هل كان مجرد صوغ اتهامات جزائرية ضد المغرب، عن ايواء نشطاء اسلاميين تورطوا في احداث عنف جنوب غربي الجزائر مبررا لتعليق خطوات الانفراج التي كان يعول عليها البلدان؟ يطرح السؤال في الرباط كما في عواصم مغاربية اخرى عن دلالات انتكاس العلاقات المغربية الجزائرية في كل مرة يقارب فيها البلدان الوصول الى تطبيع ايجابي، ذلك ان دخول اطراف رسمية في المغرب والجزائر في حرب نفسية لجهة الاتهام والنفي يعني حسب اكثر من مراقب ان علاقات الثقة بين البلدين لم تتبلور بعد في تقاليد الحوار الذي يكون في وسعه ان يقرب وجهات النظر المتباعدة. أبعد من ذلك ان عدم تطويق مضاعفات هذه الحرب الصغيرة يعني انها كانت بمثابة شجرة تخفي غابة من الاشكاليات التي تكتنف علاقات البلدين، ذلك انه على امتداد حوالى 40 عاماً لم تعرف خطوات التطبيع بين البلدين الجارين غير سنوات قليلة من الانفراج ليست في مستوى ما يجب ان تكون عليه العلاقات بين دولتين محكوم عليهما جغرافياً بالتعايش والجوار. وذهب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بعيدا في اماطة اللثام عن جوانب الخلافات المغربية الجزائرية، حين تحدث في الفترة الاخيرة عن تداعيات حرب الرمال التي تواجه فيها البلدان عام 1963، لكن بعض الاوساط التي تراقب وتيرة العلاقات المغربية - الجزائرية تستبعد معاودة تلك المواجهة، وتستند في ذلك الى ان خلافات الحدود تمت تسويتها من خلال ابرام معاهدة ترسيم الحدود وحسن الجوار في 1969، وان كان تمديد العمل بها احتاج الى أكثر من 20 عاماً، حين زار الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد المغرب واقر والملك الراحل الحسن الثاني تجديد الاتفاق في منتجع ايفرن الشتوي عام 1989. الى ذلك ان خلافات البلدين التي كانت تغذيها صراعات الحرب الباردة لم تعد ترتدي الحدة نفسها. لكن وجود اطراف عدة تناهض تقارب البلدين يلقي ظلالا من الشكوك والحذر ازاء الحفاظ على ضبط النفس والتزام الحوار لحل الخلافات الطارئة . عندما تولى الرئيس الجزائرية مقاليد الحكم في انتخابات الرئاسة الاخيرة ساد الاعتقاد في الرباط ان الرجل الذي قاد ديبلوماسية بلاده في مواجهات عنيفة مع المغرب بسبب الموقف من قضية الصحراء، سيكون امام اختيارين: اما المضي قدماً على طريق المواجهات السابقة، واما العمل على مد جسور التواصل مع الرباط، من منطلق ان السلام يصنع مع الخصوم حين يضعون السلاح جانباً. واختار الرئيس بوتفليقة ان يتقدم خطوات نحو المغرب من خلال تبادل رسائل ودية كانت الاكثر تقديرا وعاطفة في علاقات البلدين، وحالت الاقدار دون انعقاد قمة بين الملك الراحل والرئيس بوتفليقة كان البلدان يعولان على ان تطبع الفترة الجديدة من الوفاق المغربي الجزائري. وحين اختار الملك محمد السادس ان يكون الرئيس بوتفليقة اول من يطلع على نبأ غياب الملك الحسن قبل اعلانه رسمياً في الرباط كان ذلك ايذاناً بأن ما لم يستطع البلدان تحقيقه في حياة الملك الراحل يمكن ان يتحول الى التزام يكون الوفاء به أمانة لروح الملك الحسن، لذلك حرص الرئيس بوتفليقة ان يتقدم الموكب الجنائزي للملك الراحل، وظل ملتصقاً بنعشه الى درجة بدا معه وكأنه فقد نصفه الآخر، كما في حال الملك الحسن الثاني الذي صرح اثر وفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين انه فقد نصفه، في اشارة الى خصام الاخوة الاعداء. وبينما كانت وتيرة الاحداث تتسارع لجهة حدوث اختراق ايجابي في علاقات البلدين لمعاودة الوفاق، انفجرت ازمة جديدة عندما هاجم نشطاء اسلاميون منطقة بني ونيف جنوب غربي البلاد، واتهمت الجزائر المغرب بإيواء المتورطين في الحادث. وبمقدار ما يبدو للمراقبين ان اختيار الحادث في منطقة مجاورة لحدود البلدين كان جزءا من الصراع الدائر في الجزائر وبتزامن مع استفتاء الوئام المدني، كونها لم تعرف احداثا مماثلة وتسهل رقابتها، بمقدار ما التقطت الاطراف المناهضة للتقارب المغربي الجزائري ذلك الحادث وحولته الى ازمة ثقة وتباعد. تبددت الامال في عقد قمة مغربية جزائرية الى حين. وتراجع الحماس المتزايد ازاء امكان معاودة فتح الحدود المغلقة منذ اكثر من خمس سنوات، وطرحت اسئلة عدة حول آفاق البناء المغاربي المتعثر منذ سنوات بسبب تداعيات الخلاف المغربي الجزائري، وقضايا اقليمية اخرى. اللافت في غضون هذه التطورات ان المغاربة تعاطوا والاتهامات الجزائرية بمقدار من ضبط النفس تجاوز نفي الاتهامات نحو تأكيد الحرص على بناء علاقات الثقة مجدداً، ورد الرئيس الجزائري بإبداء نوع من التحفظ حول تصريحاته التي قال انه أسيئ فهمها، لكن ذلك لم يحل دون استخلاص انه لا زالت هناك حواجز نفسية وسياسية تعترض مسار التطبيع الايجابي لعلاقات المغرب والجزائر. ليست الاحداث التي يمكن ان تتعرض لها الحدود المشتركة بين البلدين هي السبب المباشر في انتكاس العلاقات المغربية الجزائرية، فقبل حادث اطلس - اسني عام 1994 الذي تسبب في اغلاق الحدود من طرف الجزائر رداً على قرار السلطات المغربية فرض التأشيرة على الرعايا المتحدرين من اصول جزائرية، لم تكن العلاقات بين البلدين على احسن حال، بسبب تباين الموقف ازاء التعاطي وقضية الصحراء. وحتى حين جرى حوار مغربي - جزائري حول تطويق مضاعفات ذلك الحادث تعرضت العلاقات مجدداً الى التوتر، اذ طالب المغرب تجميد مؤسسات الاتحاد المغاربي احتجاجاً على ما وصفه بعدم التزام الديبلوماسية الجزائرية توجهات الاتحاد المغاربي. ويبدو برأي اكثر من مراقب ان العلاقات بين البلدين اصبحت اسيرة الملفين الصحراوي والامني، فعندما يحدث نوع من التفاهم على دعم خطة التسوية التي ترعاها الاممالمتحدة في الصحراء ينفلت الوضع الامني، وعندما يتم تطويق الملف الامني يرتدي الخلاف على قضية الصحراء بعدا تصعيديا، وهو ما يحتم البحث في خلفيات العلاقات الخاصة بين البلدين، كونها لازالت اسيرة سنوات الصدام وتباين الاختيارات. في مؤتمر صحافي اخير عقده الرئيس بوتفليقة سئل عن العلاقة بين بلاده وفرنسا، فقال: انها من حسن الى احسن، وعن العلاقة مع الولايات المحتدة. قال: انها كذلك من حسن الى احسن، لكنه أجاب عن العلاقة مع المغرب بالقول انها من "الحسن الى محمد السادس"، والاجابة تختزل دهاء سياسياً يستنتج منه انه ترك الباب مفتوحا لأي تأويل، فالعلاقة بين المغرب والجزائر على عهد الملك الحسن الراحل لم تستقر على ضفاف الانفراج، وبالمقدار نفسه اختزلت الاسابيع الاولى لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في بلاده كل مراحل التذبذب، فقد بدأت اكثر انجذاباً نحو المستقبل لكنها ارتدت في فترة وجيزة الى الوراء. وربما بسبب المخاوف الناشئة حيال عدم الخروج من نفق انعدام الثقة تدخلت اوساط مغاربية واجنبية للتلويح بأهمية تحسين العلاقات المغربية الجزائرية، وكانت الادارة الاميركية في مقدم الداعين لتحقيق هذا الانفراج، اقله لجهة تأهيل المنطقة المغربية، وتحديدا تونسوالجزائر والمغرب لاستحقاقات الشراكة السياسية والاقتصادية مع الولاياتالمتحدة. كذلك اهتمت عواصم اوروبية ومغاربية بضبط ايقاع هذه العلاقات التي تهدد بمعاودة التوتر، وربما زاد في تعقيد الموقف ان الخلاف بين المغرب والجزائر امتد نحو المنطقة المغاربية، وحدث تقارب ملحوظ بين ليبيا والجزائر يعزى في المقام الاول الى الحسابات الافريقية للبلدين، لكنه يؤثر بصورة او بأخرى في العلاقات المغاربية. ولعله بسبب المخاوف حيال قيام محورين جديدين في المنطقة حرص المغرب وتونس على تأكيد التزامها البناء المغاربي خلال زيارة رئيس الوزراء التونسي حامد القروي الى الرباط الاسبوع الماضي. وشكلت هذه الاشارة عنصراً مشجعاً على طريق المساعي المبذولة لتطويق الخلاف المغربي - الجزائري، سيما وان الجزائر مرشحة لاستضافة القمة المغاربية المقبلة التي أرجأت مرات عدة. وبمقدار ما يصعب تصور انعقاد قمة مغاربية من دون حلحلة الوضع بين المغرب والجزائر، بمقدار مايصعب تصور انجاز هذه المهمة من دون الإلمام بخلفيات العلاقات المغربية - الجزائرية. فالتعبير عن النوايا ليس كافيا، والاهم ان تكون مقاربة الحوار بين البلدين شاملة بصرف النظر عن اي عنوان يطلق عليها، وربما كانت اولى المتطلبات تفرض تحييد جوانب الخلافات والانكباب على جوانب التلاقي. فالمغرب والجزائر يفيدان معاً من معاودة فتح الحدود، كذلك فإن حل قضية الصحراء يدعم استقرار المنطقة، والرهان على الاستقرار الداخلي في الجزائر ليس منعزلاً عن الاستقرار الاقليمي.