قليلة هي الكتابات التاريخية الرصينة التي تغدو مرجعاً علمياً للدارسين والباحثين الجديين الذين يتجشمون عناء البحث الدؤوب في الحصول على المراجع المطلوبة لأعمالهم. في السنوات الأخيرة وبسبب المتغيرات المتسارعة في إيقاع السياسات الاقليمية والدولية، كثرت الكتابات التي تحاول تدوين تاريخ الأكراد والاضطهاد القومي الذي طبع تاريخهم القديم والمعاصر، ومأساتهم التي ظلت أسيرة سيناريوهات ومصالح عالم السياسة الرديء الى ان تغيرت الموازين وأضحت القضية الكردية قضية لا مهرب من تناولها. في ظل تلك الأجواء، غدت الكتابات والمقالات الصحافية من قبل الاكراد وغيرهم، تنهمر على صفحات الجرائد الكردية والعربية والأجنبية. لكن مع الأسف الشديد، لم تُستغَل تلك الفرصة، على الأقل حتى الآن، بطريقة علمية وبأمانة، فاذا بكثير من تلك النصوص لا يحتكم الى الموضوعية ولا يتجنب المزاجية، وراح البعض منه يتهور في سباحة في الماء العكرة، أو يتورط في تشويه الحقائق التاريخية، أو يتبع سياسة الانتقاء حسب ما تمليه مصلحة هذه الجهة أو تلك. وأكثر ما يحز في النفس أن بعض الاكراد قاموا بهذا، فضيّعوا تاريخ مقاومتهم وموروثهم النضالي، غارقين في الصراعات الوهمية التي لا تصح حتى الصفة الايديولوجية نعتاً لها. وهكذا تركوا المسار الحقيقي والجوانب الجوهرية للقضية. اما الطرق الاجرائية التي اتبعها ويتبعها هؤلاء، فتمتاز بقصور في النظر وعدم وجود الشمولية في طرق التفكير وبعدم الانطلاق من حق التعددية في تدوين مسارات الحركات الكردية. إن استرجاع الأحداث التاريخية يستدعي مكاشفة حقيقية مع كل الجوانب البارزة والمهزومة للذات. فلا يكفي أن نكون خطابيين في الأسلوب أو إعلاميين في انتقاء الجمل والعبارات بهدف زخرفة الأحداث. فاذا كان علينا استذكار واحترام بطولات المقاومة التي هي الذاكرة التاريخية اليتيمة لشعب حاول البقاء على امتداد التاريخ، فعلينا ايضاً النظر برؤية ثاقبة الى النكبات والهزائم والمؤامرات التي نزلت بالأكراد على أيدي أعدائهم، وكان للأكراد دور في احداثها. فكيف نتحاور مع العالم الخارجي ونحن حتى الآن لا نعترف لا بالاختلافات ولا بالآراء المغايرة داخل البيت الكردي. وكيف نفعل هذا وقد أخذ التماهي مع الآحادية السياسية يحتل كل الحيّز والمساحات الحياتية الأخرى، ابتداء من الكتابات التاريخية أو الصحافية التي تنبش أحداثا تاريخية باستهتار وبدون رحمة. مع الأسف الشديد، تستجيب تلك الكتابات للقوالب السياسية والمواصفات الجاهزة. اننا في أمس الحاجة الى ايجاد طرق تفكير جديدة تجرؤ على اقتحام التابو ومحاسبة الذات وكشف الغطاء والبحث في الموضوعات المؤجلة دائماً.