهم ما بين ارثوذكس وبروتستانت وكاثوليك، وهو الأمر الذي اعتبره شنودة وقتها غريباً وشاذاً ولا يتفق مع المعتقدات والتعاليم القبطية. فأصدر قراراً بوقف عبدالسيد وهو الإجراء الذي يطلق عليه الأقباط المصريون تعبير "شلحه من الكنيسة"، بعدما اعتبره منشقاً وخارجاً عنها. لكن عبدالسيد انطلق ليكتب في مجلات وصحف مصرية عدة ولم يترك فرصة إلا وانتقد فيها الكنيسة. أما شنودة فكان يبتسم حينما يسأله الصحافيون عن القضية ويرفض الخوض في تفاصيل الخلاف أو الرد على ما يكتبه الأخير. وفشلت جهود بذلها عدد من رموز الاقباط المصريين في جمع الرجلين على رأي واحد، فمسافة الخلاف بينهما كانت تتسع مع الوقت بما صعب من لقائهما مرة أخرى عند نقطة واحدة. كان المشهد قبل يومين في حي شبرا ذي الكثافة السكانية للأقباط غريباً. فجثمان عبدالسيد الذي توفي أثناء عودته من الاسكندرية حمله أهله داخل سيارة لإتمام مراسم الدفن واتجهوا به الى إحدى كنائس الحي ففوجئوا بمن فيها يبلغونهم أن الكنيسة ترفض الصلاة على جثمان قس "مشلوح". فتصوروا أنه موقف شخصي من قس الكنيسة، فاتجهوا الى كنيسة ثانية ثم ثالثة ورابعة دون جدوى، ثم ابلغهم رئيس مطرانية شبرا الانبا مرقص أن البابا شنودة الموجود حالياً في اميركا أصدر تعليمات تقضي عدم الصلاة على جثمان عبدالسيد. وأعتقدت الأسرة أن تغيير الحي والانتقال الى منطقة بعيدة عنه كفيل بحل المشكلة، فاتجهوا الى شرق القاهرة ووقفوا أمام كنيسة "السيدة العذراء" في حي مصر الجديدة وطلبوا من مطرانها إتمام المراسم فطلب منهم الانتظار وغاب لفترة قصيرة ثم عاد وأبلغهم أن البطريركية رفضت السماح بإتمام المراسم داخل الكنيسة. ولم يجد أهل عبدالسيد سوى التوجه إلى مدافن الاقباط في منطقة الجبل الأحمر وهناك قام قس "مشلوح" أيضاً بالصلاة على الجثمان قبل دفنه. مصدر في الكنيسة أكد ل"الحياة" أن الواقعة ليست هي الأولى، وأن الكنيسة رفضت من قبل الصلاة على أقباط آخرين بينهم قساوسة بعدما توفوا وهم "مشلوحين"، وقبل أن يعفي البابا عنهم. وأعتبر أن الجدل الذي سببته واقعة عبدالسيد يعود الى أن الأوساط القبطية كانت تعتبره المعارض الأوحد لشنودة، فكانت الضجة التي أثيرت عقب وفاته بحجم الضجة التي أثارها دائماً أثناء حياته.